سياسة
.
بعد 12 ساعة من عمليات البحث والتفتيش، وصلت طواقم الإنقاذ الإيرانية، صباح الإثنين، لمكان تحطم طائرة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، وأعلنت مصرعه ووزير خارجيته، حسين أمير عبد اللهيان، وطاقم مرافق.
هذا التوقيت المفاجئ لمقتل رئيس الدولة وحاشيته فجّر العديد من التساؤلات حول سبب تحطم المروحية التي كانت تقلهم فقط، من بين 3 طائرات مروحية أخرى كانت في المكان.
هناك من سارع للقول إن الطائرة التي استقلها رئيسي كانت "مصيدة موت" نظرا لكونها قديمة ومن دون قطع غيار، وهناك من ألمح لمصلحة للحرس الثوري أو المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، من الحادث أو لأطراف خارجية مثل أذربيجان، وإسرائيل، والولايات المتحدة الأميركية.
فهل كان ذلك مجرد حادث؟ أم هل كان الأمر مدبرا؟ ما هي الفرضيات المطروحة؟ وما هي القرائن والأدلة التي تدعم أو تنفي إحدى تلك الفرضيات؟
الرواية الرسمية للأحداث هي أن إبراهيم رئيسي كان في زيارة لشمال البلاد لافتتاح سد "قيز قلعة سي" المشترك مع أذربيجيان على نهر آراس الحدودي، وحضر الحفل الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف.
موكب رئيسي كان مكونا من 3 طائرات مروحية، وعند مغادرة المكان باتجاه مدينة تبريز، تعرضت طائرة رئيسي في منطقة جلفا بمقاطعة أذربيجان الشرقية لهبوط صعب واختفى أثرها.
وبعد عمليات بحث دؤوب استغرقت أكثر من 12 ساعة، عثرت فرق الإنقاذ على حطام الطائرة ولم ينج أي من الركاب.
وكالة مهر الإيرانية عزت تحطم الطائرة لسوء الأحوال الجوية في تلك المنطقة الجبلية الممطرة وشديدة الضباب والتي تقترب فيها الحرارة للصفر أو بضع درجات مئوية طفيفة فوق الصفر.
وكانت السلطات المحلية قد حذّرت من المنطقة بسبب الأمطار في اليوم السابق للحادث.
وهناك أيضا حقيقة أن المروحية المنكوبة قديمة الطراز للغاية، ويرجع تاريخها لستينات القرن الماضي.
فهي من طراز Bell 212 ذات الشفرتين التي تصنعها شركة Bell Textron في ميرابيل بكندا، وعمرها أقدم من النظام الحاكم في إيران، ولا يوجد فيها رادار.
وقد تعرض ذلك النوع من الطائرات لحوادث عدة خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك واحدة في الخليج في عام 2023، لذلك أوقفت كندا استخدام تلك الطائرة في عام 2022 بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.
العقوبات الدولية على إيران قوضت قدرة الحكومة في طهران على الحصول على طائرات أحدث من تلك تمتلكها، أو حتى الحصول على قطع غيار لصيانة تلك الطائرة المروحية.
لذلك، حوادث الطيران الحكومي في إيران ليست بالأمر النادر، فالرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، تعرضت طائرته لحادث خلال عام 2013 اضطرها للهبوط الاضطراري بسبب عطل فني بينما كان في طريقه لافتتاح نفق شمال شرق طهران.
وكذلك تعرضت طائرة رئيس إيران الأول، أبو الحسن بني صدر، للسقوط عند اصطدامها بطائرة أخرى على حدود العراق في 1980، ونجا الرئيس بني صدر من تلك الحادثة.
وفي شهر فبراير من العام الماضي، تعرض وزير الشباب والرياضة الإيراني السابق، حميد سجادي، لجروح بالغة بعد وقوع حادث في الطائرة المروحية التي كانت تقله أثناء هبوطها.
وفي 2006، لقي قائد السلاح البري في الحرس الثوري العميد أحمد كاظمي مصرعه في تحطم طائرة عسكرية، وكذلك قتل وزير المواصلات الإيراني، رحماني ددمان، في تحطم طائرة عام 2001، وقتل اللواء، منصور ستاري، عام 1994 في تحطم طائرة عسكرية.
لكن في حادث مقتل رئيسي ووزير خارجيته، أثيرت الشكوك حول سبب تعرض طائرته فقط لتلك الحادثة من بين الطائرات الـ3 الأخرى.
وطُرح أيضا التساؤل حول صعوبات الاتصال بالفريق الرئاسي الذين من المفترض أن يكون بحوزتهم أحدث أدوات الاتصال المباشر بالأقمار الصناعية تحسبا للكوارث والحوادث الطارئة.
علاوة على ذلك، فإن تأخر أعمال الإنقاذ واستغراقها أكثر من 12 ساعة رفعت بعض علامات الاستفهام في دولة مثل إيران التي تتفاخر بتقدم صناعاتها في مجال الطائرات المسيرة والمراقبة.
إبراهيم رئيس الساداتي كان محسوبا على التيار المحافظ المتشدد في طهران، ونصبه المرشد الأعلى، علي خامنئي مناصب مرموقة مثل رئيس السلطة القضائية والنائب العام لإيران ورئيس مؤسسة العتبة الرضوية المقدسة.
انتخابات عام 2021 طالتها اتهامات بأنها جرت هندستها بشكل مسبق ليفوز بها رئيسي، حيث حصد نسبة 61% من الأصوات.
لكنه أصبح ندا لنجل المرشد الأعلى، مجتبي خامنئي، خلال الأشهر الماضية. فرئيسي كان المرشح الأبرز لتولي المنصب الأهم في البلاد بعدما انتهت مجلس الخبراء الإيراني في شهر مارس الماضي، وكانت تجري تحضيرات لاختيار خليفة لخامنئي الذي تجاوز 85 عاما، بحسب صحيفة بوليتيكو.
كانت تدور، حول المرشد الأعلى الحالي، شبهات بتمكين نجله مجتبي لخلافته، كما ذكرت تقارير قيام مجتبي بالتدخل للإطاحة بشخصيات ودعم أخرى في هيكلية مؤسسة الدولة.
لذلك، قال الدبلوماسي السابق، والخبير في الشأن السياسي الإيراني، بيير بهلوي، إن "هناك دلالات ومؤشرات منذ الأمس تحتّم توجيه أصابع الاتهام نحو خامنئي والحرس الثوري، حيث لا مصلحة في موت رئيسي ووزير خارجيته عبداللهيان في الوقت الحالي إلا لهؤلاء"، على حد زعمه.
وأضاف بهلوي أن الحرس الثوري لم يتحرك في عملية الانقاذ التي استمرت ١٢ ساعة إلا متأخرا.
نائب رئيسي الذي سيتولى الآن رئاسة البلاد بشكل مؤقت لحين عقد انتخابات هو محمد مخبر، المعروف بقربه من الحرس الثوري، ما دفع البعض للتحذير من أنه قد يعمل على تعميق نفوذ الحرس الثوري في الحكومة ومفاصل الدولة.
لكن في الوقت نفسه، الطائرة التي لقي فيها الرئيس الإيراني مصرعه كانت تقل أيضا ممثل المرشد الأعلى لمحافظة أذربيجان الشرقية إمام جمعة تبريز، محمد علي آل هاشم، المقرب من خامنئي بالإضافة لمحافظ أذربيجان الشرقية، مالك رحمتي.
الإعلام الإسرائيلي احتفى بشكل واسع بخبر مقتل رئيسي الذي اعتبره بعض الحاخامات "عقوبة وعدالة إلهية". وكانت هناك سخرية في القنوات الإسرائيلية بأن من قتل رئيسي هو عميل للموساد يدعى "إيلي كوبتر".
وكذلك لم يخفِ وزراء إسرائيليون فرحتهم وتشفيهم بموت الرئيس الإيراني، ومنهم وزير التراث، عميحاي إلياهو، الذي نشر صورة لكأس نبيذ وكتب "فلنعش طويلا"، وأيضا نائب الكنيست من التحالف الحاكم، آفي ماعوز، الذي قال إن رئيسي "هدد إسرائيل فتحول لذرة تراب".
رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق الجنرال تامير هايمان صرح أن رئيسي كان أسوأ رئيس لإيران من وجهة نظر إسرائيل، ومن الصعب التفكير في خليفة أسوأ منه.
هناك تفاؤل إسرائيلي بأن مقتل رئيسي وعملية العثور على خليفة له، وللمرشد الأعلى، قد تؤدي لإدخال إيران في حالة من الفوضى الداخلية التي ستشغلها عن إسرائيل، وقد تؤثر على دعمها لحزب الله وحماس.
كذلك، قالت القناة 12 الإسرائيلية، وصحيفة معاريف، إن وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان كان أشد خطورة من الرئيس.
لذلك، قد تكون هناك مصلحة إسرائيلية من التخلص من الرجلين بضربة واحدة، لكن تعتبر تلك خطوة شديدة الخطورة قد تؤدي لحرب شاملة متعددة الجبهات ضد إسرائيل في حال ثبوت أي ضلوع لها في ذلك الحدث أو حتى أزمة دبلوماسية عميقة لإسرائيل مع الولايات المتحدة الأميركية ومع حلفائها الآخرين.
فالإدارة الأميركية مارست العديد من الضغوط على إسرائيل في شهر إبريل الماضي ليكون ردها محدودا على هجوم إيران الصاروخي كيلا يخرج التصعيد عن حدوده.
ربما تؤدي حرب إيرانية إسرائيلية لتدهور واسع في الاقتصاد العالمي وأوضاع المنطقة بأكملها، لذلك خطوة بهذا الحجم ستكون لها أبعاد شديدة الخطورة وليس من السهل الإقبال عليها.
إسرائيل وأذربيجان تربطهما علاقة قوية، كان لاحتلال ناغورنو كاراباخ، دورا كبيرا في دفعها للأمام أكثر. فالطائرات الإسرائيلية المسيرة، والأسلحة العسكرية، وبرامج التجسس، جميعها منحتها تل أبيب لباكو لتستخدمها في حربها ضد أرمينا بالإضافة للدعم الدبلوماسي.
في المقابل، أعطت أذربيجان لإسرائيل موطئ قدم في أراضيها الحساسة شمال إيران، والتي تتشارك مع إيران في حدود طولها أكثر من 765 كيلومترا، وتغلغل الموساد في الأراضي الأذرية.
وعرضت إسرائيل مطلع عام 2023 مساعدتها علنا على باكو في بناء "مدينة ذكية" في منطقة ناغورنو كاراباخ التي وصفتها تل أبيب بالمنطقة "المحررة".
أما طهران، فحاولت الحفاظ على الحد الأدنى من التعامل الدبلوماسي مع باكو، وحاولت رسم خطوط حمراء في ما يتعلق بحدودها. وجاءت موافقة رئيسي على افتتاح بنية تحتية جديدة مع علييف على الحدود كجزء من استراتيجية التقارب الحذر.
لم تظهر حتى اللحظة أدلة تفيد بتورط أذربيجان في حادثة سقوط طائرة رئيسي المروحية، لكن تبقى حدود البلدين المنطقة الأخيرة التي تواجد فيها الرئيس الإيراني وغادر منها لتسقط طائرته بعد وقت قصير على إقلاعها.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة