سياسة
.
وسط انسداد أفق مفاوضات التهدئة في غزة وتبادل الأسرى بسبب رفض إسرائيل إنهاء الحرب وإصرار حماس على ذلك، تحاول الإدارة الأميركية تحريك المياه الراكدة بكلمة واحدة قد تدفع حماس لقبول مقترح جو بايدن، وهذه الكلمة هي "بما في ذلك".
هذه ليست مجرد كلمة عابرة، وإنما مصطلح قد يحدد مستقبل قطاع غزة لسنين طويلة قادمة ومستقبل وشكل حركة حماس بعد انتهاء الحرب، بل واحتمالية إنهاء الحرب من الأساس أو العودة لمربع الصفر بعد هدنة مؤقتة لأسابيع محدودة.
وتقول القناة 12 الإسرائيلية إن واشنطن تسعى لحذف تلك الكلمة بالكامل أو استبدال كلمة "فقط" بها، لإغلاق الفجوة بين الطرفين.
فما سر تلك الكلمة؟ وهل تنجح أميركا في إقناع نتنياهو بالقبول باستبدالها؟ وهل يسد ذلك التغيير الخلاف بين الطرفين؟
في نهاية شهر مايو الماضي، أطل الرئيس الأميركي جو بايدن بخطاب طويل غير اعتيادي قدم فيه مقترحاً تفصيلياً للتهدئة وتبادل الأسرى في غزة ودعا لضغط شعبي للدفع نحو قبول الطرفين بالصفقة.
أكثر ما لفت نظر الإسرائيليين في ذلك الخطاب هو قيام الرئيس بايدن بتفنيد وعود نتنياهو بـ"النصر المطلق"، والقول إن وزراء الحكومة الإسرائيلية يريدون "حرباً أبدية".
مقترح بايدن الذي وصفه بـ"المقترح الإسرائيلي" وزعم قبول نتنياهو به، على الرغم من نفي الأخير، يعد بإنهاء الحرب على ٣ مراحل.
المرحلة الأولى تشمل عودة النازحين لشمال غزة وإدخال مئات آلاف الوحدات السكنية المؤقتة، ورفع عدد شاحنات المساعدات الواصلة لغزة لـ600 شاحنة يومياً، وانسحاب الجيش من التجمعات السكانية، وتبادل الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة من النساء والمصابين وكبار السن، مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين.
وينص المقترح أن يتم التفاوض خلال الأسابيع الستة التي تستمر فيها تلك التهدئة حول المرحلة الثانية التي يتم فيها تبادل الأسرى الإسرائيليين من الرجال والجنود وإنهاء الحرب على غزة بشكل كامل، ويتم تمديد التهدئة إذا لم تصل المفاوضات لحل مرض للطرفين خلال مهلة التفاوض.
وتشمل المرحلة الثانية أيضاً انسحاب إسرائيل من غزة بالكامل ووقف الأعمال العدائية بشكل كامل. أما المرحلة الثالثة فتشمل إعادة إعمار غزة.
الشيطان يكمن هنا في التفاصيل، وخاصة في مفاوضات المرحلة الثانية التي لا يعرف بعد شروط إسرائيل فيها، خاصة وأن الإسرائيليين طلبوا إضافة بند يسمح باستئناف الحرب إذا لم تكن حماس جادة في التفاوض وحاولت مجرد كسب الوقت.
رئيس الوزراء الإسرائيلي أكد في أكثر من مناسبة أنه يريد فقط تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة لاستعادة بعض الأسرى وليس جميعهم ومن ثم استكمال الحرب حتى تحقيق كامل أهدافها المستحيلة بالقضاء على حماس، أي العودة للقتال بشكل أبدي.
وفي شهر يونيو الماضي، قال الرئيس بايدن إنه لديه قناعة بأن نتنياهو يمدد ويماطل في الحرب على غزة لمكاسب سياسية شخصية.
الثغرة الرئيسية في مقترح بايدن التي تسمح لإسرائيل باستئناف القتال والحرب بعد مجرد بضعة أسابيع من وقف القتال هي موجودة في صياغة البند الثامن من الصفقة.
وتنص تلك المادة على أنه "في موعد أقصاه اليوم 16 من الهدنة المؤقتة، تبدأ المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين لتلخيص شروط تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، بما في ذلك كل ما يتعلق بنسب إطلاق سراح الرهائن والسجناء" أي كم أسير فلسطيني ستطلب حماس مقابل كل جندي أو رجل إسرائيلي محتجز.
حماس أبدت تحفظها على كلمة "بما في ذلك" في البند الثامن، إذ إنها تريد فقط مناقشة نسب التبادل في الجزء الثاني من الصفقة وترى أن تلك العبارة تفتح الباب لإسرائيل لتقديم مطالب إضافية تعجيزية كشروط لتنفيذ المرحلة الثانية وإنهاء الحرب والتذرع بها لاستئناف قصف غزة.
