سياسة

ماذا لو رفضت إسرائيل "صفقة بايدن"؟

نشر

في مساء يوم الجمعة، ألقى الرئيس الأميركي جو بايدن، خطاباً غير اعتيادي أعلن فيه بالتفصيل عن بنود مقترح تهدئة "إسرائيلي" من ثلاث مراحل لإنهاء الحرب على غزة، وتبادل الأسرى.

لكن ما أن انتهت كلمة بايدن حتى سارع مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، للقول إن إسرائيل متمسكة بتحقيق أهدافها المتمثلة بتدمير حماس عسكرياً وحكومياً، وهو ما فسره خبراء على أنه "رفض إسرائيلي للمقترح".

هذا التشويش والفوضى هو انعكاس لوقوف نتنياهو أمام منعطف طريق مفصلي بين التهدئة والأسرى من جهة، وبقاء حكومته من جهة أخرى بحسب صحيفة نيويورك تايمز.

هناك حالياً ضغط على نتنياهو من جهتين، واحدة يمثلها تيار اليمين المتطرّف تريد استمرار الحرب و"النصر المطلق" والأخرى يمثلها قادة الجيش والمنظومة الأمنية ووزراء مجلس الحرب الذين يرون بأنه يجب التوصل لاتفاق، حتى وإن كان ثمن ذلك إنهاء الحرب.

ويرى بعض منتسبي الفريق الآخر أن إسرائيل بإمكانها إيجاد ذريعة بعد ذلك لكسر التهدئة والعودة لاستهداف غزّة وحركة حماس بعد استعادة الأسرى.

حجة فريق "النصر المطلق" بدأت تضعف بشكل كبير بعد وصول الجيش الإسرائيلي لمركز مدينة رفح دون عثوره على أي من قادة حماس أو الرهائن، وأيضاً بعد خطاب بايدن الذي قال فيه صراحة إن السعي وراء ذلك الشعار لن يتحقق وسيحبط إسرائيل في غزّة ويستنزف مواردها الاقتصادية والعسكرية والبشرية وسيزيد من عزلتها دولياً.

فما التالي بعد مقترح بايدن؟ وأي الفريقين سينجح في اتخاذ القرار النهائي تجاه الصفقة؟ وهل بقي لنتنياهو خدع أخرى للمناورة والتهرب من هذا الخيار؟

اعرف أكثر

ما أثار الريبة من خطاب بايدن هو زعمه بأن المقترح الذي عرض تفاصيله هو مقترح إسرائيلي من حكومة نتنياهو، ومع ذلك، فإنه في نفس الوقت حذر من أن هناك وزراء ونواب كنيست في الحكومة يعارضون هذا المقترح، ودعا الإسرائيليين للضغط عليهم.

وفور انتهاء الخطاب، أصدر مكتب نتنياهو بياناً يؤكد تمسكه بأهداف الحرب الفضفاضة المندرجة تحت مسمى "النصر المطلق" مثل تدمير حماس عسكرياً وحكومياً، وضمان ألا تشكل غزّة تهديداً لإسرائيل.

لكن الصحفي باراك رافيد يقول إن المقترح إسرائيلي فعلاً. وأضاف بأن المقترح قام بصياغته الفريق الإسرائيلي المفاوض، ونال تأييد قادة الأجهزة الأمنية ووزراء مجلس الحرب، يؤاف غالانت وبيني غانتس وغادي أيزنكوت.

ولكن نتنياهو رفض المقترح واتهم المفاوضين بأنهم لا يعرفون كيف يفاوضون، ثم تراجع وقبل المقترح على مضد، بعد تعرضه لضغوط من مجلس الحرب وقادة الجيش والأجهزة الأمنية.

كشف بايدن عن المقترح بدلاً من نتنياهو، كان هدفه الحديث للإسرائيليين مباشرةً وتخطي رئيس الوزراء الإسرائيلي والوزراء الرافضين للصفقة في حكومته وإحراجهم.

مساء الأحد، اجتمع وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريش مع عدد من حاخامات حزب الصهيونية الدينية المتشدد الذين أمروه بالاستقالة من الحكومة في حال قبولها بـ"صفقة خطيرة" لإنهاء الحرب في غزّة مقابل عودة الأسرى، بحسب صحيفة والا.

الاجتماع ضم الحاخامات يهوشوا شابيرا ودودي دودكويتز وحنانال إتروج وشمعون كوهين وحاييم غانتس، وهم نفس الحاخامات العنصريون الذين أمروا سموتريش سابقاً بأن يعارض "حتى النهاية" ضم أي حزب عربي للتحالف الحاكم، بما في ذلك القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس.

نتنياهو كان قد طلب من سموتريش ووزير الأمن المتطرف إيتمار بن غفير عدم التسرع في الرد على خطاب بايدن بشكل سلبي.

