محكمة في القفص.. كيف تقيد الدول الكبرى حرية "العدل الدولية"؟

في العام 2022، عجزت المحكمة تماما عن وقف القتال على الجبهة الشرقية في أوروبا، وهذا العام، تواجه المحكمة عجزا مشابها أمام تقدم الجيش الإسرائيلي في مدينة رفح.

ولكن بالنسبة للمحليين، فإن رفض الدول الامتثال لقرارات المحكمة الملزمة قانونيا، لا ينم عن افتقار محكمة العدل الدولية للمصداقية أو المشروعية. فتقول الباحثة في المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي، رافايل نوليه غولدباخ: "الدول اختارت عدم تشكيل قوة شرطة أو قوة مسلحة دولية".

وتابعت الباحثة: "نتيجة لذلك فإن المحكمة تعول على إرادة الدول وتعاونها لتطبيق قراراتها، وذلك بالطبع إلى حدود معنية".

فبالرغم من أن قرارات المحكمة ملزمة، إلا أنها لا تمتلك أي وسيلة لتطبيقها، فيما ترتبط آلية تنفيذ قراراتها بمجلس الأمن الدولي، الذي يحكمه من جهة أخرى، حق الفيتو.

لكن غولدباخ أضافت أن هناك جانب إيجابي الاستمرار المحكمة في عملها: "إصدار أحكام قانونية بشأن نزاع في صلب أحداث الساعة وبالتزامن مع أحداثه، هذا بحد ذاته يعتبر أمرا بالغ الأهمية".

ينظر المكتب الإعلامي التابع لمحكمة العدل الدولية للأمر بالقليل من التفاؤل إذ يصف أن "الدول تطبق كل قرارات المحكمة تقريبا"، لكنه يضيف أن "حالات عدم الاحترام القليلة، وهي استثناء، لها وطأة شديدة على العلاقات الدولية".

ولكن بعض المحللين يعتقدون أن أزمة عدم الامتثال ترجع لتفضيلات الدول وتوجهاتها. ويقول لوي شاربونو، من منظمة هيومن رايتس ووتش لفرانس برس: "مشكلة المصداقية الحقيقية نابعة من الحكومات التي تعتمد سياسة الكيل بمكيالين".

فمن وجهة نظر شاربونو فإن بعض الدول الغربية "رحبت" بقرارات المحكمة حول أوكرانيا لكنها أبدت "قلقا" في ما يتعلق بإسرائيل.

وعلى العكس، فإن دولا مثل جنوب إفريقيا التي اتهمت إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب "إبادة جماعية" بحق الفلسطينيين في حربها بقطاع غزة، لكنها "لم تعتمد نبرة شديدة حيال الفظاعات الروسية في أوكرانيا".

يرى شاربونو أنه على الدول احترام قرارات القضاء الدولي "من أجل أصدقائها وحلفائها، كما من أجل خصومها" وإلا فإن "ذلك يعطي حكومات أخرى ذرائع لتجاهلها".

من وجهة نظر الباحث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية، روموالد سيورا، فإن مسألة المصداقية لا تتوقف على محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية، إذ يعتقد أن مجمل مؤسسات "النظام التعددي" فقدت مصداقيتها بصورة متزايدة منذ بضع سنوات.

وبحسب وجهة نظره فإن "الأمم المتحدة، ولا سيما مجلس الأمن شديد الانقسام، "باتت قزما على الساحة الدولية".

ومع مواصلة إسرائيل عملياتها في رفح، على سبيل المثال، طلبت جنوب أفريقيا هذا الأسبوع من مجلس الأمن تطبيق أمر الهيئة القضائية.

لكن سعيد بن عربية من لجنة الحقوقيين الدولية يعتقد أن "شلل مجلس الأمن يمنعه عمليا من تطبيق قراراته هو نفسه، فكيف له أن يطبق قرارات محكمة العدل الدولية؟".

وإن كانت قرارات محكمة العدل الدولية تُنفذ بصورة عامة، لكن الباحثة في المجلس الأطلسي للدراسات، ترى أنه ينبغي التمييز بين غالبية القضايا عديمة الأهمية الكبرى مثل الخلافات الحدودية أو تفسير المعاهدات، وعدد من الملفات "ذات الحساسية السياسية والمتعلقة بالجرائم الدولية الجوهرية".

وهي تشير بصورة خاصة إلى الشكاوى التي رفعتها دول غير ضالعة هي نفسها في القضية، مثل شكوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل.

تقول نيا: "الخطر مع تزايد القضايا على هذا الأساس هو أن تسعى بعض الدول للخروج من المعاهدات القائمة".

دول مثل الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وإسرائيل، تختار طريقا أيسر، حيث لم تنضم أي من تلك الدول إلى نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية على سبيل المثال، وهي الهيئة القضائية الدولية الأخرى التي تقع حاليا في صلب الأحداث، ولكن لا يعني ذلك أن تلك الدول لا تهتم بمخرجات تلك الهيئة القضائية.

مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وطلب مدعيها العام كريم خان إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وثلاثة من قادة حماس، أثارت تنديدا واحتجاجات من جانب المستهدفين، مرفقة أحيانا بضغوط وتهديدات بأعمال انتقامية.

ورأت كيسو نيا أن "هذا يعكس إلى أي حد يُنظر إلى هذه الآليات بجدية"، حتى من قبل الذين يرفضونها.

محكمة العدل الدولية هي أحد الكيانات الرئيسية في الأمم المتحدة، على عكس المحكمة الجنائية الدولية التي تشكلت بموجب اتفاقية روما، فتعد بذلك منظمة دولية مستقلة.

كما أن الجنائية الدولية تختص بمحاكمة الأفراد على جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

وذلك على عكس محكمة العدل الدولية التي تختص في فض المنازعات بين الدول، كما أنها تقدم الآراء الاستشارية القانونية في القضايا التي تُطرح أمامها من قبل أجهزة الأمم المتحدة الأخرى.