لعبة الكراسي الإسرائيلية.. استقالة جنرال لحماية الكبار؟

جهاز أمان هو ذراع الاستخبارات التابعة للجيش الإسرائيلي، والجهاز الاستخباري صاحب الميزانية الأعلى في إسرائيل، وتتبعه مجموعة من الوحدات الخاصة البارزة، منها وحدة "8200" للتجسس السيبراني ووحدة الرقابة العسكرية المسؤولة عما يُتاح نشره في الإعلام.

الجهاز مسؤول عن جمع المعلومات الاستخباراتية وإجراء التقييمات الاستراتيجية ورفعها للطبقة السياسية لاتخاذ القرار المناسب.

تتنصت وحدات جهاز أمان على المكالمات في غزة، واعتراض الإشارات اللاسلكية ومراقبة الإنترنت وجمع المعلومات عبر طائرات الاستطلاع وتجنيد عملاء على الأرض، من أجل أن تكون لإسرائيل عين ثاقبة ترى كل شيء في القطاع المحاصر.

وبالفعل في السابع من أكتوبر، نجحت الوحدة 8200 التابعة للجهاز في رصد تفعيل مئات شرائح الهواتف الإسرائيلية داخل القطاع، وهو ما تُرجم على أنه هجوم وشيك محتمل قد يشمل محاولة الاستيلاء على مستوطنة واختطاف رهائن.

لكن قادة الجيش هوّنوا من خطورة الموقف وفشلوا في اتخاذ القرار المناسب وإخطار الوحدات في الميدان وإرسال تعزيزات لمنطقة غلاف غزة.

هاليفا في رسالة استقالته أقر بأن جهاز أمان تحت قيادته "لم يرق إلى مستوى المهمة التي أوكلت إلينا"، وأضاف "أحمل ذلك اليوم الأسود معي منذ ذلك الحين، يومًا بعد يوم، وليلة بعد ليلة".

ولكن اللافت للنظر، هو استخدام هاليفا لعبارة "سأحمل معي إلى الأبد الألم الرهيب للحرب"، وليس "الألم الرهيب لفشل 7 أكتوبر" وهو ما فسره الصحافي اليميني البارز عاميت سيجال على أنه تشكيك في الحرب على غزة بدلاً من هجوم حماس.

هاليفا طالب أيضاً بتحقيق فوري شامل عما حدث في 7 أكتوبر مع قادة المستويين السياسي والأمني، وهو التحقيق الذي حاول رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس أركان الجيش تأجيله والتهرب منه، متحججين بأن إجراء تحقيق في وقت الحرب قد يؤثر في سير المعركة والأداء الميداني العسكري.

رسالة استقالة هاليفا قابلتها إشادة من قادة ورموز معارضة الحكومة الذين أكدوا مطلبه بفتح تحقيق وطني شامل مع جميع رموز الطبقة السياسية والعسكرية المسؤولين عن فشل التصدي لهجوم 7 أكتوبر وتعثر الحرب في غزة.

في شهر أكتوبر الماضي، قالت صحيفة هآرتس إن نتنياهو يحاول جمع أدلة ومعلومات تدين قادة الجيش بفشل 7 أكتوبر وتحميلهم المسؤولية عما جرى، والنأي بنفسه عن تلك الكارثة بالقول بأنه لم يكن يعلم، وأنهم قصروا في نقل المعلومات إليه.

وفي نهاية شهر أكتوبر، نشر نتنياهو تغريدة ألقى فيها باللوم على قادة الأجهزة الاستخباراتية والجيش في عدم إخطاره بما لديهم من المعلومات عن احتمال وقوع هجوم من حماس، وتسبب ذلك في عاصفة من الانتقادات دفعته إلى حذفها.

الآن استقالة اللواء هاليفا وإقراره بالفشل وإخفاق جهاز أمان تحت قيادته في 7 أكتوبر بمثابة نجاة لرئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع يوآف غالانت وحتى رئيس أركان الجيش، للقول بأنه لولا فشل جهاز أمان في توفير معلومات استخباراتية كاملة لنجحت إسرائيل في صد الهجوم.

وبالفعل، صحيفة إسرائيل هيوم اليمينية سارعت لنشر هجوم ضد الجنرال المستقيل، واصفة إياه بالمغرور الذي يصعب العمل معه، وزعمت بأنه المسؤول عن فشل 7 أكتوبر.

الصحيفة ادعت أنه كان في عطلة خلال ذلك اليوم على شواطئ مدينة إيلات، وعندما وصله تحذير من الوحدة 8200 عن إشارات هجوم وشيك من غزة، طالب برفع حالة اليقظة، ثم ذهب إلى النوم مرة أخرى.

القناة 14 الموالية لنتنياهو هاجمت أيضا هاليفا، وقالت إنه يجب محاكمته. وقال المعلق العسكري للقناة "عار هاليفا لن يتمكن أحفاد أحفاده من محوه". وغرد أنصار نتنياهو أن هاليفا "مجرم" يجب محاكمته وطرده من منصبه.

هناك نظرية مؤامرة في إسرائيل في دوائر اليمين تقول إن قادة الجيش تعمدوا التسبب بفشل 7 أكتوبر للإطاحة بنتنياهو من منصبه.

الآن يستطيع نتنياهو وحلفاؤه تقديم هاليفا ككبش فداء، والتدليل بأنه لولاه لما وقع هجوم "السبت الأسود".

بحسب القناة 12 الإسرائيلية، فإن هناك مرشحين بارزين لخلافة اللواء هاليفا في رئاسة جهاز أمان. أولهما هو اللواء أفي جيل سكرتير نتنياهو العسكري المقرب منه.

القناة تقول إن جيل عُيّن في منصبه بقرار سياسي باختيار من نتنياهو نفسه، لذلك قد يكون تنصيبه رئيساً للشاباك تعزيزاً لرئيس الوزراء، وحماية لظهره، عبر وضع حلفائه في تلك المواقع الاستراتيجية.

المرشح الآخر هو العميد شلومي بيندر الذي شغل منصب قائد لواء غولاني في الجيش، وشارك في حرب 2014 على غزة، ويشغل حالياً منصب رئيس لواء العمليات.

لكن القناة تقول إن هناك اعتراضات على بيندر، باعتباره جزءاً من الفشل في صد هجوم "السبت الأسود"، وهو ما قد يعرقل توليه المنصب.

هجوم 7 أكتوبر خلق ضغوطاً كبيرة على المستويين السياسي والعسكري لاستقالة كبار القادة الذين فشلوا في تأدية واجبهم تجاه حفظ أمان إسرائيل.

لكن كانت حجة قادة الحكومة والجيش هو أن الوقت غير ملائم لساعة الحساب تلك، وأن إقالة جنرالات الجيش الكبار قد تقوض من الأداء العسكري الميداني في غزة، لذا يجب الانتظار وتأجيل الحديث في هذا الأمر لحين أن تضع الحرب أوزارها.

لذلك استقالة هاليفا المفاجئة وسط الحرب قد تسبب الحرج لزملائه قادة الشعب الأخرى في الجيش وتدفع باتجاه موجة من الاستقالات أو الفصل من الجيش.

وبعد ساعات من استقالة هاليفا، أعلن قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، اللواء يهودا فوكس، الإثنين، اعتزامه الاستقالة من منصبه في أغسطس المقبل، وأفادت قناة "كان"، التابعة لهيئة البث الإسرائيلية الرسمية، بأن فوكس أبلغ رئيس الأركان اللواء هرتسي هاليفي بقراره.

بحسب صحيفة والا، فإن المرشحين الأبرز للاستقالة بعد هاليفا هم رئيس الشعبة الاستراتيجية اللواء إليعيزر توليدانو، ورئيس شعبة العمليات اللواء عوديد باسيوك، ومنسق العمليات الحكومية في الضفة اللواء غسان عليان، وقائد الوحدة 8200 العميد يوسي ساريئيل، ورئيس لواء العمليات العميد شلومي بيندر المرشح حالياً لمنصب رئيس أمان.

الصحيفة قالت إن هناك مطالبات بأن يكون خليفة اللواء هاليفا لرئاسة جهاز أمان غير ملوث بفشل 7 أكتوبر، وهو ما يعني أن قادة الصف الأول في الجيش أصبحوا بعيدين وباتت إزاحتهم مسألة وقت، ليتم إحلال جيل جديد منهم.