سياسة
.
بعد مرور أكثر من 6 أشهر على حرب استنزاف في غزة ومع حزب الله في الشمال، تجد إسرائيل نفسها أمام أحد "أكثر الخيارات مصيرية في تاريخ البلاد"، على حد تعبير صحيفة وول ستريت جورنال.
أمام كل هذه الوقائع تجد إسرائيل نفسها "مثل سفينة تائهة في طريقها للدمار بأيديها"، بحسب الجنرال الإسرائيلي، احتياط، يتسحاق بريك.
في وقت أشارت القناة 12 الإسرائيلية إلى أن استقالة رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، المتوقعة خلال الفترة المقبلة، أكدت أن نقاشا يدور حاليا حول خليفته، لتبدأ سلسلة من استقالات قادة الجيش المسؤولين عن أحداث 7 أكتوبر، في وقت تجد فيه القيادة السياسة في الاستقالات العسكرية توق نجاة.
فما القصة؟ وكيف أجبرت الحرب هؤلاء على الجلوس معا في خندق واحد؟ وكيف يقوض بعضهم بعضا؟
الجنرال بريك يحذر من أن رئيس وزراء البلاد، ووزير الدفاع غالانت، ورئيس أركان الجيش هاليفي "فقدوا كل حس بالمسؤولية الوطنية"، وأصبحت الحرب بالنسبة لهم مسألة ثأر شخصي بعد 7 أكتوبر .
وأضاف بريك أن أولئك "يتخذون قراراتهم من دون الأخذ بالاعتبار العواقب الوخيمة والتداعيات على الإطلاق. إنهم يقررون من أحشائهم وليس من رؤوسهم، وكل شيء من دون ذرة من المسؤولية"، حسب وصفه.
نتنياهو تحركه بالطبع اعتبارات البقاء السياسي وتجنب المحاكمة قبل اعتبارات الأمن القومي، بحسب بريك الذي يرى أن وزير الدفاع غالانت لا يقل خطورة عن رئيس الوزراء وأنه يعيش في "عالم افتراضي وفقد تماما منطقه وفهمه للواقع الحقيقي".
بريك سخر من وعود غالانت بأن "حماس ستُدَمر بالكامل" أو "لبنان سيعود للعصر الحجري"، وقال إن وزير الدفاع أصبح يشبه "الفيل في متجر للخزف الصيني" وتشكل قراراته خطرا على إسرائيل.
الجنرال الإسرائيلي ذكر أن غالانت أراد في بداية الحرب على غزة أن يفتح جبهة أخرى مع حزب الله في الشمال ويوشك الآن أن يفتح جبهة ثالثة مع إيران، وهو ما كان سيؤدي لجعل بعض المدن الإسرائيلية "مثل المدن المدمرة في قطاع غزة".
ويضيف بريك "ليس لدى إسرائيل في هذه الأيام قائد مسؤول ذو مكانة يستطيع أن يقود البلاد ومواطنيها إلى شاطئ آمن".
"حتى وزير الدفاع السابق، وأحد رموز المعارضة، بيني غانتس، انضم لمجلس الحرب ورضي أن يكون معاونا لنتنياهو بدلا من أن يكون صوت العقل والضمير في إسرائيل"، بحسب بريك.
الجنرال بريك يجادل أن إسرائيل وصلت لطريق مسدود حاليا، حيث فشلت في استعادة الرهائن أو القضاء على حماس بعد أكثر من نصف عام من حرب الاستنزاف.
وأضاف أن الجيش الإسرائيلي حاليا "يواصل تخبطه في الوحل من دون أن يرى أي أفق للحل"، وإنهاء المعركة في غزة، بينما "الرؤوس الكبيرة" (الـ4) يريدون إشعال المزيد من ساحات القتال في الشرق الأوسط من دون التفكير في العواقب مما قد يؤدي لإشعال حرب عالمية ثالثة.
انتقد بريك مهاجمة القنصلية الإيرانية في سوريا من البداية، وحذر من تصاعد التوتر الذي ربما يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة.
لذلك يناشد بريك الرئيس الأميركي، جو بايدن، بأن يبقى "صوت العقل" (..) لتجنب الكارثة.
صحيفة وول ستريت جورنال كان لها رأي آخر، وهو أن الثلاثي الحاكم في إسرائيل حاليا نتنياهو، وغالانت، وغانتس، تشوب علاقاتهم الخلافات المستمرة منذ فترة طويلة حول أفضل الطرق لقيادة الحرب على غزة ومرحلة ما بعد الحرب، وهو ما ينذر بالخطر فيما يتعلق بقرار إسرائيل تجاه إيران.
الصحيفة نقلت عن الجنرال الإسرائيلي، جيورا إيلاند، أن الثلاثي الحاكم تنعدم بينهم الثقة ويحاولون استبعاد بعضهم البعض من القرارات.
وزير الحرب غانتس مثلا كان وزير الدفاع حتى نهاية عام 2022 ورئيس أركان الجيش خلال حرب إسرائيل الكبرى على غزة عام 2014، ولا يخفي رغبته في الإطاحة بنتنياهو كرئيس للوزراء، ودعا في وقت سابق من هذا الشهر لإجراء انتخابات مبكرة في سبتمبر المقبل.
غانتس نافس نتنياهو على الحكم في 5 انتخابات متتالية من دون جدوى، لكن هذه المرة يبدو نتنياهو ضعيفا سياسيا بسبب الحرب وهو ما يعطي فرصة جديدة لغانتس على الإطاحة بخصمه.
العلاقات بين غانتس وغالانت متوترة أيضا، وتقول الصحيفة الأميركية إن الرجلين لم يتحدثا مع بعضهما البعض لأكثر من عقد من الزمن قبل الانضمام لمجلس الحرب معا بعد 7 أكتوبر.
