ليس بالقوة وحدها.. لماذا فشلت إسرائيل في حرب غزة؟

الطريقة الأولى للقضاء على جماعات مسلحة هي القمع العسكري، وهو ما تتبعه إسرائيل في غزة تحت ذريعة سعيها للقضاء على حماس.

لكن كرونين تقول إن الحملات العسكرية تكون باهظة التكلفة وغير مستدامة. فعلى سبيل المثال، بدأت الحملة الروسية الثانية ضد الانفصاليين في الشيشان عام 1999 واستمرت لنحو 10 سنوات وشرّدت مئات الآلاف من النازحين وقتلت ما يزيد على 25 ألف مدني وخلفت دماراً واسع النطاق وفرضت الحكومة الروسية حكماً ديكتاتورياً موالياً لها في المنطقة.

ومنعت روسيا الصحافيين الأجانب من تغطية الصراع في تلك المنطقة واستهدفت آخرين حاولوا تغطية حملتها.

وفي الفترة بين 2008 و2009، شنت الحكومة السريلانكية حملة عسكرية للقضاء على نمور تحرير تاميل إيلام من خلال فرض حصار على الجماعة في شريط صغير بالمنطقة الشمالية الشرقية من الدولة.

الحملة العسكرية ضد نمور تحرير تاميل إيلام نجحت، لكنها أدت إلى مقتل عشرات آلاف المدنيين وخلفت دماراً واسعاً.

الباحثة كرونين تقول أيضاً إن الحملات العسكرية نادراً ما تنجح على المدى البعيد، إذ يتطلب القضاء على الجماعات المسلحة عسكرياً حملات قمعية تؤدي إلى تآكل الحريات المدنية وتوتر نسيج الدولة وتعتمد على "تكتيكات الأرض المحروقة".

فحتى تنظيم داعش، بعد أن قامت الولايات المتحدة بقيادة تحالف لدحره، لم ينته، ولكنه انقسم لتسع مجموعات أطلق عليها اسم "الأقاليم"، وقام أحدها بتنفيذ هجوم دموي ضد روسيا مؤخراً خلف 140 قتيلا.

وقد ينتهي الحال بقلب نظام الحكم أو تهديد بقاء الحكومة أو عزلتها دولياً بعد كل الدمار الذي ستخلفه حملتها العسكرية. وقد تعاود جماعة مسلحة الظهور مرة أخرى بالشكل نفسه أو بشكل مختلف إذا كانت القضية التي قاتلت من أجلها لم تحل بعد.

لذلك تقول الكاتبة، إن حماس كحركة فلسطينية حصراً تركز على هدف معين، لا يمكن زوالها حتى وإن تمكنت إسرائيل من إضعاف قبضتها على غزة، لأنه في ظل غياب حل سياسي للصراع والقضية الفلسطينية، فإن حماس ستعاود الظهور مجدداً والعمل ضد إسرائيل مرةً أخرى.

وتقول منظمة RAND الأميركية البحثية المرموقة، إن 7% فقط من الجماعات المسلحة على مدار 40 عاما هُزمت عسكرياً.

الطريقة الثانية التي تنتهي بها الجماعات المسلحة هي اعتقال أو قتل كبار قادتها، مثلما حدث مع منظمة العمل المباشر الفرنسية اليسارية بعد اعتقال قادتها الرئيسيين عام 1987، أو طائفة أوم شينريكيو اليابانية التي غيّرت اسمها ونبذت العمل المسلح بعد اعتقال زعيمها شوكو أساهارا عام 1995.

لكن البروفيسورة كرونين تقول إن تلك الجماعات التي تندثر بموت أو اعتقال قادتها تكون صغيرة في العادة وعمرها أصغر من 10 سنوات، وذات هيكل هرمي بزعيم واحد مقدس دون خليفة واضح، في حين يمكن للمجموعات الأقدم والأكبر حجماً إعادة تنظيم نفسها والبقاء على قيد الحياة.

وفي عام 2006، فحص الباحثان محمد حافظ هاتفيلد من جامعة ميزوري، معدلات أنشطة حماس المسلحة قبل وبعد اغتيال إسرائيل قيادات الحركة، وخلصت الدراسة إلى أن تأثير تلك الاغتيالات كان ضئيلاً على مواصلة أنشطتها وبقائها.

أكد تلك الاستنتاجات الباحث تشالز كريشوفر في دراسة مشابهة عام 2016، خلص فيها إلى أن اغتيال إسرائيل قادة حماس لا يؤثر في بقاء المجموعة.

إسرائيل كثفت عمليات الاغتيال في غزة خلال الحرب الجارية، وزعمت أنها وصلت لأكثر من 100 من قادة حماس، مثل مروان عيسى قائد القسام في غزة، وأحمد بحر رئيس مجلس شورى الحركة، وصالح العاروري نائب رئيس الحركة، لكنها لم تنجح في الوصول لأكثر مطلوبين لها: يحيى السنوار ومحمد الضيف.

كرونين تقول إن تلك الاغتيالات لا تؤثر في قدرات حماس ومثلها من الجماعات المسلحة على المدى الطويل، ولا تحقق سوى "مكاسب تكتيكية قليلة" ذات تكلفة استراتيجية عالية.

بعض الجماعات التي درستها أودري كرونين انتهت من الوجود بتحقيق أهدافها الأساسية، مثل عصابات الإرجون وليحي الصهيونية التي اندثرت من الوجود بعد النكبة الفلسطينية وتأسيس إسرائيل، وتم ضم تلك الجماعات للجيش الإسرائيلي ودخل قادتها مجال السياسة، مثل مناحيم بيغن الذي أصبح رئيساً للوزراء لاحقاً.

هناك أيضاً جماعة مخونتو وي سيزوي الجناح العسكري لحركة المؤتمر الوطني الأفريقي التحررية في جنوب أفريقيا، الذي اعتاد على شن هجمات ضد أهداف عسكرية ومدنية تابعة لدولة الفصل العنصري "أبارتاهيد". وقد تم حل تلك الجماعة رسمياً بعد انهيار نظام الأبارتاهيد عام 1990.

لكن الكاتبة تزعم أنه من النادر لجماعة مسلحة متمردة يصنفها العالم الغربي بـ"الإرهابية" أن تحقق أهدافها كاملة، وتضيف أن نحو 5% فقط من الجماعات التي قامت بدراستها نجحت في تحقيق أهدافها.

والطريقة الأخرى لانتهاء حركات مسلحة -بحسب الكاتبة- هي أن تتحول لانتفاضة شعبية أو حملة تمرد جماهيرية كاملة تضم أطياف الشعب كافة وينجحون في الوصول معاً للغاية النهائية.

الطريقة الخامسة هي أن يجري حل جماعات مسلحة عبر عملية سياسية تفاوضية من خلال محادثات سلام لحل الصراع، مثل جماعة الجيش الجمهوري الأيرلندي المسلحة في أيرلندا الشمالية التي انتهت بتوقيع "اتفاق الجمعة العظيمة" عام 1998 بعد سنوات طويلة من العمل المسلح ضد بريطانيا.

وهناك أيضاً اتفاق كولومبيا لعام 2016 بين الحكومة والقوات المسلحة الثورية الكولومبية التي وافقت على نزع سلاحها والعمل كحزب سياسي عادي وعودة أعضائها المطاردين للاندماج في المجتمع.

الكاتبة تقول إن الجماعات المسلحة التي يزيد عمرها على 20-25 عاما تكون أكثر ميولاً للتفاوض من الجماعات حديثة التشكيل الأصغر من 10 سنوات.

وهناك فرص كبيرة لنجاح العملية السياسية في حال كان هناك شيء ملموس للتفاوض بشأنه مثل الصراعات حول الأرض وليس الصراع على الدين أو الأيديولوجيا.

أودري كرونين تقول، إن حماس وإسرائيل أثبتتا قدرتهما على التفاوض في الماضي بشكل غير مباشر عبر وسطاء مثل محادثات التهدئة وتبادل الأسرى في جولات القتال السابقة.

في عام 2008، أصدرت مؤسسة RAND البحثية المرموقة دراسة شاملة بعنوان "كيف تنتهي الجماعات المسلحة؟" حللت نهاية 268 جماعة مسلحة بين عام 1968-2008.

ووجدت تلك الدراسة أن 7% فقط منهم هُزِموا عسكرياً، وتم تفكيك 40% (غالبيتهم مجموعات صغيرة يقل عدد أفرادها عن 1000 عضو) من خلال اعتقال الشرطة المحلية ووكالات المخابرات الأعضاء الرئيسيين أو قتلهم.

وانتهت غالبية الجماعات المسلحة، نحو 43%، عبر الانتقال إلى عملية سياسية، والحوار، والتحول إلى السياسة غير المسلحة، والتسوية السلمية مع حكوماتهم.

الطريقة السادسة لإنهاء الجماعات المسلحة هي دفعها نحو الانقسامات الداخلية والانهيار على نفسها أو إفقادها الدعم الشعبي، بحسب كرونين.

الباحثة تقول، إن الانقسامات قد تحدث بسبب الاختلافات الأيديولوجية أو العملياتية ويمكن إفقاد تلك الجماعات الحاضنة الشعبية من خلال تقديم بديل أفضل للسكان أو ارتكاب الجماعات المسلحة نفسها لأخطاء تثير غضب جمهورها، مثل استيلاء الانفصاليين الشيشان على مدرسة في بيسلان بروسيا عام 2004، ما أدى إلى مقتل أكثر من 300 شخص منهم 200 طفل، وأسهمت تلك الحادثة في إضعاف الدعم الشعبي والأوروبي للحراك الانفصالي.

كرونين تجادل بأن بإمكان إسرائيل والمجتمع الدولي محاولة جر حماس لمربع التفاوض من أجل إحداث انقسامات داخل الحركة تدفعها نحو الانهيار أو الضعف.

الباحثة تقول إن إدخال حماس دائرة المفاوضات الجادة "قد يؤدي إلى خلق الظروف المواتية" لانهيار الحركة وخلق انقسام بين قادتها وأعضائها الذين يريدون تسوية سياسية للصراع من جهة والذين يتمسكون بالقتال.

وتقترح البروفيسورة الأميركية طريقاً آخر لتحقيق ذلك عبر إعطاء الفلسطينيين شعوراً بأن هناك بديلاً أفضل من حماس، عبر إزالة قيود الحصار على دخول المساعدات الإنسانية للقطاع وإعادة بناء غزة بشكل أفضل مما كانت عليه قبل الحرب.