سياسة
.
بعد 14 عاما "من الإضراب" تحت حكم المحافظين، حقق حزب العمال البريطاني انتصارا ساحقا في الانتخابات التشريعية، الخميس، بزعامة كير ستارمر.
وقال ستارمر لناخبيه في أول تصريح بعد إعلان الفوز: "الناخبون هنا وفي كل أنحاء البلاد قالوا كلمتهم وهم مستعدون للتغيير ولإنهاء سياسة الاستعراض، وللعودة إلى السياسة بصفتها خدمة للجمهور. أدليتم بأصواتكم وحان وقت رد الجميل".
فقد عين ملك بريطانيا تشارلز الثالث، كير ستارمر، رئيسا للوزراء، الجمعة، خلال اجتماع في قصر باكينغهام.
وبينما يحتفل البريطانيون بـ"التخلص من عهد سوناك"، يطرح السؤال نفسه: من هو ستارمر، من كان قبل أن يصبح رئيس وزراء بريطانيا، وما هو "الجميل" الذي سيرده للشعب على المستوى الاقتصادي، وفي سياق أكبر، هل الشعب فعلا يريد حزبه أم سيميل البعض لليمين مثل باقي الدول الأوروبية؟
يلف الغموض والتناقض حول شخصية ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني. فبينما كان مناهضا للملكية، حصل على لقب فارس والآن سيلتقي بالملك مرة واحدة في الأسبوع.
قبل أن يتولى كير ستارمر زعامة حزب العمال البريطاني تدرج في مسؤوليات عدة، من محام في مجال حقوق الإنسان إلى مدع عام للدولة، لكن يبدو أن طموحه الذي لا حدود له وإمكاناته الهائلة للعمل سيدفعانه إلى أعلى منصب سياسي في بريطانيا.
ويعد الزعيم البالغ 61 عاما والذي سمي على اسم مؤسس حزب العمال كير هاردي، الأكثر انتماء إلى الطبقة العاملة من بين الذين تعاقبوا على رئاسة الحزب المعارض منذ عقود.
قال ستارمر للناخبين مرارا خلال جولاته الانتخابية إن "والدي كان صانع أدوات، وأمي كانت ممرضة"، رافضا تصوير منافسيه له أنه ينتمي إلى النخبة الليبرالية المتعجرفة في لندن.
وبشعره الرمادي ونظاراتيه ذات الإطار الأسود، يظل ستارمر لغزا في عيون ناخبيه الذين وصلوه إلى داونينغ ستريت.
كير ستارمر. أ ف ب.
يصفه منتقدون بأنه انتهازي، لكن مؤيديه يصرون على أنه إداري براغماتي يتعامل مع منصب رئيس الوزراء بالطريقة نفسها التي مارس بها مسيرته المهنية: من دون كلل وباستخدام الحجة القانونية.
وقال ستارمر في خطاب ألقاه مؤخرا خلال حملته الانتخابية "السياسة يجب أن يكون محورها الخدمة"، مكررا شعاره المتمثل في وضع "البلد أولا، والحزب ثانيا" بعد 14 عاما من حكم المحافظين في ظل 5 رؤساء وزراء.
وبحسب الواشنطن بوست، أصدقاؤه يقولون إنه يمكن أن يكون قاسيا، وهو ما قد تحتاجه بريطانيا المتعثرة، فهو "لن يلهم الناس بخطب كبيرة. ما قد يفعله هو إصلاح الأمور".
وبخصوص حياته قبل داونينغ ستريت، درس القانون في جامعتي ليدز وأكسفورد. وبعد دراسته، حوّل انتباهه إلى القضايا اليسارية ودافع عن النقابات العمالية والناشطين والسجناء المحكوم عليهم بالإعدام في الخارج.
وعام 2003 بدأ يقترب من المؤسسة السياسية ما سبب صدمة لأصدقائه وزملائه، وفي البداية تولى وظيفة تضمن امتثال الشرطة في إيرلندا الشمالية لتشريعات حقوق الإنسان.
