"72 ساعة هستيرية" في إسرائيل.. الكل يهاجم الكل

أبرز ما فجر أزمة التحالف الحالية وتمرد عدة نواب كنيست من حزب الليكود على نتنياهو هما:

• قانون التجنيد، المعني بتسوية أوضاع اليهود الحريديم المتدينين، من العازفين عن الخدمة العسكرية.
• قانون الحاخامات.

التحالف الحاكم يعتمد في بقائه على حزبين لليهود المتشددين، ألترا أرثوذوكس، هما "شاس"، و "يهدوت هتوراة" اللذان يستحوذان على 18 مقعدا في الكنيست من أصل 64 يحظى بها تحالف نتنياهو. لذلك انسحاب أي منهما يعني انهيار الحكومة.

الأمور وصلت لمفترق طرق بسبب الحرب على غزة، حيث أصبح الجيش الإسرائيلي في حاجة ماسة للجنود الجدد وأمامه خيار من اثنين، إما تجنيد أولئك الذين لا يخدمون عادةً في الجيش مثل الحريديم، أو تمديد سنوات خدمة من يؤدون الخدمة العسكرية بالفعل.

هناك أصوات عديدة في تحالف نتنياهو تنادي بـ"المساواة" في الواجبات القومية وتعميم الخدمة الإلزامية على الجميع، بينما تريد أحزاب الحريديم استمرار إعفاء أبناءها أو غالبيتهم.

أما "قانون الحاخامات"، فهو يعمل على نقل صلاحيات تعيين الحاخامات في المدن من السلطات المحلية لوزارة الأديان التي يسيطر الوزير الحريدي موشيه ملخيئيلي من حزب شاس.

الحزب حاول تمرير مسودة للقانون مؤخراً، لكن النائبة الليكودية تالي غوتليب ومعها النائب الليكودي موشيه سعادة تمردوا على التحالف وأعلنوا رفضهم للقانون وعزمهم على إفشاله، ليقوم نتنياهو بسحب القانون من جدول أعمال الكنيست في الدقائق الأخيرة قبل التصويت عليه.

هذا الأمر أغضب أحزاب الألترا أرثوذوكس ودفع زعيم حزب شاس أرييه درعي للقول لنتنياهو إنه "فقد السيطرة على الائتلاف" وإنه "منذ قيام الدولة لم تكن هناك حكومة سيئة كهذه بالنسبة للحريديم".

مسؤولو شاس هددوا عبر القناة رقم 11 الإسرائيلية، الأربعاء 19 يونيو، بدفع الحكومة للانهيار: "لا يوجد ائتلاف، ولا يوجد انضباط، والأمر الأكثر إحباطاً هو أن الليكود حزب مكون من 35 فصيلًا منفصلاً. التفكيك الكامل للتحالف مسألة وقت فقط".

نتنياهو، ما يزال يواجه تمرد العديد من أعضاء حزبه، بما في ذلك وزير الدفاع يؤاف غالانت، ويعجز عن "ترويضهم" وهو ما ينذر بانتخابات مبكرة من المرجح أن تطيح برئيس الوزراء اليميني من سدة الحكم بحسب صحيفة إسرائيل هيوم.

يوم الإثنين 17 يونيو، قرر نتنياهو حل مجلس الحرب بعد استقالة وزيري الحرب بيني غانتس وغادي آينزكوت منه، مبرر نتنياهو المباشر لتلك الخطوة هي منع وزير الأمن المتطرف إيتمار بن غفير من الدخول للمجلس والتأثير على سير الحرب واستراتيجياتها.

لكن ذلك لم يدفع بن غفير للصمت، وإنما أصر على طلبه، ليرد عليه نتنياهو: "مَن يريد أن يصبح شريكاً في فريق مشاورات أمنية محدود بالحكومة، عليه أن يثبت أنه لا يسرب أسرار الدولة أو المحادثات الخاصة".

بن غفير من جهته رد الإهانة لرئيس الوزراء وقال إنه يؤيد خضوع الجميع لاختبار كشف الكذب حول التسريبات "بما في ذلك مَن يستخدمون جهاز تنظيم ضربات القلب" في إشارة لنتنياهو نفسه.

وانضم لبن غفير وزير الشتات الليكودي عميشاي شيكلي الذي تمرد على نتنياهو وقال إن "الشخص الذي يسرّب معلومات من مجلس الوزراء يجب أن يكون في السجن. أنا أؤيد أن يقوم الجميع بإجراء جهاز كشف الكذب، بما في ذلك رئيس الوزراء نفسه".

وسط اندلاع الفوضى والحرائق المتتالية داخل التحالف الحاكم، لم يجد نتنياهو بداً من الخروج في تصريح علني وتوبيخهم ودفع الشارع من أنصار اليمين للضغط عليهم للتعقل والتوحد.

رئيس الوزراء اليميني نشر مناشدته المصورة على موقع تويتر إكس وذَّكر أنصاره بأن إسرائيل في حالة حرب "على عدة جبهات، وتواجه تحديات كبيرة وقرارات صعبة" مطالبا "جميع شركاء الائتلاف بضبط النفس".

وأضاف نتنياهو "هذا ليس الوقت المناسب للسياسات التافهة، وليس الوقت للتشريعات التي تعرض التحالف الذي يقاتل من أجل الانتصار على أعدائنا للخطر"، مؤكدا على ضرورة التركيز وإعطاء الأولوية لتحقيق أهداف الحرب ووضع جميع الاعتبارات الأخرى جانباً والوقوف "كرجل واحد معاً خلف جنودنا".

على مدار الشهور الثمانية الماضية، تسرب للإعلام الإسرائيلي العديد من الوثائق والتقارير التي أحرجت الجيش والمنظومة الأمنية الإسرائيلية لفشلهم التنبؤ بهجوم حماس أو منعه وإحباطه.

على سبيل المثال، شملت تلك التقارير رصد الوحدة 8200 الاستخبارية، تفعيل عدد كبير من شرائح الهاتف الإسرائيلية داخل قطاع غزة ليلة الهجوم، وهو ما يمكن تفسيره على احتمالية قيام مجموعة مسلحة بالتسلل لمناطق غلاف غزة.

واجتمع قادة الجيش والاستخبارات قبيل هجوم السابع من أكتوبر بساعات لدراسة الإنذارات المتوفرة باحتمالية وقوع هجوم، وكان تقييمهم أنه حماس قد تقوم باقتحام إسرائيل والسيطرة على كيبوتس وأخذ رهائن.

ولكنهم استهانوا بالخطر وحجم الهجوم المحتمل وقاموا بإرسال وحدة واحدة من الشاباك للمنطقة ولم يخطروا القوات في فرقة غزة لرفع درجة التأهب.

لكن الوثيقة الجديدة التي نشرتها القناة 11، الإثنين 17 يونيو، تعد الأكثر إحراجاً للجيش والمنظومة الاستخباراتية. فتلك الوثيقة المؤرخة بتاريخ 19 سبتمبر 2023 تعطي رقماً دقيقاً للغاية عن عدد الأسرى الذين تنوي حماس احتجازهم، وهو 250 إسرائيليا، وتفصّل خطط وتدريبات قوات القسام لمداهمة مواقع عسكرية وكيبوتسات وأسر من فيها.

لذلك، سارع الجيش، الثلاثاء، بإلقاء اللوم على الوحدة 8200 نفسها والقول إنها "فشلت في استخلاص استنتاجات واضحة من الوثيقة ولم توزعها على كبار المسؤولين" ولم تخطر قيادات الجيش بهذا الأمر.

وأضاف مصدر من الجيش بأن الوثيقة اكتشفها ضابط مخابرات في فرقة غزة في 1 أكتوبر وأدرك أهميتها لكنه لم يرفعها إلى كبار القادة، واختار بدلاً من ذلك إبلاغ المسؤولين الأقل رتبة.

لكن مصادر أمنية أخرى حاولت إلقاء اللوم على الجيش والقول إن تقرير الوحدة 8200 كان معروفاً لقيادة المخابرات العليا في فرقة غزة بالجيش، على أقل تقدير ولم يكن هناك جهل بهذا التحذير.

وقالت إذاعة كان الإسرائيلية إن الجيش الإسرائيلي كانت لديه معرفة تفصيلية بنوايا حركة حماس قبل أسابيع من هجوم 7 أكتوبر وخططها لمداهمة واختطاف واسعة النطاق، ولكنه مع ذلك فشل في التوقع بتوقيت الهجوم ومنعه.

ويبدو أن تسليط اللوم على الجيش بشكل أكبر، جرى تسريب نتائج تحقيقات في يوم "السبت الأسود" للقناة 12 خلصت بأنه في السابع من أكتوبر، لقي الكثير من القتلى مصرعهم بنيران صديقة في حوادث متعددة "لإطلاق قواتنا النار على قواتنا".

تصريحات المتحدث باسم الجيش دانييل هاغاري، الأربعاء 19 يونيو، بأنه لا يمكن القضاء على حماس كانت المرة الثانية التي يهاجم فيها رئيس الوزراء وقادة المستوى السياسي بشكل غير مباشر.

وفي شهر مايو، سُئل هاغاري عما إذا كانت حاجة الجيش للعودة إلى مناطق في غزة تم "تطهيرها" سابقاً من حماس مثل جباليا وبيت حانون هي نتيجة لعدم اتخاذ الحكومة قرار بشأن من سيحكم القطاع بدلاً من الحركة.

ورد الأدميرال بأنه "ليس هناك شك في أن وجود بديل حكومي لحماس من شأنه أن يخلق ضغوطاً على حماس، ولكن هذه سؤال يجب أن يوجه للمستوى السياسي".

تمرد هاغاري على نتنياهو وإحراجه للحكومة دفع أنصار رئيس الوزراء من كبار قادة حزب الليكود وصحافيين وشخصيات عامة يمينية لشن هجوم على قادة الجيش واتهامهم بأنهم لديهم "أجندات يسارية" وهي تهمة تشبه الخيانة في إسرائيل.

وألقى الإعلام اليميني الإسرائيلي باللوم على هاغاري والقول بأن تصريحاته تقوي حماس وتصورها بأنها "لا تقهر" وتدفعها للاحتفال.

وهناك أيضاً من اتهموا هاغاري وغيره من قادة الجيش المتمردين على نتنياهو بأنهم يفعلون ذلك لمطامع وطموحات شخصية بالدخول في عالم السياسة.

وبعد الإحراج الذي تسببت فيه تصريحات هاغاري في مقابلته مع القناة 13 الإسرائيلية الأربعاء، اضطر مكتب نتنياهو لإصدار بيان قال فيه إن الجيش "ملتزم بأهداف الحرب المعلنة للحكومة، بما في ذلك تدمير قدرات حماس الحكومية والعسكرية" وأن هاغاري كان يقصد "القضاء على حماس كأيديولوجية وفكرة" وأن "أي ادعاء بخلاف ذلك هو إخراج التصريحات من سياقها".