سياسة
.
يشكو سوريّون من استخدام السلطات التركية لأساليب عنيفة بغية إجبار اللاجئين على التوقيع على أوراق الترحيل، الذي طالما أكدت الحكومة التركية أنه "ترحيل طوعي".
حمود أديب مهندس سوري يقيم في تركيا منذ 2013، أُخذت "بصمته" تحت التهديد، فيما يحكي طه النحاس عن احتجازه في غرفة التأديب أو التي أسماها البرّاد، وغيرهم التقتهم بلينكس واجهوا الترحيل القسري، إلى شمال غرب سوريا حيث مناطق سيطرة الفصائل المسلحة، فكيف كانت تجربتهم؟
يحكي حمود أديب كيف حصلت السلطات في مركز ترحيل اللاجئين بولاية غازي عنتاب بصماته على أوراق الترحيل القسري لسوريا.
يروي المهندس السوري المقيم في تركيا منذ 2013، كيف أخذت السلطات في مركز ترحيل اللاجئين بولاية غازي عنتاب بصماته على أوراق الترحيل القسري لسوريا.
يقول أديب: "ذهبت لدائرة الهجرة في ضاحية أسنيورت بإسطنبول بهدف تحديث بيانات طفلي الصغير، 3 سنوات، غير أن الموظف قال إن لدي مشكلة في بطاقة الحماية المؤقتة وطلب مني الذهاب للطابق الثاني".
وأضاف "بدا الأمر غير طبيعي فأخذت زوجتي الطفل، وعند وصولي للطابق الثاني تم اعتقالي على الفور وسلمت بعدها للشرطة التي بدورها سلمتني لمركز ترحيل اللاجئين".
"المركز كان يعاني الاكتظاظ العدد فقد كنا أكثر من 30 شخصا في غرفة لا تتجاوز مساحتها الـ 30 مترا، وتفتقد لأبسط متطلبات الحياة من توفر دورات مياه نظيفة أو حتى كهرباء في الليل"، وفقا لشهادة أديب.
ويتابع: "بعد 3 أيام أرسلت زوجتي محاميا إلى مركز الاحتجاز فأبلغني أن السلطات قد وضعت بحقي "كود 114" الخاص بعدم تحديث بيانات السكن، فأكدت له أن هذا غير صحيح وأنني ملتزم تماما بالتعليمات، ليرد بأن علي أن أتقبل هذه المعاملة باعتباري أجنبي في تركيا".
وبعد مرور شهر على الاعتقال كان الوضع يزداد سوءا، بحسب رواية أديب، "حتى نُقلت إلى مركز احتجاز جديد في العاصمة أنقرة، وهناك وجدت ما لم يكن في الحسبان".
ووفقا لشهادة أديب، فقد تم استدعاؤه لغرفة تخلو من الكاميرات وطلب منه مدير المركز التوقيع على ترحيله طوعيا لسوريا.
ويقول: "أخبرت المدير أن لدي محام وأنني سأخرج قريبا فسجلي يخلو من أي مشكلة تعرقل بقائي في تركيا، لكنه غضب من كلامي واستدعى الجندرمة التي قيدت يدي إلى الخلف وأخذت بصماتي على استمارة الترحيل تحت الضرب".
ويختم، "خلال 3 أيام كنت في منطقة أعزاز بسوريا، والآن لا أعرف من أين أبدأ وكيف سأجلب عائلتي خصوصا أن زوجتي لا تستطيع السفر بأطفالي إلا بأوراق يتعين الحصول عليها من إسطنبول حصرا".
يتحدث طه النحاس لـبلينكس عن تجربته في مراكز ترحيل اللاجئين في تركيا حيث تفاقمت معاناته بعدما نُقل إلى مركز احتجاز في ولاية قوجالي قرب إسطنبول مطلع عام 2022.
يقول النحاس: "طوال 3 أشهر من الاحتجاز كان خيار الترحيل بعيدا خصوصا أن هناك محاميا يتابع قضيتي وقد طمأنني حول ذلك، حتى وصلت إلى كوجالي هناك التقينا مسؤولة المركز وحاولت ترغيبنا وترهيبنا بهدف الموافقة على الترحيل".
وفقا للنحاس فقد احتوى المركز على غرفة "للتأديب" تسمى "الثلاجة- البرّاد" يحتجز فيها من يخالفون الأوامر أو يشاركون في شجار أو يزعجون مسؤولي نوبات الحراسة، تحت ظروف قاسية.
ويتابع قائلا: "أخبرنا المحتجزون عندما وصلنا أن علينا الحذر من دخول غرفة البراد ولم أعلم أنني سأدخلها بعد نقاش حاد مع مسؤول نوبة الحراسة بسبب منعنا من الخروج من الغرفة".
يضيف: "طلبني المسؤول ليلا ولأنه لم يطلب جلب أغراضي ظننته إجراء روتيني، فأدخلني البراد عقابا على ذلك الجدال حيث كان الجو باردا للغاية، إذ تخلو الغرفة من أي أمتعة أو سرير سوى الكاميرات المعلقة في السقف".
وتابع: "بقيت في الغرفة حتى الصباح، عندها جاءت المسؤولة توبخني وطرحت علي خيار الترحيل مرة أخرى، رفضت كالعادة فبقيت هناك حتى المساء، حينها لم أعد أحتمل وناديت الحراس وقلت لهم غدا سأبصم موافقا على الترحيل إلى سوريا".
رُحل الشاب السوري إلى إدلب بعد الحادثة بأسبوع، فيما لحقه آخرون تم ترحيلهم بذات الطريقة أو قسريا من مراكز احتجاز أخرى.
