حزمة الـ"95 مليار دولار".. كم تحتفظ أميركا لنفسها؟

في عام 1953 قال الرئيس الأميركي، دويت أيزنهاور، إن "كل سلاح يُصنّع، وكل سفينة حربية وصاروخ، يعني في النهاية، سرقة أولئك الذين يجوعون ولا يُطعمون، أولئك الذين يشعرون بالبرد ولا يلبسون".

وقبيل انتهاء فترته الرئاسية، عام 1961، حذر أيزنهاور من أن "في مجالس الحكومة، يجب علينا أن نحترس من اكتساب المجمع الصناعي العسكري نفوذ غير مبرر، وأن احتمال الصعود الكارثي للقوة في غير محلها موجود وسوف يستمر".

قصد الرئيس الأميركي بمصطلح "المجمع الصناعي العسكري" تحالف مصالح غير معلن بين الجيش الأميركي والكونغرس وشركات الأسلحة.

وبالفعل، تشير تقارير، إلى امتلاك هذه الشركات قوة هائلة في الولايات المتحدة الأميركية حاليا، من حيث القيمة الاقتصادية أو النفوذ السياسي، والقدرة على دعم مرشحين معينين أو الإطاحة بآخرين.

5 شركات فقط تستحوذ على نحو 20% من ميزانية وزارة الدفاع الأميركية، وهي شركات بوينغ، جنرال دايناميكس، لوكهيد مارتن، نورثروب جرومان، ورايثيون، حيث تحصل تلك الشركات الـ5 على أكثر من 150 مليار دولار سنويا من ميزانية البنتاغون.

شركات السلاح تلك تسعى أيضا لجني الأرباح عبر دفع البيت الأبيض والكونغرس لمنح مساعدات عسكرية لدول أجنبية، لأن أموال تلك المساعدات ستستخدم في شراء أسلحة من تلك الشركات.

وتنفق شركات الأسلحة ما لا يقل عن 100 مليون دولار سنويا على جماعات الضغط في واشنطن، بما يشمل تبرعات تجاوزت 83 مليون دولار خلال عامين فقط لحملات انتخابية لمرشحين بعينهم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

وتوظف شركات الأسلحة نحو 897 موظف لوبي لحث أعضاء الكونغرس والبيت الأبيض على تلبية مصالح تلك الشركات.

وهناك ما يعرف بـ"الباب الدوار" بين الحكومة وتلك الشركات، حيث يتجه بعض كبار الموظفين في البيت الأبيض وأعضاء الكونغرس ومعاونيهم للعمل في تلك الشركات بعد ترك الخدمة، أو يعمل موظفو تلك الشركات في أروقة صنع القرار الأميركي لفترة من الزمن.

نحو 616 من موظفي جماعات الضغط المتعلقة بشركات السلاح يمكن تصنيفهم على أنهم من أعضاء "الباب الدوار".

حزمة المساعدات التي مررها الكونغرس وصادق عليها بايدن تشمل نحو 60 مليار دولار لدعم أوكرانيا منها 8 مليارات لدعم الحكومة الأوكرانية، و14 مليار دولار لدعم إسرائيل، ونحو 8 مليارات دولار لمساعدة دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وخاصة تايوان.

وهناك أيضا 9 مليارات دولار أخرى مخصصة للمساعدات الإنسانية في مناطق الصراع، بما في ذلك خارج أوكرانيا وغزة وهي تنقسم إلى:

1. مبلغ 5.6 مليارات للمساعدات الدولية العامة في حالات الكوارث.
2. و3.5 مليارات دولار لمساعدة اللاجئين.
3. 2.5 مليار دولار لدعم عمليات "القيادة المركزية" التابعة للجيش الأميركي والمسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
4. و500 مليون دولار لإعادة توطين اللاجئين الأوكرانيين في الولايات المتحدة.
5. نحو 20 مليار دولار من الحزمة ككل ستذهب للمساعدات الإنسانية أو الاقتصادية.

يعني هذا أن معظم الحزمة سيعود إلى جيوب الشركات الأميركية الخاصة لأن القانون الأميركي يوجب أن يتم شراء المساعدات الإنسانية من شركات داخل الولايات المتحدة الأميركية نفسها وأن تنقل على مركبات وسفن أميركية.

بحسب صحيفة واشنطن بوست وموقع ديفينس ون فإن نحو 57 مليار دولار من مبلغ الحزمة، نحو 60%، لن تغادر الولايات المتحدة أبدا.

فتلك الأموال ستمنح لشركات تصنيع الأسلحة الموجودة في عشرات الولايات الأميركية حيث تلقت شركات الأسلحة 39 من أصل 50 ولاية عقود أسلحة ذات صلة بأوكرانيا.

ويضيف موقع إنسايدر أنه في شهر نوفمبر 2023 كان هناك أكثر من 100 خط إنتاج للأسلحة لأوكرانيا في حوالي 30 ولاية و70 مدينة أميركية، بما في ذلك كاليفورنيا وأريزونا وألاباما وتكساس، وكشفت مجلة التايم أن المساعدات الأميركية لأوكرانيا خلقت آلاف فرص العمل في 38 ولاية على الأقل.

لذلك، يعتبر الرؤساء الأميركيون حزم المساعدات الخارجية، استثمارا في الاقتصاد الأميركي، يُفيد أصحاب شركات السلاح ومصانع القطاع الدفاعي وجماعاتهم الضاغطة.

• من مبلغ 57 مليار الذي سيبقى داخل الولايات المتحدة الأميركية، خصص نحو 24.5 مليار دولار لتجديد مخزون الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة بالفعل لأوكرانيا وإسرائيل ودول أخرى، مثل طلقات الذخيرة عيار 155 ملم.

الرئيس الأميركي يملك صلاحية منح إذن بالنقل الفوري للمواد والخدمات العسكرية من المخزونات الأميركية على أن يُعاد بناء المخزونات عند تبني حزم مساعدات أو موازنة الدولة.

• هناك أيضا ما يقرب من 14 مليار دولار سيتم دفعها لشركة لوكهيد مارتن في ولاية أركنساس لشراء أنظمة أسلحة متقدمة لأوكرانيا، مثل نظام الصواريخ المدفعية عالية الحركة.

• وهناك مبلغ 1.6 مليار دولار لتجديد المخزون العسكري الأميركي الموجود في إسرائيل، بما في ذلك قذائف المدفعية والصواريخ المخزنة في إسرائيل للاستخدام العسكري الأميركي، ولكنها متاحة للإسرائيليين لاستخدامها إذا لزم الأمر.

• ما يقارب 5 مليارات دولار ستمنح لشركات السلاح الأميركية لتوسيع قدراتها الإنتاجية العسكرية ليصبح بإمكانها إنتاج مليون قذيفة سنويا من عيار 155 ملم بدلا من نحو 10 آلاف قذيفة شهريا.

ذلك المبلغ سيساهم في شراء أغلفة للقذائف، وعبوات ناسفة، ورؤوس حربية، وصمامات لإمداد الشركات بها.

• وهناك مبلغ 7 مليارات دولار نصفها موجه لإسرائيل، ويُصرف من أحد برامج وزارة الخارجية الأميركية يدعى "التمويل العسكري الأجنبي" يُمنح بموجبه المبلغ لحكومات خارجية ككوبونات ليقوموا باستخدامها في شراء معدات عسكرية أميركية كما يحلوا لهم.

• وسيستخدم ما يقرب من 3.3 مليارات دولار لتعزيز إنتاج الغواصات، مثل الغواصات من طراز فيرجينيا، من متوسط 1.3 غواصة سنويا إلى غواصتين سنويا. وتبلغ تكلفة كل غواصة من طراز فيرجينيا نحو 4.3 مليارات دولار بحسب واشنطن بوست.

تقول صحيفة واشنطن بوست أن حزمة المساعدات الهائلة التي تتجاوز 95 مليار دولار تتضمن ما يقرب من 18 مليار دولار للإنفاق الدفاعي لمساعدة البنتاغون وأجهزة المخابرات على تمويل تكلفة إدارة تداعيات الحرب في أوكرانيا والحرب الإسرائيلية على غزة.

جزء غير محدد من تلك الأموال مخصص لأنشطة استخباراتية سرية وجزء آخر يقدر بنحو 2.4 مليار دولار ستذهب للقيادة المركزية الأميركية التي تقوم بعمليات في الشرق الأوسط.

هذا يعني أن هناك فقط نحو 21% متبقية من مبلغ مخصصة للمساعدات والدبلوماسية، جزء كبير منها سيذهب إلى الشركات الأميركية أيضا عند شراء المساعدات الإنسانية مثلا.

في العادة، تعادل المساعدات الأميركية لإسرائيل نحو 15% من ميزانية الدفاع الإسرائيلية حيث تبلغ قيمة تلك المساعدات نحو 3.8 مليارات دولار سنويا.

لكن بايدن أضاف إليها ما يزيد عن 14 مليار أخرى في حزمة المساعدات الأخيرة ليصبح المجموع أكثر من 17 مليار.

المساعدات العسكرية الأميركية للدول الخارجية دائما تقتصر على استخدام تلك الدول للمنحة الأميركية لشراء أسلحة من داخل الولايات المتحدة الأميركية نفسها.

• لكن الولايات المتحدة تمنح إسرائيل استثناء لتلك القاعدة، بنحو 4 مليارات دولار من الحزمة، سيستخدمها الإسرائيليون في تجديد نظام "القبة الحديدية" و"مقلاع داود".

• وهناك أيضا 1.2 مليار دولار لنظام "الشعاع الحديدي" قيد التطوير والمصمم لإسقاط الصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون بأشعة الليزر. كل تلك الأموال ستدخل لخزنات الشركات الإسرائيلية.

• ويشمل التمويل 3.5 مليارات دولار لشراء أنظمة أسلحة متقدمة ومواد دفاعية وخدمات دفاعية من الولايات المتحدة الأميركية نفسها. ومليار دولار "لتعزيز إنتاج وتطوير المدفعية والذخائر المهمة"، بحسب صحيفة هآرتس.