احتياطي صفر.. اقتصاد تركيا يدفع "الدستورية" لـ"تقييد أدروغان"

وجاء في قرار الجريدة الرسمية أن المحكمة الدستورية جردت رئيس البلاد من سلطة عزل محافظ البنك المركزي قبل انتهاء ولايته مما يمهد الطريق لاحتمال زيادة الاستقرار بعد سنوات من تغيير في السياسات.

وألغت المحكمة الدستورية مرسوما بقانون أصدره أردوغان في 2018 وكان يجيز له تعيين وإقالة محافظ البنك المركزي ونوابه.

وقالت المحكمة إنه يجب تنظيم هذه المسألة بالقانون، وإن القرار سيدخل حيز التنفيذ في غضون 12 شهرا مما يتيح للبرلمان فرصة تمرير قانون خلال هذه الفترة.

وأقال أردوغان خمسة محافظين للبنك المركزي خلال السنوات الخمس الماضية مما أتى على استقلالية المؤسسة وزرع مخاوف بشأن تعرضها لخلل وظيفي، وأدى إلى سياسة زيادة التدفقات النقدية التي أضعفت الليرة وزادت من التضخم.

وعين أردوغان في فبراير المحافظ الحالي فاتح قره خان، الذي أبقى نظام التشديد النقدي الصارم الذي بدأ بتحول جذري في السياسة خلال يونيو حزيران من العام الماضي.

وقال خبير القانون الدولي التركي دينير باران في حديث مع بلينكس إن قرار المحكمة الدستورية قوبل بسوء فهم، موضحا: "لم يُحدث حكم المحكمة أي تغييرات في قوانين البنك المركزي الحالية، لقد ألغت حكما قديما فحسب".

وأضاف باران: "إنها مسألة فنية للغاية، هناك مرسومان رئاسيان ينظمان الأمر ذاته، وقد سُن أحدهما بموجب قانون الطوارئ قبل بضع سنوات، وهذا هو الذي ألغته المحكمة الدستورية في قرارها الجديد".

وعن تأثير قرارت الدستورية التركية على الاقتصاد قال باران: "بالطبع سيكون هناك تأثيرا، لكن وجب التأكيد على أن المحكمة الدستورية لم تبطل المرسوم الآخر من الرئاسة".

حلّل خبراء الاقتصاد في تركيا، بيان البنك المركزي وإعلان الرئيس أردوغان ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي من منظور آخر، معتمدين في ذلك على صافي الاحتياطي الذي تمتلكه تركيا بالفعل، وليس المُودع لديها.

كبير المستشارين الاقتصاديين في البنك المركزي التركي السابق، هاكان كارا، نشر رسما بيانيا لصافي احتياطي النقد الأجنبي في بلاده منذ العام 1985 وحتى 2024، مرحباً بالعودة إلى نقطة الصفر.

التوضيح البياني الذي نشره هاكان أظهر تحولا كبيرا خلال العام 2024 في صافي الاحتياط النقدي من -70 مليار دولار، إلى صفر، معلقا على الأمر بجملة :"نهاية حقبة"، في إشارة إلى انتهاء المعاناة التركية التي دامت لسنوات بمستوى تحت الصفر.

وتعقيبا على الأرقام التي نشرها، باعتبار أن احتياطي البنك المركزي التركي الآن هو "صفر"، رغم إعلان الرئيس التركي وصوله إلى 142 مليار دولار، قال هاكان: "يتم أخذ جميع الديون على البنك المركزي التركي لصالح بنوك مركزية أخرى في الاعتبار خلال هذا الحساب".

وصل التضخم في تركيا إلى ذروته، مسجلا نسبة اقتربت من 75% خلال شهر مايو الماضي، وسط إشارات اتهام واضحة للسياسات المالية التي لعبت دورا كبيرا في دعم عملية تباطؤ الاقتصاد.

ونشرت "بلومبرغ" تقريرا عن التضخم الذي يلتهم الاقتصاد التركي، مع التأكيد على أن السياسة النقدية الفضفاضة للغاية، والسخاء المالي المُتبع من النظام التركي، كانت أسباب الزيادات المستمرة في الأسعار.

ويستمر صعود التضخم بشكل مخيف في تركيا، إذ سجل أقل بقليل من 70% خلال شهر أبريل الماضي، قبل أن يلامس نسبة 75% في شهر مايو الماضي، دون مؤشرات وضحة للتحسن.

وفي مايو الماضي، توقع محافظ البنك المركزي التركي، فاتح كاراهان، انخفاضا كبيرا في نسبة التضخم مع نهاية عام 2024 لتسجل نسبة 36% ما يعادل نصف النسبة الحالية تقريبا.

وأظهرت البيانات الصادرة عن معهد الإحصاء التركي أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين ارتفع بشكل حاد في مايو 69.8% مسجلا أعلى مستوى منذ نوفمبر 2022، وفقا لما نشرته صحيفة " فايننشال تايمز".

وحذرت النقابات العمالية في تركيا من تحمل الفقراء ثمن إجراءات التقشف، إذ أن أسرة مكونة من 4 أفراد تحتاج إلى نحو 19 ألف ليرة تركية شهريا (590 دولار) للعيش، بينما الحد الأدنى للأجور يبلغ 17 ألف ليرة فقط.

وقلل وزير المالية التركي، محمد شيشمك، من مخاوف الأتراك بسبب ارتفاع نسبة التضخم، وانعدام صافي الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي، مشيرا إلى أن القادم أفضل.

واعتبر شيشمك أن "الأسوأ بات من الماضي"، مشيرا إلى أن عملية تباطؤ التضخم بدأت بالفعل خلال شهر يونيو الجاري، مؤكدا أن الحكومة ستخفض الإنفاق للمساعدة في كبح الأسعار.

وأشار وزير المالية إلى أن "السياسة العقلانية" التي تتبعها الحكومة التركية، القائمة على القواعد، تسببت في اتجاه الاقتصاد المحلي إلى نمو أكثر استدامة في الفترة المقبلة.

وزف شيشمك أنباء مبشرة للشعب التركي حول انخفاض معدل البطالة بنسبة 8.7%، مع توقع المزيد من النمو خلال العام الجاري، وتدفق الموارد الأجنبية، بزيادة الثقة وانخفاض عجز الحساب الجاري.

لكن محلل السوق في شركة "كونوتوكسيا للوساطة المالية"، بارتوش ساويكي، قال إن الطلب المحلي المرن والسياسة المالية الفضفاضة زادت المخاطر التضخمية، مشيرا إلى أن الوضع في تركيا سيحتاج إلى موقف سياسي متشدد حتى الربع الأخير من عام 2024.