يروي محمد عبد القادر من بلدة حريتان بريف حلف، رحلة انقلاب حياته رأسا على عقب، عندما أوقفه حاجز للشرطة التركية في حي الفاتح الشهير وسط إسطنبول واعتقاله رغم امتلاكه بطاقة الحماية المؤقتة.
ويذكر عبد القادر: "لم أكن خائفا عندما أوقفني الحاجز، فمباشرة أشهرت بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) لأفاجأ بقيام الشرطي بقص البطاقة نصفين، واقتيادي لسيارة الشرطة حيث كان وجدت 5 محتجزين آخرين، ولأنني أتحدث التركية، صدمت بجملة قالها عنصر الأمن لزميله، وهي الآن اكتمل العدد فلنذهب".
وأضاف،: "زج بي مباشرة في مركز ترحيل اللاجئين المعروف في منطقة توزلا، وخلال ساعات تم اقتيادي في حافلة كبيرة برفقة نحو 25 سوريا".
وتابع: "بعد 12 ساعة تقريبا، وصلنا معبر باب الهوى ورحلت إلى سوريا قسريا، لتنتهي بذلك رحلتي في تركيا التي تعلمت لغتها وامتلك كل المسوغات القانونية لوجودي فيها".
يستدرك عبد القادر قائلا: "لم يسمحوا لي باستخدام هاتفي ولا حتى بالاتصال بأهلي فقد تركت زوجتي وطفلين صغيرين كانوا ينتظرون عودتي من العمل".
يقول عثمان رشو وهو سوري من مدينة عفرين الكردية، في حديثه لـبلينكس، إنه اعتقل وأمضى 3 أشهر في مركز الترحيل ثم نُقل إلى سوريا رغم امتلاكه إقامة عمل ولا يعرف تهمته حتى الآن.
تبدأ قصة عثمان عقب مداهمة قوات مكافحة الإرهاب للمنزل الذي يقطنه رفقة ابن عمه الذي اعتقل بناء على تقرير استخباري، فيما نُقل لمركز شرطة المنطقة، وحصل على وعد بالخروج بعد التأكد من أوراقه الثبوتية.
بقي عثمان في مركز الشرطة 3 أيام قبل نقله لمركز الترحيل في ولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا، ليلتقي هناك قريبه الذي تم تحويله لذات المكان بعد التأكد من عدم صحة التقرير الاستخباري.
يقول أبلغني المحامي أن دائرة الهجرة وضعت بحقي "كود G82" وهذا يعني أنني أهدد الأمن القومي التركي، وعندما سألته عن التفاصيل أكد بأن الملف فارغ وليس هناك طريقة سهلة للخروج من مركز الترحيل الذي كان سجنا بشكل رسمي.
وتابع: "كنت مخيرا بين البقاء في مركز الاحتجاز سنة ثم الخروج بدون أوراق ثبوتية وسأكون عندها معرض للاعتقال مرة أخرى، وبين الترحيل لسوريا، فطلبت الذهاب لبلدي هربا من جحيم مراكز احتجاز اللاجئين".
مهند الأحمد لاجئ سوري من محافظة دير الزور شرقي البلاد، وصل تركيا عام 2015، واستطاع الحصول على الإقامة السياحية ثم إقامة العمل، حيث يملك شركة لتأجير السيارات.
اعتقل الأحمد على إثر خلاف مع زبون تركي، وتم حل الخلاف داخل مركز الشرطة ولم يرفع أي من الطرفين دعوى ضد الآخر، لكن ما حدث أصاب الأحمد بصدمة، حيث تركت السلطات المواطن التركي بينما نقلت السوري إلى مركز ترحيل في إسطنبول.
يقول الأحمد، خلال أيام أوقف محاميي الخاص قرار الترحيل بحقي وأكد أنني سأعود لمنزلي خلال أيام.
وتابع: "في الليلة الرابعة لوجودي بمركز الترحيل استدعى المدير جميع السوريين وأخبرنا بأننا سنُنقل لسجن آخر، لأجد نفسي بعد رحلة سفر مرهقة في الحافلة أنني في منفذ باب الهوى الحدودي مع سوريا".
ومرارا اتهمت منظمات حقوقية السلطات التركية بترحيل اللاجئين السوريين قسرا إلى بلادهم بطريقة منافية للقوانين والأعراف الإنسانية.
وأكد تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان، أن السلطات التركية طردت 50 لاجئا سوريا بطريقة غير إنسانية من داخل حدودها نحو الأراضي السورية، معظمهم من حاملي بطاقات الحماية المؤقتة من خلال معبر باب السلامة الحدودي في ريف أعزاز شمال حلب.
وأوضح أن هذه العملية تتعارض مع جميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق اللاجئين وضمان حمايتهم وعدم طردهم بالقوة.
ونقلت تقارير حقوقية إجبار السلطات التركية، السوريين على التوقيع على أوراق العودة الطوعية، منذ عام 2017، حتى تجاوز عدد المرحلين قسرا في العام الماضي الـ57 ألف سوري، وهذا العدد ضعف من تم ترحيلهم عام 2022.
وفي كلمة له أمام لجنة الهجرة بالبرلمان التركي منتصف أبريل الماضي، قال رئيس إدارة الهجرة، أتيلا طوروس، إن أكثر 111 ألفاً أجنبي غالبيتهم من السوريين، غادروا تركيا طوعاً عام 2023.
وأضاف أن السلطات طبقت أسلوب "نموذج إسطنبول"، في مكافحة الهجرة غير النظامية.
ويعتمد نموذج إسطنبول، على قيام وحدات الشرطة والأمن بإجراء عمليات التحقق من هوية الأجانب الذين يشتبه في أنهم مهاجرون غير شرعيين، فتطلب وحدات الدرك والشرطة عبر نقاط تفتيش متنقلة، وثائق قانونية وجودهم في تركيا.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة