نساء القمح.. كرديات يحملن السلاح بوجه الحرائق

في الحقول، يعمل المزارعون كخلية نحل، وتخترق الحصادات البساتين المترامية تحت أشعة شمس حارقة، بينما يتصاعد خلفها الغبار.

لكن المشهد لا يبدو زراعيا هادئا، إذ تسيّر قوى الأمن الداخلي الكردية دوريات بشكل منتظم، حول المناطق الزراعية.

ترتدي يوسف قميصا زيتيا، وتغطي رأسها بوشاح وتضطلع مع سلاحها بمهمة حماية المحاصيل، وتقول: "نحن كلجان طوارئ نحمي موسم القمح، ويمتد عملنا من شهر إلى شهرين.. مهمتنا خدمة المزارعين وحماية محاصيلهم في هذه المنطقة".

وتضيف: "في حال نشوب الحرائق في منطقة ما، يتم إبلاغنا مباشرة ونحن نتصل بدورنا بسيارات الإطفاء للسيطرة على الوضع بشكل أسرع".

حماية المحاصيل ضرورة شديدة الإلحاح، كما تصف يوسف، إذ يعتمد السكان بشكل كامل على هذا الموسم، وإذا خسروه ستكون الأوضاع "سيئة" كما تصف.

إلا أن الأهالي كانوا متشككين في البداية في إمكانية أن تكون جهود اللجان فعالة في حماية محاصيلهم، فتشرح يوسف: "لم يثق الأهالي بجهودنا وكانوا يقولون ماذا تفعل النسوة على الطرقات؟ لكن اليوم الجميع متفقون على ضرورة التكاتف لحماية أرزاق الناس".

أسفرت حرائق اجتاحت حقول قمح من شرق مدينة القامشلي حتى ريف مدينة الحسكة، في يونيو 2019، عن مقتل عشرة أشخاص على الأقل خلال محاولتهم احتواء النيران، وفق حصيلة أوردها حينها المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ويقول سكان ومسؤولون من الإدارة الذاتية إن الحرائق غالبا ما تكون "مفتعلة"، وليست ناجمة عن عوامل طبيعية أو إهمال.

وسبق لتنظيم داعش أن تبنى قبل سنوات حرق محاصيل زراعية في مناطق نفوذ القوات الكردية.

وتتنافس الإدارة الذاتية الكردية والحكومة السورية على شراء محاصيل القمح من المزارعين، والتي تحظى بأهمية استراتيجية لدى الطرفين، كونها توفر احتياجات السكان من الخبز في مناطق نفوذ كل منهما.

ويتوقع المزارعون محاصيل قمح وفيرة هذا العام، وأورد تقرير صدر مؤخرا عن البنك الدولي، أنه بعد الانخفاض التاريخي عام 2022، انتعش الإنتاج الزراعي وسط تحسن في الظروف الجوية، وبلغ مليوني طن متري عام 2023 مقارنة بمليون طن متري في العام السابق.

إلا أن حماية محصول القمح، ليست بالأمر اليسير، حيث يعمل المتطوعون وسط درجات حرارة مرتفعة وتحديات عدة، بينها هجمات مباغتة تشنها خلايا تابعة لتنظيم داعش، وضربات تركية تطال القوات الكردية.

على طريق رئيسي قرب القحطانية، تتجول رنكين حسن، وهي إحدى المتطوعات، برفقة نساء ورجال مزودين ببنادق، وترتدي حسن جعبة عسكرية فوق ثيابها، وتقول: "بعض الأشخاص والأطراف يحاولون حرق الأراضي بشكل مقصود، لكننا لن ندعهم يفعلون ذلك".

إلا أن حسن تحمل رجاء للأهالي الآخرين، فتدعوهم لليقظة، وعدم إلقاء "أعقاب السجائر" على الطرقات.

تخشى المرأة الخمسينية على المحاصيل رغم أنها لا تمتلك فدانا واحدا، لكنها تقول: "آتي يوميا ليحصد المزارعون محاصيلهم من دون حرائق".

أما عطية حسن، المتطوعة التي لوّنت أشعة الشمس محياها فتقول: "نحن هنا لنمنع المرتزقة من حرق الأراضي ونحمي أنفسنا".

وتضيف بينما ترتدي ثوبا أبيض مزينا بورود: "يشعر الناس بسعادة عند رؤيتنا.. ونحن فخورون بجهودنا رغم كل الظروف القاهرة".