"محكمة الدول الأفريقية والسفاحين" تنقلب على الغرب

في حملته الانتخابية، رفع المرشح عن الحزب الديمقراطي، جو بايدن، شعار حقوق الإنسان كأحد أولوياته في الرئاسة، وأنه سيقف في وجه الأنظمة الدكتاتورية ويستعيد النظام العالمي المبني على القواعد والقيم.

وبعد فوزه في انتخابات العام 2020، كان أحد أول قراراته رفع العقوبات عن طاقم المحكمة الجنائية الدولية التي فرضها سلفه دونالد ترمب بسبب تحقيق المدعية العامة السابقة فاتو بن سودا في جرائم حرب أميركية محتملة في أفغانستان والعراق.

لعبت الولايات المتحدة وإسرائيل دورا محوريا في دعم ترشح كريم خان لمنصب المدعي العام للمحكمة في عام 2021، وذلك لأن خان لمّح بأنه لن يلاحق أميركا وحلفاءها بتهم جرائم حرب في العراق وأفغانستان.

وبالفعل، وبعد تولي خان منصبه، اتخذ قرارا رسميا بإيقاف التحقيقات في الجرائم الأميركية المحتملة في أفغانستان بحجة محدودية موارد المحكمة.

وكذلك، لم يتخذ خان أي خطوات ملموسة في القضايا المرفوعة أمام المحكمة ضد إسرائيل منذ عام 2014 والتي أقرت المحكمة باختصاصها في التحقيق في عام 2021.

العلاقة بين خان وأميركا كانت إيجابية منذ ذلك الوقت، فقد خصص جهده لملاحقة دول ومجموعات لا تربطها بأميركا أي علاقات استراتيجية، مثل قضية داعش والأيزيديين وقضية الحرب الروسية الأوكرانية.

ورغم أن أميركا ليست دولة عضو في المحكمة وانسحبت من ميثاق روما التأسيسي لمحكمة لاهاي للجنايات الدولية في عام 2002، إلا أن بايدن أمر الحكومة الأميركية بالتعاون مع المحكمة وإمدادها بأدلة جرائم حرب روسية محتملة في أوكرانيا.

استمرت العلاقة بالدفء بين أميركا وخان حتى بعد 7 أكتوبر، خاصة بعد زيارة خان لإسرائيل وإدانة هجوم طوفان الأقصى بلهجة شديدة، وأبدى التعاطف مع عائلات القتلى والمصابين والأسرى الإسرائيليين ولم يتخذ أي خطوات ضد إسرائيل طيلة الأشهر الـ7 الماضية.

لكن وتيرة الضغوط ارتفعت على خان من داخل المحكمة نفسها وخارجها خوفا من أن انتقائيته وملاحقته لبوتين وغض البصر عن إسرائيل تقوض من شرعية وسمعة المحكمة عالميا، واستمرت تلك الضغوط إلى أن اتخذ المدعي العام قراره التقدم بطلب إصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو.

سرعان ما غيرت أميركا لهجتها تجاه لاهاي ومدعيها العام بمجرد تسرب أنباء عن احتمالية قيام خان بتلك الخطوة، وضغطت إدارة بايدن لممارسة الضغط المباشر على المحكمة، بالإضافة لأعضاء عدة من مجلس الشيوخ والكونغرس الأميركي.

وقال الرئيس بايدن إنه يرفض إصدار مذكرات الاعتقال ضد قادة إسرائيل، وإن "ما تفعله إسرائيل في غزة ليست إبادة جماعية"، ولا توجد أي مساواة بين إسرائيل وحماس، وأن قرار المحكمة "مشين"، وأنه يقف بجانب إسرائيل لتقوم باغتيال السنوار و"جزاري حماس" على حد تعبيره.

وانضم لبايدن عدد كبير من قادة الحزب الديمقراطي المعروف بتبنيه شعارات حقوق الإنسان، ووصفوا قرار المحكمة الجنائية الدولية بالـ"قمامة" و"مستهجن" و"خاطئ" و"سياسي"، وأعلنوا دعمهم للحرب الإسرائيلية.

موقع زيتيو الأميركي كشف عن رسالة أرسلها 12 سيناتورا أميركيا لكريم خان حذروه فيها من إصدار مذكرات اعتقال دولية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي أو أي مسؤولين إسرائيليين آخرين وهددوه بـ"عقوبات صارمة" إذا فعل ذلك.

الرسالة المقتضبة من صفحة واحدة هددت خان بالقول "استهدف إسرائيل، وسنستهدفك"، وأضاف الموقعون: "سنعاقب موظفيك وشركائك، وسنمنعك أنت وعائلتك من دخول الولايات المتحدة"، وخلصت الرسالة بشكل مشؤوم بعبارة "لقد تم تحذيرك".

من الموقعين على تلك الرسالة السيناتور، ماركو روبيو، وتوم كوتون، وتيد كروز المقربين من الرئيس السابق، دونالد ترمب.

الحزب الجمهوري معروف بتهديداته للمحكمة الجنائية الدولية وملاحقتها كما فعل ترمب في عام 2020، لكن التغير الملحوظ كان موقف الحزب الديمقراطي وإدارة بايدن الذين طالما رفعوا شعارات الليبرالية وحقوق الإنسان.

فوزير الخارجية أنتوني بلينكن قال إنه والرئيس بايدن سعيدان بالعمل مع الكونغرس على اتخاذ "الرد المناسب" بعد إصدار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال للقادة الإسرائيليين في إشارة لعقوبات محتملة.

الكونغرس الأميركي سن قانون "اجتياح لاهاي" الذي يتيح للرئيس استعمال جميع الخيارات الممكنة لمنع المحكمة الجنائية الدولية من المساس بأي مسؤول أميركي أو من الدول الحليفة للولايات المتحدة.

دفع هذا الموقف إدارة بايدن والعديد من المراقبين لاتهام الرئيس الأميركي بالنفاق وازدواجية المعايير، وكان من ضمن المنتقدين الحكومة الروسية نفسها.

الكرملين تعجب من رد أميركا على المحكمة وقال إن رد بايدن "مثير للفضول بشكل كبير" لأنه يبدي الآن استعدادا لفرض عقوبات ضد المحكمة بمجرد مساسها بحلفائه المقربين.

وبالمثل، اعتبر المدير التنفيذي السابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش، كينيث روث، أن ترحيب بايدن لاستخدام الولاية القضائية للمحكمة ضد بوتين، مقابل الاعتراض على استخدامها ضد قادة إسرائيل، يعتبر نفاقا.

وقال وزير المالية اليوناني السابق، يانيس فاروفاكيس، إن "بايدن أعلن للتو أن المحكمة الجنائية الدولية باطلة لأنها تجرأت على ملاحقة جرائم الحرب الإسرائيلية، وهو ما يعمل بايدن على تنفيذه بنشاط وحماس. وتقليدا لجورج دبليو بوش، فإن الرئيس الأميركي يعلن أن الولايات المتحدة دولة مارقة".