وتعود الخلافات الشخصية بين الاثنين لعام 2010، عندما رشحت حكومة نتنياهو غالانت ليصبح قائدا للجيش، لكن تسربت في ذلك الوقت وثيقة زعمت قيام غالانت بحملة تشهير ضد منافسيه بما في ذلك غانتس، وهي ما أدت لإنهاء مسيرة غالانت العسكرية رغم نفيه لذلك.
وذهبت الوظيفة في ذلك الحين لبيني غانتس ليصبح قائد أركان الجيش بين عام 2011-2015، ومن ثم وزيرا للدفاع في عام 2020.
غانتس، وغالانت، ونتنياهو، يختلفون على أمور كثيرة متعلقة بإدارة المعركة، فقد دعا غانتس علنا للتوصل لاتفاق لتأمين إطلاق سراح الرهائن، قائلا إن حياتهم معرضة للخطر، بينما شدد نتنياهو وغالانت على أن الضغط العسكري إلى جانب المفاوضات هو وحده الذي سيؤدي لإطلاق سراحهم.
وأدى قيام غانتس بزيارة فردية للولايات المتحدة والبيت الأبيض وبريطانيا من دون تنسيق مسبق مع نتنياهو لتأجيج الخلافات.
أما غالانت ونتنياهو فتشوب علاقاتهما الاختلافات منذ وقت طويل من قبل اندلاع الحرب. فنتنياهو أقال غالانت في شهر مارس من العام الماضي إثر انتقاد الأخير للتعديلات القضائية التي قسمت الشارع الإسرائيلي.
هذا القرار أدى لخروج مظاهرات عارمة أجبرت نتنياهو على إعادة غالانت لمنصبه.
قالت صحيفة وول ستريت جورنال إن غالانت يعتبر الأكثر تشددا بين الثلاثي الحاكم. بالإضافة لدعواه في بداية الحرب لتوجيه ضربة استباقية ضد حزب الله، عمل غالانت بشكل عنيد على قطع المساعدات عن قطاع غزة كليّا.
هذا الأمر دفع نتنياهو في مرحلة معينة للتفكير في تعيين مسؤول عن المساعدات الإنسانية يخضع لمكتبه مباشرة لتجاوز سلطة وزير الدفاع، بحسب الصحيفة الأميركية.
نتنياهو بدوره عمل في أكثر من مرة على إبقاء غالانت، وغانتس، في الظلام بشأن قرارات رئيسية اتخذها سواء في ما يتعلق بإدارة المعركة أو المفاوضات أو المساعدات الإنسانية.
كلمة السر للتوفيق بين الثلاثي المتناحر على حكم إسرائيل هي أميركا، فغالانت وغانتس مثلاً حريصان على التنسيق مع البيت الأبيض وعدم خسارة جو بايدن، بحسب وول ستريت جورنال.
استقالة أهارون حاليفا، وإعلانه تحمل مسؤولية أحداث ٧ أكتوبر زاد من الضغوطات على قادة الجيش، إذ جهز العديد من الضباط بالفعل محامين استعدادا لتحقيقات الحرب، ومن المرجح أن حاليفا كتب رسالة استقالته إلى رئيس الأركان بعد تلقي المشورة القانونية، على افتراض أن جميع أقواله ستعرض أيضا على لجنة التحقيق عند تشكيلها في النهاية، بحسب القناة الإسرائيلية.
ونشرت القناة أسماء قادة الجيش المتوقع استقالتهم ومناصبهم وجاءت كالآتي:
المشكلة الحقيقية التي تواجه القيادة الإسرائيلية تكمن في إيجاد بديل يتمتع بسمعة جيدة، إذ إن الأشخاص الذين "كانوا يعتبرون في السابق مرشحين طبيعيين لهذا المنصب، مثل يارون فينكلمان، وإليعازر توليدانو، يُنظر إليهما الآن على أنهما جزء من الفشل في التصدي لأحداث ٧ أكتوبر.
وفي المنظومة السياسية، هناك إجماع حول ترشيح المدير العام لوزارة الدفاع اللواء إيال زمير، الذي عمل سابقا في سلسلة من المناصب العليا، بما في ذلك نائب رئيس الأركان، وقائد المنطقة الجنوبية، والسكرتير العسكري لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بحسب القناة ذاتها.
وسبق أن أعلن غالانت، ورئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي مسؤوليتهما عن الفشل الذي قاد إلى الحرب.
وقالت القناة إن "رئيس الوزراء نتنياهو، حتى بعد مرور نصف عام على أكبر فشل أمني في تاريخ إسرائيل، ليس مستعدا حتى للاعتراف بمسؤوليته صراحة".
استقالة اللواء حاليفا وإقراره بالفشل وإخفاق جهاز أمان تحت قيادته في 7 أكتوبر بمثابة نجاة لرئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع، يوآف غالانت، وحتى رئيس أركان الجيش، للقول بأنه لولا فشل جهاز أمان في توفير معلومات استخباراتية كاملة لَنجحت إسرائيل في صد الهجوم.
بدورها نشرت صحيفة إسرائيل هيوم اليمينية هجوما ضد الجنرال المستقيل، واصفة إياه بالمغرور الذي يصعب العمل معه، وزعمت بأنه المسؤول عن فشل 7 أكتوبر.
الصحيفة ادعت أنه كان في عطلة خلال ذلك اليوم على شواطئ مدينة إيلات، وعندما وصله تحذير من الوحدة 8200 عن إشارات هجوم وشيك من غزة، طالب برفع حالة اليقظة، ثم ذهب إلى النوم مرة أخرى.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة