الجدار الشاهد.. سجون تركيا تروي حكايات اللاجئين العراقيين

يقول زكريا القيسي، وهو عراقي من محافظة ديالى شرق البلاد، إنه احتجز لمدة 9 أشهر في مراكز الترحيل رغم رفع السلطات الأمنية التركية اسمه من قوائم المشتبه بارتباطهم بتنظيمات إرهابية.

يحكي القيسي في حديث لبلينكس "في مركز ترحيل ولاية أزمير ستشاهد على الجدران شتى العبارات التي كتبها محتجزون سابقون عن العراق".

ويتابع "في غرفتنا رسم العلم العراقي القديم بنجماته الثلاث كما كتبت على الجدران "صداميون للموت وعاش البعث"، وقد كتبها محتجز من محافظة صلاح الدين، محافظة الرئيس العراقي الأسبق.

في باحة المركز، 3 محتجزين من مدن الرمادي والموصل وبيجي، خطوا أسماءهم على أحد الجدران وذيّلوها بعبارة "في كل مكان.. السنة مظلومين"، وفقا للقيسي.

ويؤكد القيسي، أن طوال فترة مكوثه في العديد من مراكز الاحتجاز، لم ير سوى سكان المحافظات السنية هناك، حتى أن مديري المراكز بات لديهم إطلاع على تلك المحافظات وأحوالها، وفق قوله.

عادة لا تعتقل السلطات التركية أي من العراقيين بتهمة الانتماء لحزب البعث، إلا في حال وجود تقرير استخباري من الحكومة العراقية.

وهذا ما حدث مع نوري الذيابي، وهو عراقي من محافظة الأنبار، احتجز مرتين خلال العامين الماضيين، وفي كل مرة كانت التهمة مختلفة.

يقول الذيابي لبلينكس: "داهمت قوة من مكافحة الإرهاب منزلي في ولاية أورفة مطلع عام 2022، وعند التحقيق وجهت لي تهمة القيام بأعمال إرهابية في بغداد، والغريب أنهم لم يذكروا اسم تنظيم داعش، تلك التهمة المألوفة لسكان المدن الغربية".

ويضيف، "أخبرت المحقق بأنني ضابط في الجيش السابق ولدي إثباتات على ذلك، فأكد لي معرفته بهذه التفاصيل وقد شاهد صور الرئيس صدام حسين على هاتفي، وكال له المديح".

وبحسب الذيابي، كان هناك مترجم من أصول عربية تعاطف معه فأبلغه بأن التقرير الاستخباري ضده قادم من العراق، ويتهمه بتنفيذ تفجيرات في بغداد والانتماء لحزب البعث وتلك التهمة لم تذكرها السلطات التركية خلال التحقيق.

أمضى الذيابي 3 أشهر في مركز ترحيل اللاجئين في العاصمة أنقرة، ليخرج بعدها بأمر من المحكمة، لكنه لم يبق في الخارج طويلا، إذ اعتقل مرة أخرى في فبراير من العام الماضي.

وعن التهمة الجديدة يقول الذيابي، كانت الانتماء لتنظيم داعش، إذ ادعت السلطات التركية وجود رقم هاتفي لدى عضو بارز في التنظيم معتقل في تركيا.

ينفي الذيابي هذه القصة ويؤكد أن الاعتقال الثاني كان أيضا مبنيا على تقرير قادم من العراق.

ويختم قائلا، "في السجن (مركز الترحيل)، تجد مختلف الأفكار والانتماءات منها البعثي والسلفي والناقم على الوضع الحالي في العراق، لكن لم تكن هناك مشاكل بيننا كوننا جميعا نشرب من كأس الظلم ذاتها".

يعود العداء الكبير بين حزب البعث العراقي وإيران لعدة أسباب على رأسها جذور الحزب القومية والحرب الطاحنة التي دارت في الثمانينات، بالإضافة للمشهد السياسي الجديد في البلاد الذي حظر من دخوله البعثيون.

ولم يتخذ الحزب بعد عام 2003 من الجارة تركيا أي موقف عدائي، بل استضافت العديد من أعضائه.

هذا الهدوء في العلن تناقضه حالة غضب ساخط في مراكز الترحيل خاصة بعد تغير سياسة الحكومة التركية من ملف اللاجئين.

ومن الأمثلة على ذلك، قصة ياسين الناصري، المنتمي لقبيلة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.

اعتقل الناصري، منتصف عام 2022، ووجهت له تهم تتعلق بالانتماء لتنظيمات إرهابية، لكن سرعان ما سحب الإدعاء العام تلك التهم، بحجة أن سياسة دائرة الهجرة التركية غير معنية بذلك، واستمرت باحتجازه لعام تقريبا.

سافر الناصري لإحدى الدول العربية بسبب مخاوفه من الترحيل القسري إلى العراق.

ويقول "كان مدير مركز الترحيل في أنقرة من الطائفة العلوية، وعندما ذكرت له أنني من أقارب صدام حسين وإن ذهبت للعراق سأموت، أخذ مني موقفا عدائيا وهذا ما دفعني لطلب السفر خوفا أن يدفع بي للحدود العراقية، خصوصا أن صلاحياته تسمح بذلك".

ويمضي الناصري في وصف المعاناة داخل مراكز الاحتجاز التي وصفها بأنها تشبه سجون العراق، إلا أنها تخلو من التعذيب.

تكتظ مراكز الترحيل المنتشرة في كل الولايات التركية بآلاف اللاجئين والمقيمين المقرر ترحيلهم، والسوريون يشكلون النسبة الأكبر منهم يليهم الأفغان ثم العراقيين.

وبين عامي 2014-2016 استقبلت تركيا آلاف اللاجئين العراقيين الهاربين من نار المعارك ضد تنظيم داعش الذي سيطر على أجزاء كبيرة من المحافظات السنية.

وخلال السنوات الأخيرة غيرت تركيا سياساتها تجاه اللاجئين وبدأت حملة واسعة تهدف لترحيلهم، وبلغت أوجها بعد فوز أردوغان بالانتخابات الرئاسية في مايو من العام الماضي.