سياسة
.
تحاول إسرائيل، حتى الآن، استيعاب صدمة، إعلان مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية تقديم طلب بإصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يوآف غالانت.
تقول صحيفة معاريف إن قرار المحكمة "سيغير كل شيء بطرق لم نفهمها"، وتصف يديعوت أحرونوت القرار بـ"الحادث العملاق" الذي لم تشهده إسرائيل من قبل والذي سيؤدي لـ"موجات تسونامي".
وحذرت هآرتس من أن إعلان مدعي عام المحكمة خلق واقعا جديدا قد ينتهي بشكل سيئ للغاية لإسرائيل وبعزلها دوليا واقتصاديا وسياسيا.
سارع نتنياهو للخروج بتصريحات أدان فيها مدعي المحكمة، كريم خان، واتهمه بالكذب ومعاداة السامية. وانضم لنتنياهو وزراء الحكومة وقادة المعارضة في التهجم على المحكمة.
في الوقت نفسه، نال نتنياهو نصيبه من الانتقادات من الصحافة الإسرائيلية وقادة المعارضة الذين اتهموه بالتسبب بهذه النتيجة الكارثية وتجاهل نصائح خبراء قانونيين من أجل مصالح شخصية ضيقة.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد يرى فرصة في قرار المحكمة لصالحه ليبقى في منصبه ويحظى بتأييد شعبي واسع، بحسب صحيفة بوليتكو.
فما تأثير قرار المحكمة على إسرائيل ونتنياهو؟ وهل يقف نتنياهو بقفص الاتهام في لاهاي؟ وكيف أدان سفير إسرائيلي سابق نتنياهو وحكومته؟
عندما ترشح كريم خان لمنصب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، نظرت له إسرائيل بإيجابية وتفاؤل، ودعمت ترشيحه اعتقدا منها بأنه سيلزم توجيهات المعسكر الأميركي والغربي.
خاصة، وأنه لمح في ذلك الحين أنه لن يلاحق الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وغيرها من الدول الغربية التي شاركت في غزو العراق، وأفغانستان.
وبعد 7 أكتوبر، سافر خان لإسرائيل وقابل سكان كيبوتسات غلاف غزة الإسرائيليين وأبدى تعاطفه معهم وبدى منحازا للموقف الإسرائيلي.
لكن استمرار الحرب على غزة وتصعيدها وتفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع هددوا شرعية المحكمة الجنائية الدولية نفسها، لعدم اتخاذ أي قرار تجاه الحرب، وخاصة الجوع كسلاح حرب.
في شهر إبريل الماضي، تسرب لإسرائيل خبر أن خان يدرس إصدار مذكرات اعتقال ضد قادة إسرائيليين كبار المستوى، فعملت الحكومة الإسرائيلية على حشد الحكومات الغربية معها لممارسة الضغوط المكثفة على مدعي عام المحكمة لثنيه عن تلك الخطوة.
وتواصلت إسرائيل في الوقت عينه بالسر مع خان ودعته لزيارة تل أبيب لاطلاعه على الإجراءات التي اتخذتها لمعالجة القضايا التي أثارت الشبهات في نظره، بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، التي قالت إن خان كان من المفترض أن يزور إسرائيل الأسبوع المقبل قبل اتخاذه الإعلان المفاجئ.
الضغوط على خان كانت كبيرة للغاية من داخل المحكمة نفسها لاتخاذ مثل تلك الخطوة "للحفاظ على شرعية المحكمة عالميا وتجنب أن تلاحقها التهم بازدواجية المعايير بعد إصدارها أوامر اعتقال ضد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، العام الماضي".
وللمحافظة على مظهر الحيادية بحسب هآرتس، أعلن خان تقدمه بطلب إصدار مذكرات اعتقال ضد قادة حماس وإسرائيل في الوقت نفسه، ليشمل طلبه رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، ورئيس حماس في غزة، يحيى السنوار، والقائد العام لكتائب القسام، محمد الضيف.
رغم تهم إسرائيل ضد مدعي عام محكمة لاهاي بـ"معاداة السامية" و"التحيز"، إلا أن الصحف الإسرائيلية وبعض قادة المعارضة حملوا حكومة نتنياهو بشكل كامل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع.
فصحيفة والا قالت إن قرار المحكمة يعكس "صورة الفشل السياسي الكامل" للحكومة، حيث أن نتنياهو كان على دراية بخطر أن تتخذ محكمة الجنايات الدولية تلك الخطوة ضده والقيود القانونية التي ينبغي الالتزام بها، ولكنه لم يأخذ ذلك بالاعتبار "بغطرسة وجهل"، وتجاهل نصائح الخبراء القانونيين، والدول الصديقة، ومستشاري الحكومة.
قال الصحافي، باراك رافيد، في تحليل نشره على موقع والا إنه لمدة 6 أشهر، قدمت المستشارة القانونية للحكومة وكوادر مهنية من وزارتي الخارجية الدفاع والولايات المتحدة وغيرها من أصدقاء إسرائيل حول العامل نصائح عدة لنتنياهو وحكومته لتلافي تلك النتيجة.
ويضيف رافيد أن نتنياهو ووزرائه اختاروا التباطؤ وتجاهل تلك النصائح والتحذيرات والواقع الدولي والقوانين، وهاجموا من حاولوا نصحهم وزعموا بأنهم "يساريون" يكبلون أيدي الجنود ويرغبون بإسقاط الحكومة على حد تعبيره، فكانت النتيجة أنهم قادوا إسرائيل "لعزلة غير مسبوقة".
كذلك قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن نتنياهو وحكومته لم يفهما مدى خطورة الوضع، وبدلا من إشراك كبار القانونيين والمستشارين، فضلوا عزلهم والانخراط في "سياسات تافهة".
وأضافت الصحيفة أن نتنياهو والوزراء لو كانوا التزموا بنصائح الخبراء المهنيين منذ بداية الحرب، لجاء قرار المحكمة ضد حماس كانتصار غير مسبوق لإسرائيل، لكنهم أفسدوا الأمر.
وزير الدفاع السابق وزعيم حزب "إسرائيل بيتنا" المعارض، أفيغدور ليبرمان انضم أيضا لمهاجمي نتنياهو، وقال إن الحكومة تسببت بـ"خسارة إسرائيل للعالم الحر".
ليبرمان تساءل "كيف تفقد الحكومة الأكثر فشلا في تاريخ إسرائيل دعم العالم الحر، والشرعية، في أكثر الحروب عدلا. لقد أوضحت أن هناك فشلا دبلوماسيا هنا، ليس أقل من الفشل في الأماكن الأخرى".
مدعي عام المحكمة كريم خان تقدم بطلب لهيئة قضاة "غرفة ما قبل المحاكمة" لإصدار مذكرات الاعتقال، وفي حال قبول قضاة الهيئة بطلب خان، تصدر تلك المذكرات بشكل رسمي.
النتيجة الفورية لمذكرات الاعتقال هي أن نتنياهو، ووزير دفاعه، غالانت، لن يستطيعا زيارة 124 دولة موقعة على ميثاق روما التأسيسي للمحكمة الجنائية في لاهاي، بما في ذلك جميع دول الاتحاد الأوروبي حتى الحليفة لإسرائيل مثل فرنسا أو ألمانيا.
فبمجرد دخول أي منهما لأي من تلك الدول ينبغي اعتقاله فورا وتسليمه للمحكمة. لكن هناك "قانون غزو لاهاي" للولايات المتحدة لعام 2002 الذي يتيح للرئيس الأميركي استخدام جميع الخيارات الممكنة لمنع اعتقال المحكمة الجنائية لأي مسؤول أميركي أو مسؤول دولة حليفة لأميركا.
سيكون هناك أيضا خوف لدى وزراء الحكومة الإسرائيلية الآخرين وقادة الجيش من السفر لدولة عضو للمحكمة الجنائية في حال صدور مذكرات اعتقال إضافية مفاجئة ضد أي منهم، حيث تتوقع إسرائيل المزيد من مذكرات الاعتقال قريبا.
لكن إسرائيل تخشى ما هو أكبر بكثير من مجرد منع نتنياهو ووزرائه من السفر. فبحسب المحلل الأمني لصحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، فإنه على المدى الطويل، إذا صدرت أوامر الاعتقال، فقد تواجه إسرائيل "انهيارا دبلوماسيا".
وقد يترتب على ذلك "آثار بعيدة المدى على العلاقات الاقتصادية والعلمية والتجارية، وعلى مجالات أخرى أيضا" لتصبح إسرائيل مثل روسيا لجهة العزلة الدولية وتعرضها للعقوبات.
وأضاف هارئيل أن إسرائيل على خلاف روسيا أو إيران، "تعتمد بشكل كامل على علاقاتها مع الغرب"، وأي دمار لسمعتها بهذا الشكل سيؤثر بشكل سلبي على حياة العديد من الإسرائيليين.
كذلك، قال الصحافي الإسرائيلي المخضرم، بين كاسبيت، أن محكمة لهاي لا يمكن ببساطة مواجهتها بالشتائم والصوت العالي وتشويه سمعتها، لأن المحكمة لها احترام واسع عالمي وقرارها سيكون له تداعيات واسعة.
بحسب صحيفة هآرتس فإن نتنياهو قد يستفيد شخصيا من قرار المحكمة كـ"هدية عظيمة" ويعمل على استغلاله للبقاء في الحكم.
وقالت الصحيفة إن الأغلبية العظمى من الإسرائيليين تؤيد بشكل كامل جميع التحركات التي قام بها نتنياهو في غزة، وأن الانتقادات الوحيدة التي توجه للحكومة تأتي في الغالب من تيار اليمين الذي يطالب بالمزيد من العنف ضد غزة.
ويعتبر الصحافي، روجيل ألفير، أنه "سيكون من السهل جدا على نتنياهو أن يقنع الجمهور الإسرائيلي بأن محكمة لاهاي تتهم فعليا جميع الإسرائيليين بالجرائم المنسوبة إليه. وأن العالم كله ضدهم ومعاد للسامية يدعم حرق جثث الأطفال اليهود".
وأضاف ألفير أنه "في عالم لا يفرق بين السنوار ونتنياهو، سيكون من السهل عليه إقناع الإسرائيليين بأن من واجبهم إظهار الحب له لأنه يعاني من أجلهم".
يرى ألفير أن نتنياهو سيقول "انظروا، حتى معارضي حكومتي، لابيد وغانتس، يوقعون على عريضة تدعمني ضد المحكمة. ما هو البديل الذي يقدمونه لسياستي في غزة؟ في نهاية المطاف، إنهم يدعمونها علانية ضد العالم. إنهم يقفون خلفي، دفاعا عني، لن يفعلوا شيئا آخر".
ستواجه تهم إسرائيل للمحكمة ومدعيها العام، كريم خان، بمعاداة السامية صعوبة كبيرة في التصديق نظرا لأن خان استبق تلك التهم عبر استعانته بلجنة من الخبراء العالميين التي ضمت سفيرا سابقا لإسرائيل ومحاميا يهوديا بارزا، بحسب صحيفة معاريف.
أحد أعضاء اللجنة التي أوصت بمذكرة اعتقال ضد نتنياهو هو ثيودور ميرون، 94 عاما، خبير قانوني مرموق وناجي من محرقة الهولوكوست وسفير إسرائيل السابق لكندا.
ميرون عمل سابقا كمستشار قانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية وكان مسؤولا أيضا عن الدائرة القنصلية، وكان عضوا في الوفد الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة ومثل إسرائيل كمستشار أمام محاكم دولية في قضايا مختلفة.
وكتب ميرون رأيا قانونيا للحكومة الإسرائيلية يفيد بأن إنشاء المستوطنات المدنية في الأراضي المحتلة عام 1967 وهدم منازل المشتبه فيهم بـ"الإرهاب" وترحيلهم تعد انتهاكات لاتفاقية جنيف الرابعة.
هناك أيضا عضو اللجنة، داني فريدمان، المحامي البريطاني اليهودي المرموق المتخصص في حقوق الإنسان والقانون العام، مع التركيز بشكل إضافي على القانون الدولي العام والذي يعمل كقاضي مؤقت في المحكمة العليا بإيرلندا الشمالية وكمستشار لكبرى الشركات العالمية والمنظمات غير الحكومية في مجال الامتثال بالتزامات حقوق الإنسان والقانون الإنساني.
وتضم اللجنة أيضا أمل كلوني، زوجة النجم الهوليوودي الشهير والأستاذة المحاضرة في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا البريطانية.
كلوني لها مصداقية وشرعية كبيرة في الأوساط الغربية لتمثيلها في السابق لضحايا تنظيم داعش ونشاطها البارز في مجال حقوق الإنسان وتأسيسها لـ"مؤسسة كلوني للعدالة" التي تقدم المساعدة القانونية المجانية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة