"عذّبت الملايين بوفاتها".. أسيل تفتح ملف العنف ضد الأطفال

لكي تأخذ زوجة الأب الغادرة راحتها في تعذيب أسيل وشقيقتها، اعتادت رفع صوت التلفاز إلى أعلى درجة، ثم تبدأ بضرب وإيذاء طفلتي زوجها لكي لا يسمع الجيران أصوات الصراخ.

ونوعت القاتلة أساليب التعذيب، إذ حبست أسيل وشقيقتها في غرفتهما ومنعت عنهما الأكل والشرب لعدة ساعات، وتارة أخرى تظاهرت بأنها ستحممهما لتسكب عليهما الماء الساخن وتسبب لهما بعض الحروق.

وذكر مصدر مقرب من العائلة رفض ذكر اسمه في حديث مع بلينكس أن زوجة الأب كانت تهدد أسيل وأخواتها بعدم إخبار رب الأسرة بما تفعله معهم، وتهددهم بأخيها الذي يحمل رتبة عقيد في الشرطة الليبية.

في البداية أنكرت الجانية تهمة تعذيب أسيل والتسبب في وفاتها، وذهبت إلى سرادق العزاء، لكنها طُردت أكثر من مرة، قبل أن تلقي الشرطة القبض عليها بعد 4 أيام من الوفاة، وتحيلها للتحقيق، وتودع بسجن الكويفية بمدينة بنغازي، بعد ثبوت قيامها بأعمال سحر وشعوذة بجانب التعذيب.

تدخل الطب الشرعي بفحص جثمان أسيل، ليتبين أن الوفاة نتجت عن ضرب بأداة حادة على أجزاء متفرقة من الجسم، وتوجيه ضربات قوية على الرأس والصدر والفخذين، وضربة أخرى على الساعد الأيمن تسببت في كسره، مما أدى إلى اختناق ونقص في الأكسجين بالدم، ودخول الطفلة في صدمة عصبية.

وقال الطبيب الشرعي الذي شرّح الجثة، الصالحين المبري في حديث مع بلينكس إن أسيل لديها إصابات بالغة في الرأس والوجه والصدر، وأطرافها، بالإضافة إلى وجود إصابات على الظهر.

وشدد الطبيب على أن التعذيب الذي تعرضت له الطفلة وتسبب في وفاتها لم يكن الوحيد الذي خلّف أثارا على جسدها، إذ وجدت بعض الآثار القديمة في أماكن متفرقة من جسدها، ما يعني أن زوجة الأب اعتادت ضربها وتعذيبها.

وحاولت الطفلة المقاومة بالهروب من زوجة أبيها، لكنها شدت ذراعها لتخلع كتفها الأيمن بالكامل، وفقا لتقرير الطبيب الشرعي.

ويضيف المبري: "أُبلغت أن حالة أسيل توفيت غرقا، ثم أخبروني أنها نتيجة لصدمة تيار كهربائي، وهذا يحدث عادة في مثل هذه الحالات، إذ تختلف الأقوال حتى تظهر أدلة واضحة".

وأكد المبري أنه أبلغ السلطات في تقريره بأن الوفاة نتيجة للاختناق ونقص معدلات الأكسجين في الدم نتيجة للضرب المستمر، وأن أعضاء داخلية في جسدها تضررت نتيجة لذلك، بالإضافة إلى وجود سوء تغذية واضح عليها، ما يعني أنها تعرضت لأبشع أنواع التعذيب الوحشي.

المتخصصة في القضايا الاجتماعية المعاصرة في ليبيا، سالمة الشاعري، قالت في حديث مع بلينكس إن تعنيف الأطفال ظاهرة منتشرة، لكن يظل عدم معرفة إذا ما كان الطفل يتعرض للعنف والتعذيب أم لا أمرا صعبا.

وأوضحت الشاعري الأسباب، مشيرة إلى أن الأطفال يخافون من الإبلاغ عن تعرضهم للتعذيب حتى لا يتم إيذاؤهم بشكل أكبر، وأحيانا لأنه لا أحد يصدقهم عادة عندما يتهمون عائلاتهم.

وذكرت الشاعري أن تعنيف الأطفال بأنواعه الجسدي والجنسي والعاطفي واللفظي، كلها أساليب خطيرة وتسبب أذى مباشرا على الأطفال، وكذلك الإهمال الذي قد يتسبب بأذى دائم يؤدي إلى الوفاة في بعض الحالات.

وعن الطفلة أسيل قالت: "ما حدث من تعذيب وتعنيف مع الطفلة أسيل نتج عنه وفاتها، وإصابة أخواتها، وقد يكون سببه إما سوء العلاقة بين الطفل وأهله وإما التفكك الأسري، كالطلاق وإما الترمل والزواج الثاني، بالإضافة إلى انعدام الأواصر العاطفية بين الأطفال والأبوين، وسوء الممارسات التربوية باستخدام وسيلة الضرب".

ودعت سالمة الأطباء إلى تبليغ السلطات المختصة قانونياً عن أي حالة يشتبه بها من تعنيف الأطفال أو إهمالهم إلى السلطات المختصة، وقد يقوم الطبيب بتوجيهها إلى معالج سلوكي، وتزويد السلطات المختصة بالمعلومات اللازمة لإجراء تحقيق في الحادثة، كما حدث مع أسيل بعد أن فقدت حياتها.

ولفتت الشاعري إلى أنه على الصعيد العالمي، تشير التقديرات إلى أن نحو مليار طفل في المرحلة العمرية بين 2 و17 عاماً تعرّضوا لعنف بدني أو جنسي أو وجداني أو عانوا من الإهمال في العام الماضي.

وأوضحت أن التعرّض للعنف يؤثر في مرحلة الطفولة على التمتّع بالصحة والعافية طوال العمر، إذ تنصّ المادة 16-2 من خطة التنمية المستدامة لعام 2030 على إنهاء إساءة معاملة الأطفال واستغلالهم والاتّجار بهم وممارسة جميع أشكال العنف ضدهم وتعذيبهم.