لكن لم يمضِ سوى ساعة ونصف على الخطاب حتى خرج كلاهما بتهديد صريح بحل الحكومة في حال قبولها بالصفقة الإسرائيلية.

صحيفة معاريف قالت إن نتنياهو طلب الاجتماع مع بن غفير وسموتريش يوم الاثنين لمشاورات سياسية، وإقناعهما بأن مسودة المقترح الإسرائيلي لا تتضمن إيقاف الحرب ولا تحتوي على أي فصول فيها تنازلات كبيرة.

الرئيس جو بايدن حذر في خطابه من أنه "يوجد في إسرائيل من لن يوافقوا على هذه الخطة، وسيدعون إلى استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى".

ودعا الجمهور الإسرائيلي لممارسة وتكثيف الضغط ضدهم لحثهم على القبول بالمقترح الإسرائيلي المطروح على الطاولة.

التعنت ورفض صفقة التهدئة ليسا محصورين على أحزاب أقصى اليمين المتطرف، بل يوجد داخل حزب الليكود نفسه تمرد حالياً ضد نتنياهو لثنيه عن قبول مقترح التهدئة.

عضو كنيست الليكودي دان إيلوز قال إنه يعارض المقترح الإسرائيلي الذي قدمه بايدن، وسيفعل كل ما بوسعه لإفشاله وهدد بإنهيار الحكومة، قائلاً: "الحكومة التي تفعل شيئًا كهذا ليس لها الحق في الوجود".

إيلوز أضاف أن "الاتفاق يتجاوز تقريباً كل الخطوط الحمراء التي حددتها دولة إسرائيل خلال أشهر القتال، ويحقق في الواقع انتصاراً كاملاً لحماس".

وزعم نائب الكنيست اليميني أنه "إذا أنهينا القتال بالطريقة التي يقترحها بايدن، فسيصبح الأمر بمثابة خطر وجودي فعلي على البلاد، وهذا ليس شيئاً نحن على استعداد لقبوله".

وكذلك انتقد عضو الكنيست الليكودي، موشيه سعادة، الخطوط العريضة لصفقة التهدئة والتبادل وزعم أنها "ستسمح لحماس بتعميق حكمها وتعميق سيادتها في غزّة".

وهدد سعادة بالانسحاب من الحكومة في حال القبول بالصفقة قائلاً: "أنا، موشيه سعادة، لا أستطيع أن أكون جزءاً من حكومة تعقد صفقة تهمل أمن مواطني إسرائيل".

لكنه تدارك الأمر قائلاً إنه "من الواضح لي أن رئيس الوزراء لا ينوي القيام بذلك لأن الصفقة تهمل أمن مواطني إسرائيل، هذه ليست خدعة، هذه الخطة غير صحيحة وفاشلة".

بعض الوزراء الإسرائيليين المؤيدين لصفقة التهدئة والتبادل مثل غادي أيزنكوت، يرون أن الحرب وصلت لطريق مسدود وقد تستمر سنوات وستستنزف إسرائيل اقتصادياً وعسكرياً دون التمكن من القضاء على حماس، وأن شعار النصر المطلق هو "مجرد وهم".

والبعض الآخر من مؤيدي الصفقة يرون بأن على إسرائيل استغلال اللحظة لاسترجاع عدد من الرهائن ومن ثم العثور على ذريعة لاستكمال الحرب وإفشال باقي بنود الصفقة بحسب مصادر مطلعة لبلينكس.

نتنياهو أخبر لجنة العلاقات الدولية والأمن في الكنيست يوم الاثنين أن بايدن لم يقم بتقديم كامل تفاصيل المقترح الإسرائيلي خلال خطابه.

وزعم بأن المقترح ينص على بدء التفاوض حول إنهاء الحرب في اليوم السادس عشر للحرب وستقدم إسرائيل شروطها في ذلك اليوم.

ونقل باراك رافيد عن اثنين من مساعدي نتنياهو قولهما إن مقترح التهدئة يعطي إسرائيل ثغرة لاستكمال الحرب على غزة، وتلك الثغرة هي التذرع بـ"انتهاك حماس التزاماتها بموجب الاتفاق" كعجزها عن العثور على عدد كافي من الأسرى لتسليمه لإسرائيل.

أو إذا كان لدى إسرائيل انطباع بأن المفاوضات في المرحلة الثانية من الصفقة "غير مثمرة وتستخدمها حماس لكسب الوقت".

هذه العبارة الفضفاضة قد تعني أن إسرائيل بإمكانها فرض شروط تعجيزية على حماس كنزع السلاح أو طرد كبار قادتها من غزة، أو القبول بإدارة أمنية أجنبية في القطاع، وإذا لم تقبل حماس بذلك، يمكن لإسرائيل القول إن المحادثات غير مثمرة واستئناف الحرب.