على سبيل المثال، يستطيع نتنياهو وضع شروط أخرى على طاولة المفاوضات لتنفيذ المرحلة الثانية مثل نزع السلاح من قطاع غزة بشكل كامل، أو نفي قيادات حماس للخارج أو تقديم نشطاء من الفصائل المسلحة للمحاكمة أو حتى استسلام الحركة الحاكمة للقطاع.
وإذا رفضت حماس ذلك وقالت إن تلك الأمور غير قابلة للتفاوض، فإن بإمكان نتنياهو القول إن المفاوضات وصلت لطريق مسدود وعليه استئناف الحرب لتحقيق تلك الأهداف في تدمير حماس.
نتنياهو معروف عنه استغلال أقل الثغرات في الاتفاقيات للإطاحة بخصومه، ففي عام 2020، شكّل نتنياهو حكومة مع غريمه بيني غانتس على مبدأ أن يصبح غانتس رئيساً للوزراء بعد انقضاء نصف مدة حكم تلك الحكومة.
غانتس حاول أن يكون ذكياً، واشترط وضع بند يمنع نتنياهو من حل الحكومة والتوجه لانتخابات مبكرة قبل أن يجلس غانتس في مقعد رئاسة الوزراء.
لكن نتنياهو كان أذكى منه، ووضع ثغرة في تلك الاتفاقية بأنه يمكن حل الحكومة فقط في حال فشلت في تمرير موازنة الدولة، ثم بذل قصارى جهده لإفشال تمرير الموازنة إلى أن انهارت الحكومة وانخفضت شعبية غانتس بشكل كبير.
لذلك، القناة 12 الإسرائيلية قالت إن أميركا تضغط بشكل كبير لتغيير صياغة المادة 8 من مقترح الاتفاق، واستبدال عبارة "بما في ذلك" بكلمة "فقط" لطمأنة حماس. أي أن المفاوضات ستركز فقط على نسب تبادل الأسرى لا القضايا السياسية الأخرى.
وقالت القناة إن تلك الكلمة "ذات معنى عظيم" وإن أميركا تستخدمها في محاولة لإغراء حماس بالعودة إلى طاولة المفاوضات، بينما لا يوجد في إسرائيل تفاؤل حول التغيير الذي تطلبه واشنطن.
بعد ترقب طويل، أصدرت محكمة العدل الدولية في شهر مايو أوامر حازمة لإسرائيل بإنهاء اجتياح مدينة رفح جنوب قطاع غزة بشكل فوري، وذلك ضمن القضية المرفوعة من جنوب أفريقيا التي تتهم إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة.
قرار المحكمة صدم إسرائيل بحسب صحيفة معاريف التي قالت إن أوامر محكمة لاهاي لها معان متعددة وجميع تلك المعاني سيئة لإسرائيل، وعقدت الحكومة الإسرائيلي اجتماعاً عاجلاً لتدارس تبعات ذلك القرار.
لكن هناك ثغرة واحدة في قرار المحكمة استغلتها إسرائيل لاستمرار الحرب على رفح واجتياح المدينة بأكملها، وتلك الثغرة كانت مجرد علامة ترقيم واحدة: فاصلة.
نص قرار المحكمة قال إن على إسرائيل "الوقف الفوري لهجومها العسكري، وأي عمل آخر في محافظة رفح، والذي قد يفرض على الفلسطينيين في غزة ظروفاً معيشية يمكن أن تؤدي إلى تدميرها المادي كلياً أو جزئياً" في كناية عن جريمة الإبادة الجماعية.
الفاصلة التي جاءت بين عبارة "وأي عمل آخر في محافظة رفح" وعبارة "والذي قد يفرض على المجموعة الفلسطينية" أدت لانقسام بين قضاة المحكمة الأعلى في الأمم المتحدة.
فالقاضي الجنوب أفريقي في محكمة العدل الدولية دير تلادي ترجم تلك العبارة على أنها تعني أن على إسرائيل إنهاء الهجوم على رفح، نقطة ونهاية السطر، وأن عليها أيضاً أن توقف "أي عمل آخر قد يفرض على الفلسطينيين ظروفاً معيشية قد تؤدي لتدميرهم المادي".
أما القاضي الإسرائيلي آهارون باراك والقاضي الروماني بوجدان أوريسكو والقاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي ترجموا موقع تلك الفاصلة أنها تعني أنه يمكن لإسرائيل مواصلة هجومها على رفح لكن يجب عليها أن تضمن أن هجومها وأي عمل آخر في رفح لن يفرض على الفلسطينيين ظروفاً قد تؤدي إلى تدميرهم المادي.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة