العصابات تحكم المكسيك.. حرب وصلت "التورتيلا"

أثبتت دراسات نشرتها "واشنطن بوست" أن ما لا يقل عن 15% من محال التورتيلا المكسيكية (20 ألف محل) تتعرض للابتزاز بشكل منتظم من العصابات والجماعات المسلحة من أجل دفع حصة من الأرباح لهم.

وقال مجلس التورتيلا الوطني، (مجموعة تجارية) إن التهديدات وصلت إلى نسب مرتفعة للغاية، في جميع أنحاء البلاد، والقرى الريفية، والمدن والمنتجعات الشاطئية الشهيرة مثل زيهواتانيغو، لدرجة أن المحال التي ترفض الدفع تُحرق أو يطلق عليها النار بمن فيها.

وأشار رئيس المجلس، هوميرو لوبيز، إلى أن انعدام الأمن تسبب في ارتفاع سعر خبز التورتيلا في المكسيك بنسبة 60.9%، إذ يضطر أصحاب الشركات الصغيرة والمحال إلى زيادة الأسعار من أجل منح العصابات حصتها من الأرباح دون أن تتضرر.

وعقّب لوبيز: "لقد وصلنا إلى النقطة التي يحدد فيها المجرمون سعر خبز التورتيلا في المكسيك، هذا ما يحدث في ظل الإدارة الفيدرالية الحالية التي تركت هذه الفوضى تحدث".

وتسبب تضييق الخناق على منتجي التورتيلا في المكسيك، إلى التفكير في مغادرة المكسيك ونقل متاجرهم وأعمالهم إلى الولايات المتحدة، لكن تظل تأشيرة الدخول عائقا أمامهم، ما يجعل البعض يعبر الحدود بشكل غير قانوني، وفي هذه الحالة يلجأ إلى العصابات لمساعدته مقابل المال.

وتفرض العصابات مبالغ تصل إلى 900 دولار شهريا على منتجي التورتيلا في منطقة كويرنافكا، ويصلون في سيارات ومترجلين وعلى دراجات نارية من أجل تحصيل الأموال دون ملاحقة السلطات الأمنية.

أصبحت ولاية غيريرو الغربية هي أخطر مكان في المكسيك للبحث عن الأصوات، إذ شهدت أكبر عملية عنف في تاريخ البلاد خلال العملية الانتخابية.

العصابات في المكسيك اختطفت بعض المرشحين الباحثين عن الأصوات، خاصة المرشحين من طرف الحكومة المكسيكية، ليتم العثور بعد ذلك على جثثهم في مقابر جماعية.

ومع اقتراب الانتخابات التي تنطلق في 2 يونيو المقبل، ازدادت عمليات العنف والقتل في المكسيك، إذ عثر على 12 شخصا مقتولين في أكابولكو، بما في ذلك 6 جثث وجدت ملقاة بجوار إحدى الأسواق في أكابولكو.

وتشير التقارير إلى تعرض نحو 200 من الموظفين العموميين والسياسيين والمرشحين للقتل أو التهديد أو الاختطاف في فترة الانتخابات الحالية، من بينهم 50 ضحية في ولاية غيريرو فقط.

وتستهدف العصابات المكسيكية مرشحين مختلفين، لكنها تمنح نسبة أكبر في حصد الأرواح أو التهديد المباشر لمرشحي حزب مورينا الحاكم، الذين أثبتت الإحصائيات أنهم أكبر المتضررين من دوامة العنف.

وكانت عملية القتل الأشهر في أكابولكو، قبل رأس السنة مباشرة، إذ تعرض ريكاردو تاغا، أحد المرشحين البارزين من مورينا لمنصب عمدة المدينة، لإطلاق نار أثناء تناول العشاء مع حارسه الشخصي ليسقط قتيلا.

ونجحت عصابات المكسيك في إزالة أسماء المرشحين من قوائم الاقتراع، بقوة الرصاصة، لتصبح متحكمة بشكل ما في سير الانتخابات وإبعاد بعض المرشحين بعينهم ليس فقط من العملية الانتخابية، ولكن من الحياة.

ودعت السيطرة بالعنف على مجريات الأمور في المكسيك، منسقة البرنامج الأمني في منظمة مكسيكو إيفالو البحثية، ساندرا لي، إلى أن تعترف قائلة: "الجماعات الإجرامية أصبحت هي الحاكمة الفعلية".

نشطت العصابات المكسيكية قبل عقد من الزمن، في عمليات تهريب المهاجرين والأعمال غير المشروعة، والإتجار في المخدرات بكافة أنواعها، لكن بضغط من الأمن انقسمت لمجموعات صغيرة، لتتحول إلى عدة عصابات.

مجموعات العصابات الصغيرة المفككة باتت بحاجة إلى دخل جديد، للدرجة التي جعلتهم يوسعون نشاطاتهم ويخترقون صناعات عدة بأكملها، ومن بينها صناعة الأخشاب المنتشرة بكثرة في المكسيك.

وتقول وزارة البيئة المكسيكية إن 70% تقريبا من إنتاج الأخشاب في البلاد يدار عن طريق العصابات بشكل غير مشروع، مع وقوع كميات كبيرة في أيدي الجماعات الإجرامية.

وكشفت "Onexpo"، وهي مجموعة محطات وقود محلية، أن 30% على الأقل من الوقود المبيع في المكسيك يُسرق أو يُهرب، ما يؤثر على الأسعار بشكل عام.

وتوغلت العصابات في المزارع المكسيكية، ونجحوا في فرض ضرائب بالقوة على كل شيء يُزرع، وخاصة محاصيل البطاطا والأفوكادو، لينتج عن ذلك زيادة في السعر بلغت 6% العام الماضي، وفقا لخوسيه إجناسيو مارتينيز، الخبير الاقتصادي بالجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك.

وتقدر أرباح العصابات من الأنشطة غير المشروعة في المجالات الاقتصادية والزراعية والسياسية بنحو 12 مليار دولار سنويا، وهو رقم ينافس الأرباح التي تجنيها من المخدرات، كما قدرت الحكومة المكسيكية خسارتها السنوية بسبب الوقود المسروق والمهرب بنحو 5 مليارات دولار.

يرى عالم السياسة في كلية بارنارد، إدواردو مونكادا، الذي يدرس علم الجريمة في الجامعات الأميركية، أن تفتت العصابات الكبرى إلى مئات المجموعات الصغيرة يزيد من عملية المنافسة فيما بينها ويُخرج الأمور عن السيطرة.

ويقول مونكادا إن الجماعات الإجرامية بدأت تلجأ إلى الابتزاز من أجل زيادة الدخل وتوسيع الإيرادات، لتقوية اقتصادها الخاص حتى تصبح قادرة على شن مثل هذه الأنواع من الحروب فيما بينها.

وتسيطر عصابتان كبريان على المكسيك، هما (سينالوا وخاليسكو)، لكن هناك مئات المجموعات الأصغر قوة وحجما، تنشط مثل السمك الصغير في المحيط الذي يسعى لإيجاد طعامه بعيدا عن مناطق الحيتان.

وتشير التقديرات المكسيكية إلى وجود ما لا يقل عن 87 جماعة مسلحة في البلاد، و586 عصابة صغيرة نشطة، أغلبها يقوم بعمليات الابتزاز في الاقتصاد المكسيكي، وخاصة في التورتيلا.

وفي تقرير لمجموعة الأزمات الدولية الصادر العام الماضي، جاء أن هذه الأنشطة غير المشروعة، وما يعرف بالاقتصاد الإجرامي، يدر ربحا أقل من تجارة المخدرات، لكنه يجذب العصابات والجماعات المسلحة بشكل متزايد، لأنها تمنح دخلا مستقرا بمخاطر أقل.