كير ستارمر. أ ف ب.
وبعد 5 سنوات، عيّن مديرا للنيابة العامة في إنكلترا وويلز عندما كان زعيم حزب العمال غوردون براون رئيسا للوزراء.
بين عامي 2008 و2013، أشرف على محاكمة أعضاء برلمان بتهمة استغلال نفقاتهم، وصحافيين بتهمة التنصت على الهواتف، ومثيري شغب شبان شاركوا في الاضطرابات في جميع أنحاء إنكلترا.
وحصل على لقب سير من الملكة إليزابيث الثانية، لكنه نادرا ما استخدم هذا اللقب، وعام 2015 انتخب عضوا في البرلمان عن منطقة في شمال لندن تغلب على ناخبيها الميول اليسارية.
وبعد عام واحد فقط من انتخابه عضوا في البرلمان، انضم ستارمر إلى مجموعة من "النواب المتمردين" في حزب العمال ضد اليساري المتطرف، جيريمي كوربن، متهمين إياه بالافتقار إلى القيادة خلال حملة الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
كير ستارمر. أ ف ب
فشل التمرد في وقت لاحق من ذلك العام، لكن ستارمر انضم مجددا إلى فريق القيادة في حزب العمال بصفته متحدثا باسم بريكست، وبقي يؤدي هذا الدور حتى خلافته كوربن الذي قاد الحزب إلى أسوأ هزيمة له في الانتخابات منذ عام 1935.
يبدو أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) كان خيارا منطقيا في الأخير، بالنسبة للبعض، ففي موسم الانتخابات الذي نشهده الآن، تتوجه أوروبا إلى اليمين بينما يفضل البريطانيون اليسار الوسط. ولكن لماذا؟
تعاني العديد من الدول الأوروبية من:
هذه التحديات غالبا ما يُلقى باللوم فيها على الاتحاد الأوروبي من قبل السياسيين الشعبويين، مما يغذي الخطاب القومي المتزايد والمشكك في الاتحاد الأوروبي.
والدليل على ذلك الفخ الذي نصبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لنفسه عندما أحل مجلس مجلس النواب، بعد مفاجأة فوز أقصى اليمين الفرنسي في الانتخابات الأوروبية بفارق كبير عن معسكر الغالبية الرئاسية، كما توضح رويترز.
وعلى خطى فرنسا، تمشي هولندا مع فوز اليمين بأكبر عدد من الأصوات وتكوين "قوة مؤثرة" في الحكومة الهولندية.، وفوز اليمين في ألمانيا على الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي إلى يسار الوسط بزعامة المستشار الألماني أولاف شولتز، ليحتل المركز الثاني في انتخابات البرلمان الأوروبي بنسبة 16%.
وبحسب دان ستيفنز، أستاذ السياسة بجامعة إكستر، في حديث لسي إن بي سي، فهناك "مزاج مناهض" للأشخاص في المناصب في أوروبا بغض النظر عمن شاغلها، و"هناك فقط استياء عام ورغبة في التغيير".
إذا كانت هذه الانتخابات تعبر مشاعر البريطانيين تجاه الحكومة، فهو أنهم قد اكتفوا. بعد ١٤ عاما من حكم المحافظين، وتوالي الأزمات على البلاد منذ 2010، فمن الواضح أن العديد منهم يريد التغيير.
مع انقسامات ناجمة عن البريكست إلى إدارة جائحة كوفيد الفوضوية والارتفاع الكبير في الأسعار ومستويات الفقر العالية والنظام الصحي العام المتهالك والتغيير المستمر لرؤساء الحكومة، يوجد تطلع كبير لدفع المحافظين بعيدا والترحيب باليساريين.
وبحسب تقرير السي إن بي سي، فإن حزب العمال تعهد بتعزيز الخدمات العامة، وتحسين نظام الرعاية الصحية، وتقديم حلول لأزمة السكن، مما جعله أكثر جاذبية للناخبين.
فكل ما يريده الناخبون هو بعض الاستقرار، وهذا ما وعده الحزب اليساري بتقديمه. ولكن رغم حجم انتصار حزب العمال، فمن الواضح من النتائج أن اليمين البريطاني لم يمت بعد.
حصد حزب العمال 410 مقاعد، وحصد المحافظون 117 مقعدا، والديمقراطيون الأحرار من تيار الوسط 70 مقعدا، وهو أفضل أداء لهم على الإطلاق. وأطيح بنحو 250 من المشرعين المحافظين في الهزيمة الساحقة، ومن بينهم عدد قياسي من كبار الوزراء ورئيسة الوزراء السابقة ليز تراس.
وأشار تقرير للسي إن إن إلى أن الانقسام في صفوف اليمين بين حزب المحافظين وحزب الإصلاح بقيادة نايجل فاراج، ساعد حزب العمال في الفوز، حيث أن حزب الإصلاح قدم أداء جيدا في العديد من الدوائر التي فاز فيها العمال، مما أدى إلى تقسيم أصوات اليمين.
والنجاح السياسي الذي حققه فاراج حتى الآن جاء من دون أن يشغل مقعدا برلمانيا.
كيف سيبدو المشهد الاقتصادي في بريطانيا مع فوز حزب العمال؟ وفقا لتقرير نشرته السي إن بي سي، فإن فوز حزب العمال في الانتخابات البريطانية سيؤثر على الاستثمارات في المملكة المتحدة بطرق uv]:
يتوقع المحللون أن فوز حزب العمال قد يجلب استقرارا نسبيا للاقتصاد البريطاني، مما يعزز من ثقة المستثمرين. رغم أن الأسواق لم تشهد تحركات كبيرة حتى الآن، إلا أن "هذا الاستقرار النسبي يمكن أن يرفع من جاذبية الأصول البريطانية"، بحسب ملاحظات المحللين في Jefferies.
من بين خطط حزب العمال بناء منازل جديدة. ومن المتوقع أن يستقبلها المستثمرين بصدر رحب، حيث يمكن أن تؤدي إلى جذب المزيد من الاستثمارات الخاصة وتحسين قطاع الإسكان.
وقال ريتشارد دونيل، المدير التنفيذي للأبحاث في Zoopla للسي إن بي سي: "ما يريده المستثمرون هو التركيز على الإسكان وتوفير المنازل التي يحتاجها الوطن."
أما من ناحية المبالغ المدفوعة على العقارات، فمن المتوقع أن تنخفض معدلات الفائدة على الرهون العقارية مع مرور الوقت. وقد ينعكس هذا على الأعمال التجارية المرتبطة بالعقارات من شركات المقاولة إلى متاجر الأثاث.
ويظن مارك فيلدينج، رئيس أبحاث السلع الرأسمالية الأوروبية في RBC، إلى أن "قطاع بناء المنازل سيشهد أكبر تأثير إيجابي من حكومة العمال".
رغم أن الجنيه الإسترليني لم يشهد تغيرات كبيرة فور الإعلان عن النتائج، إلا أن التوقعات تشير إلى عدم تأثر العملة بشكل كبير على المدى الطويل.
ويظن بعض الاستراتيجيين أن الإسترليني سينخفض مقابل اليورو خلال العامين المقبلين، نتيجة لتوقعات بخفض أكبر في أسعار الفائدة من قبل بنك إنكلترا مقارنة بالبنك المركزي الأوروبي.
ولكن على البريطانيين الاستعداد لزيادات في الضرائب، كما هدد رئيس الوزراء السابق ريشي سوناك على إكس أثناء الانتخابات: "لديكم (الشعب البريطاني) 4 ساعات لإيقاف الأغلبية العظمى من حزب العمال التي ستفرض عليكم الضرائب لبقية حياتكم".
ولكن أوضح بيسولي أن "ارتفاع الضرائب في المملكة المتحدة قد يضعف العملة، لكن تلك الزيادات ستأتي بغض النظر عن نتيجة الانتخابات".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة