خطة إسرائيلية لـ"توسيع المنطقة العازلة" في غزة ولبنان

بعد احتلال إسرائيل قطاع غزة عام 1967 وحتى انسحابها الأحادي عام 2005، اعتمدت الحكومة الإسرائيلية ما عُرف باسم سياسة "الأصابع الخمسة" في القطاع لإخضاع سكانه وإضعاف قدرات الفصائل الفلسطينية.

السياسة كانت قائمة على إنشاء 4 كتل استيطانية تجزء القطاع وتفصل بين مدنه وتحتجز سكانه في مساحات ضيقة ليسهل احتواءهم ويصعب عليهم الالتقاء والتواصل فيما بينهم.

مثلا، أنشأت إسرائيل مستوطنة موراج وكتلة غوش قطيف للفصل بين مدينتي رفح وخان يونس، وأنشأت مستوطنة كفار داروم للفصل بين دير البلح وخان يونس، ومستوطنة نتساريم للفصل بين غزة ودير البلح، ومستوطنة نيسانيت للفصل بين شمال غزة وإسرائيل، بالإضافة للأصبع الخامس وهو سيطرة إسرائيل على محور فيلاديلفيا بين غزة ومصر.

في كل من تلك المستوطنات، كان هناك تواجد للجيش الإسرائيلي، سهل عليه اقتحام أي من مناطق القطاع في فترة قياسية واعتراض طريق أي شخص مطلوب أو مشتبه به أثناء محاولته التنقل بين مدن القطاع المختلفة.

إسرائيل حاليا لا تستطيع إعادة استيطان غزة بسبب الضغوط الدولية والمخاطرة بقطع الدعم الغربي، لكنها تستطيع بدلا من ذلك احتلال مناطق استراتيجية في غزة وتثبيت وجود الجيش فيها بحجج أمنية كجزء من الحرب.

وأثناء احتلال تلك المناطق، يهدم الجيش جميع البيوت والمنشآت الموجودة فيها لتصبح أرضا قاحلة، مثلما فعل الجيش في ممر نتساريم ويفعل حاليا في ممر ديفيد والمنطقة العازلة الشرقية.

بهذا الشكل، يمكن للجيش الإسرائيلي أن يخفف من أعداد قواته في غزة والانتقال لما يسميه بالمرحلة الثالثة للحرب، وهو أن تتمركز بعض كتائب الجيش القتالية في المناطق العازلة داخل القطاع وتنطلق منها في مهمات محدودة وعمليات اجتياح وتوغل بناء على معلومات استخباراتية عن أهداف معينة.

الولايات المتحدة تعارض رسميا إنشاء إسرائيل أي مناطق عازلة داخل القطاع بعد الحرب، لكنها تتهاون فعليا مع المسألة ولا تحاول منع إسرائيل من فرض وقائع على الأرض.

بخلاف غزة، لم يقم الجيش الإسرائيلي بأي اجتياح بري لجنوب لبنان رغم التصعيد المتواصل مع حزب الله منذ 7 أكتوبر.

إسرائيل تطالب حزب الله بسحب قواته لما بعد نهر الليطاني، بينما يصر الحزب على رفضه ذلك المطلب طالما استمرت الحرب الإسرائيلية على غزة.

ونقلت الفاينانشال تايمز عن مقاتل من حزب الله قوله إن "مطالبتنا بالانسحاب من الجنوب هي بمثابة مطالبة السمكة بعدم السباحة في البحر".

الحكومة الإسرائيلية تتحدث عن مناطق الجنوب اللبناني التي تمكن مقاتلي حزب الله من التخفي وإطلاق هجمات ضد شمال إسرائيل، بعضها لا يمكن تنفيذها إلا من مسافة قريبة، كالقنص أو إطلاق الصواريخ الموجهة المضادة للأفراد.

لكن عدم تواجد القوات على الأرض يجعل من الصعب على إسرائيل تكرار إستراتيجيتها في غزة في خلق مناطق عازلة تحت سيطرة الجيش في جنوب لبنان، ولكن ذلك لم يوقف الإسرائيليين من محاولة إنشاء مناطق عازلة بطرق أخرى عن بعد.

أبرز تلك الطرق هو القصف الجوي بأسلحة ثقيلة لم يسبق استخدامها في حرب 2006، بحسب شهادة سكان مدن الجنوب التي نقلتها فاينانشال تايمز.

وهناك أيضا القصف المدفعي العشوائي وإشعال النيران في المساحات الحرجية والشجرية الخضراء عبر المنجنيق أو السهم والقوس، بالإضافة للقصف بالفسفور الأبيض سريع الاشتعال والمحرم دوليا استخدامه ضد تجمعات سكن المدنيين.

تهدف تلك الوسائل العسكرية لجعل مناطق الجنوب اللبناني غير قابلة للحياة وطاردة لسكانها وجعلها شديدة الخطورة على مقاتلي حزب الله لإجبارهم على الانسحاب خلف نهر الليطاني.

وتقول الصحيفة الأميركية إن بيانات الرادار وصور الأقمار الصناعية تظهر أن إسرائيل دمرت قطاعا بعرض 5 كيلومترات من الأرض في جنوب لبنان خلال 9 أشهر.

الهجمات الإسرائيلية دمرت أو ألحقت أضرارا بالغة بالمباني والبنية التحتية والأراضي الزراعية والغابات وشبكات المياه والكهرباء ومضخات المياه والخزانات والألواح الشمسية والطرق، وتمت تسوية بعض الأحياء بأكملها بالأرض.

والنتيجة أنه لم يبقَ سوى عدد قليل من المدنيين في المنطقة وأصبحت معظم المباني فارغة وتم تدمير الكثير منها. وقال حسن شيط، رئيس بلدية كفركلا "كل يوم، الدمار يزداد سوءا. هناك أحياء تشبه غزة".

رئيس المجلس الجنوبي اللبناني، هاشم حيدر، قال إن إسرائيل دمرت بالكامل أكثر من 3 آلاف منزل بينما تعرض 12 ألف منزل آخر لأضرار متوسطة المستوى.

أما الصحيفة البريطانية فقد أظهر تحليلها لصور الأقمار الصناعية تعرض نحو 1500 مبنى لأضرار شديدة على أقل تقدير، وبعضها تلك المباني يشمل العديد من المنازل.

إسرائيل تزعم بأنها تستهدف حصرا مواقع وأهداف تابعة لحزب الله، بما في ذلك الأشجار التي تقوم بإحراقها بالقرب من الحدود بدعوة اختباء عناصر حزب الله فيها.

وتزعم إسرائيل أنها تريد فقط إجبار الحزب على الانسحاب من جنوب لبنان حتى نهر الليطاني بينما يمكن للمواطنين اللبنانيين المدنيين العيش في تلك المنطقة العازلة بشكل طبيعي.

لكن أكثر الأهداف تضرراً في القصف الإسرائيلي كانت المنازل السكنية المدنية، العديد منها ليس له أي صلة بحزب الله أو أي فصيل مسلح بحسب فينانشال تايمز.