هل تتسع "باشاك شهير" لقادة حماس؟

عقب هجوم السابع من أكتوبر، تعرضت قطر لانتقادات إسرائيلية وأميركية حادة بسبب استضافتها قادة الذراع السياسي لحركة حماس، ورافق ذلك تهديدات إسرائيلية باغتيال قادة الحركة.

إلا أن دور الوساطة الذي تلعبه قطر برعاية أميركية ساعد الدوحة على تجاوز هذه الضغوط.

لكن بعد أشهر من تعثر مفاوضات تبادل الأسرى ووقف الحرب على غزة، بدأت الضغوط الأميركية تتصاعد، ولوح مشرعون أميركيون بضرورة "معاقبة قطر" على عدم ضغطها الكافي على قادة حماس لإتمام صفقة التبادل، الأمر الذي أغضب الدوحة التي ردت بدورها بالتلويح برفع يدها عن دور الوساطة الذي لعبته منذ بداية الحرب.

ولا يعرف حتى الآن ما أن كانت الدوحة بالفعل قد ضغطت على حركة حماس للخروج منها أم أن الحركة نفسها بادرت للبحث عن بدائل.

بالتزامن، زار وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الدوحة والتقى قادة حماس لبحث تطورات الحرب ومباحثات تبادل الأسرى، وهو ما زاد التكهنات حول دور تركي متوقع في مباحثات تبادل الأسرى وإنهاء الحرب، والحديث عن "ضوء أخضر" أميركي لتركيا من أجل لعب دور أكبر في المباحثات مع حركة حماس.

أنقرة العضو في حلف شمال الأطلسي والتي لديها علاقات دبلوماسية وتجارية متقدمة مع إسرائيل، بقيت طوال السنوات الماضية تتعامل بحذر مع ملف استضافة حركة حماس ولم تقبل باستضافة الحركة بشكل رسمي أو فتح مكاتب رسمية لها في إسطنبول للحفاظ على علاقاتها مع واشنطن وتل أبيب.

وفي ظل عدم وجود إجابات واضحة حتى الآن، يعتقد أن الخطوات التركية الأخيرة جاءت بالتنسيق مع واشنطن، في حين ذهب محللون إلى أبعد من ذلك، بالحديث عن خطة أميركية من مرحلتين:

• المرحلة الأولى: تمنع إغلاق كافة الأبواب في وجه قادة حماس الذين سيجدون أنفسهم مضطرين للانتقال إلى إيران.

• المرحلة ثانية: تبحث إمكانية تحقيق اختراق في مواقف الحركة بوساطة تركية، حيث استند أصحاب هذا التحليل لتصريح وزير الخارجية التركي عن أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية تعهد له بأن الحركة ستكون مستعدة لوقف عملها المسلح، في حال إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.

لم يؤكد أي مصدر رسمي من تركيا أو حماس بحث خيار الانتقال لإسطنبول، لكن الخيار لا يبدو مثاليا لحماس التي تعلم جيدا التركيبة السياسية والأمنية التي تختلف بدرجة كبيرة عن قطر.

فالنظام السياسي في تركيا لا يتيح لها حرية العمل، وذلك للكثير من الحسابات في جوهر الدولة التركية العلمانية.

فطوال السنوات الماضية، تعاملت الحكومة التركية مع حماس بشكل غير رسمي وبلقاءات سرية، وفي إطار "دعم القضية الفلسطينية" بشكل عام دون تقديم أي دعم سياسي أو عسكري أو حتى مالي مباشر للحركة، وذلك لحسابات كثيرة داخلية وأخرى تتعلق بالعلاقات مع أميركا والناتو وحتى العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.

ومرارا طرحت أميركا وإسرائيل ملف وجود قيادات من حماس في تركيا ووجود شبكات لتمويل الحركة تعمل من الأراضي التركية.

وفي أكثر من محطة اتخذت السلطات التركية إجراءات مختلفة لنفي هذه "الاتهامات"، وطلبت من قيادات في الحركة اتهمتها إسرائيل بممارسة "نشاط عسكري" من الأراضي التركية المغادرة.

ولعل أبرز هولاء صالح العاروري، الذي تجنب إسطنبول في السنوات الأخيرة لحين اغتياله في قصف إسرائيلي استهدف منزله في ضاحية بيروت الجنوبية عقب السابع من أكتوبر.

يضاف إلى ذلك العامل الأمني الذي يجعل قادة حماس يفكرون مرارا قبيل الاستقرار في تركيا، حيث عمل الموساد الإسرائيلي في السنوات الأخيرة على محاولة زرع خلايا له على الأراضي التركية، لملاحقة قادة وعناصر حماس.

وأعلنت المخابرات التركية مرارا ضبط شبكات للموساد كانت تلاحق قيادات سياسية فلسطينية، في إشارة إلى قادة حماس.

لكن تبقى إسطنبول أيضا أكثر أمنا من دمشق وبيروت وحتى طهران التي باتت تصلها الطائرات الإسرائيلية بسهولة.

وفي ظل كافة المعطيات السابقة، يبرز تصريح وزير الخارجية التركي، عن استعداد حركة حماس لترك العمل المسلح مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود 67.

فالحديث عن وساطة تتعلق بالمستقبل السياسي لحركة حماس، يبدو أكثر واقعية من الحديث عن إمكانية نجاح تركيا في تحقيق اختراق مفاجئ في مفاوضات تبادل الأسرى ووقف الحرب.

العلاقات بين أنقرة وتل أبيب ليست في أحسن مراحلها، وهو ما قد يعيق إرساء أي أرضية تتيح التوصل لاتفاق سريع لتبادل الأسرى أو يتيح لتركيا لعب دور الضامن، أو حتى إرسال "قوات فصل" إلى غزة، وهو ما طُرح تركياً ورُفض إسرائيليا على الفور.

أما في حال وجود "ضوء أخضر" أميركي لترتيبات مرحلة ما بعد الحرب في غزة، ورغبة واشنطن في تجنب انتقال قيادة حماس إلى طهران وتوقعها بنجاح بأنقرة في إحداث اختراق في برنامج حماس السياسي والعسكري، فإن الحديث عن دور تركي مستقبلي يبدو أكثر واقعية، وهو ما مهد أرضية لأردوغان يلتقي خلالها إسماعيل هنية بشكل رسمي وعلني لأول مرة.