خدعة ماكرون وحظر شركات السلاح الإسرائيلية

في كل عامين منذ عام 1967، تقيم فرنسا معرض يوروساتوري الدولي للأسلحة في مركز باريس نورد فيلبينت للمعارض، ليتسنى لآلاف شركات السلاح من حول العالم عرض أسلحتها وأنظمتها الهجومية والدفاعية المختلفة على جمهور واسع.

كل شركة تستطيع التقدم بطلب قبل عام على الأقل من عقد المعرض، للحصول على مكان مخصص لعرض منتجاتها.

ويضم المعرض صناعات الدفاع والهجوم والأمن بريا وجويا وبحريا، بدءًا من المواد الخام وحتى التجميعات الفرعية وأنظمة التشغيل والمنتجات النهائية.

وإذا تجولت في معرض يوروساتوري، فإنه لن يبدو مختلفا عن معارض الكتاب أو الأزياء الاعتيادية، على الرغم من عرضه لأسلحة قاتلة وفتاكة.

سترى هناك لافتات وملصقات دعائية وكبائن ومسوقين يعرضون منتجات مختلفة مثل السكاكين والبنادق والأسلحة الصغيرة وأنظمة الاتصالات وأزياء الجنود والخدمات اللوجستية والصواريخ والمدرعات والدبابات وشاحنات نقل الجنود وطائرات دون طيار وغيرها من الأسلحة.

بالإضافة إلى أدوات المراقبة والاستطلاع والتنبيه والتجسس ومعدات الأمن المدني ورجال الإطفاء وهيئات الإنقاذ والطوارئ والاستجابة للكوارث.

معرض يوروساتوري يُعد الأكبر من نوعه على مستوى العالم، وهو مغلق أمام العامة ويسمح فقط للمحترفين بحضوره، مثل الشركات والمؤسسات والمسؤولين الحكوميين ومحترفي الصناعة وضباط الجيش وقوات الأمن ووحدات الشرطة والطوارئ.

لذلك، تتهافت شركات السلاح للوصول إلى المعرض لكسب زبائن جدد وجمع استثمارات وتمويل خارجي، في حين ترى الدول والحكومات في ذلك المعرض فرصة لصنع أو تقوية تحالفات حول العالم عبر عقد اتفاقيات تصدير السلاح وتوريده من بعضها البعض.

يوم الإثنين الماضي، نقلت الممثلية الإسرائيلية لـEurosatory رسالة إلى الشركات بإلغاء تصاريحها لعرض بضائعها ومنتجاتها في المعرض.

لكن ترك منظمو معرض باريس ثغرة للإسرائيليين، وهي أنه ما زال بإمكانهم الحضور لكن بصفتهم زائرين بدلاً من عارضين، وهو ما يعني أنه ما زال بإمكانهم الحضور وعقد اجتماعات هامشية في المعرض والتسويق لمنتجاتهم، دون الحصول على كابينة رسمية.

أما الثغرة الثانية فهي أنه يمكن لشركات السلاح الإسرائيلي عرض منتجاتها عبر فروعها الخارجية أو شركات فرعية لها، بحسب القناة 12.

على سبيل المثال، شركة Elbit systems الإسرائيلية لديها فرع في الدول الإسكندنافية يسمى Elbit Sweden يمكنه المشاركة بدلاً من الشركة الأم.

وشركة Rafael الإسرائيلية، لديها شركة فرعية ألمانية تسمى Dynamite Noble ستشارك في المعرض، وتمتلك حصة بمقدار 20% في شركة ألمانية أخرى تدعى Eurospike.

وشركة IAI الإسرائيلية المملوكة للدولة، لديها مشروع تشاركي باسم "Proteus" مع شركة Singaporean ST Engineering السنغافورية، وستتمكن من عرض مشروعها ذلك الذي يضم صواريخ مضادة للسفن في معرض باريس عبر الشركة السنغافورية الشريكة.

شركات السلاح الإسرائيلية الناشئة هي المتضرر الأكبر من منع مشاركتها في المعرض، باعتبارها الأكثر حاجة إلى ضخ استثمارات أجنبية فيها وحصد زبائن جدد.

وقد استغلت تلك الشركات الناشئة الحرب الإسرائيلية على غزة لتحويل القطاع إلى حقل تجارب لتطوير منتجاتها والتسويق لها كمنتجات "مجربة ميدانياً"، بحسب صحيفة هآرتس.

شركات السلاح الإسرائيلية تشهد انتعاشا كبيرا في مبيعاتها بفضل الحرب على غزة والحرب الروسية الأوكرانية.

ففي نهاية الربع الأول من العام الجاري، وصلت الطلبات المتراكمة لشركة إلبيت الإسرائيلية إلى 20.4 مليار دولار، بزيادة قدرها 2.6 مليار دولار خلال 3 أشهر فقط، وفقاً للقناة 12.

بينما شركة IAI للصناعات الجوية الحربية حصدت 1.1 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، لتصل الطلبات المتراكمة لديها لنحو 19.1 مليار دولار.

وفي شركة رافايل، بلغ حجم الطلبات المتراكمة نحو 15.1 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 850 مليون دولار في الربع الأول من عام 2024.

وقالت صحيفة هآرتس، إن الحرب على غزة أصبحت بمثابة برنامج Shark Tank الشهير للشركات الناشئة الباحثة عن تمويل، من حيث حصولها على فرصة نادرة لتجريب أسلحتها أولاً بأول، خاصة الطائرات المسيرة وبرامج المراقبة.

معرض باريس للسلاح من المتوقع افتتاحه يوم 17 يونيو بعد 10 أيام، في حين تبدأ دورة الألعاب الأولمبية في باريس الشهر المقبل.

لذلك، تقول القناة 12 الإسرائيلية إن قرار ماكرون استبعاد الشركات الإسرائيلية للسلاح من معرض يوروساتوري تأثر بشكل كبير برغبته في إبقاء الأمور هادئة قدر الإمكان في العاصمة الفرنسية لحين انتهاء الألعاب الأولمبية.

لكن القناة الأكثر مشاهدة في إسرائيل تضيف أن أكبر مستفيد من قرار ماكرون هم كبار المسؤولين التنفيذيين في شركات السلاح الفرنسية العملاقة، وهم المنافسون الأوضح لشركة إلبيت وIAI ورافايل الذين سيحصلون على ميزة تنافسية عالية هذا العام لوجودهم في المعرض دون أقرانهم الإسرائيليين.

شركات السلاح الفرنسية العملاقة مثل Thales وDassault وNabal وSepran تحاول منذ عامين استغلال الحرب الروسية الأوكرانية، لرفع مبيعاتها داخل القارة الأوروبية مثل الدبابات والطائرات المقاتلة والأسلحة المدفعية.

وفي العام الماضي، اندلعت أزمة سياسية في الدنمارك بسبب شراء الحكومة أسلحة مدفعية إسرائيلية بقيمة ربع مليار دولار دون طرح عطاء، وهو ما أغضب الفرنسيين الذين يصنعون مدفعيات فرنسية بالجودة نفسها وبأسعار تنافسية.

وعلى أثر تلك الفضيحة، تمت إقالة رئيس أركان وزارة الدفاع، ثم ما لبث وزير الدفاع جاكوب إيليمان ينسن أن لحق به وأعلن اعتزاله السياسة.

أكثر ما أثار قلق الشركات الإسرائيلية بعد استبعادها من معرض باريس للأسلحة هو احتمالية أن يشجع ذلك القرار على اتخاذ دول أخرى قرارات مشابهة أو أن تُتخذ تدابير أشد صرامة ضد الشركات الإسرائيلية.

وفي شهر مارس الماضي، استبعد الرئيس التشيلي غابرييل بوريك إسرائيل من المعرض الجوي البارز في أميركا اللاتينية، FIDAE، الذي أقيم في أبريل.

إسرائيل أيضاً عينها على معرض LAAD في ريو دي جانيرو البرازيلية في شهر أبريل 2025، وتنظر بقلق إلى قرار الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا استدعاء سفيره من تل أبيب الأسبوع الماضي.

وفي ديسمبر 2025، كانت إسرائيل تخطط للوجود في معرض ExpoDefensa في كولومبيا، لكن الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو قطع العلاقات مع إسرائيل وأمر الأسبوع الماضي بفتح سفارة في رام الله.

القناة 12 الإسرائيلية تقول إنه على المدى الطويل، دون قدرة الشركات الإسرائيلية المشاركة في المعارض الدولية، فإنها ستتضرر جميعها، بما في ذلك الشركات الكبرى.

لكن ما خفّف عن الإسرائيليين قليلاً هو أنه بعد القرار الفرنسي، سارعت ألمانيا لاحتضان شركات السلاح تلك في معرض ILA في برلين وزارها المستشار الألماني أولوف شولتز شخصياً.