كيف تستعد إسرائيل لمواجهة "الجنائية الدولية"؟

مشروع القانون الذي تقدم به النائب عاميت هاليفي من حزب نتنياهو الحاكم يقول إنه يوفر الحماية الكاملة "لجنود الجيش والمسؤولين السياسيين والموظفين العموميين وأي شخص آخر قد يتضرر من أنشطة المحكمة الجنائية في لاهاي بسبب مسألة تتعلق بفعل أو امتناع عن فعل تم ارتكابه كجزء من عملهم أو خدمتهم أو مساعدتهم لدولة إسرائيل أو حلفائها".

نصوص المشروع تمنع السلطات الإسرائيلية والشركات والصحف والمواطنين والمقيمين، وحتى مكاتب البريد، من التعاون مع المحكمة الجنائية بأي شكل من الأشكال ولو كان ذلك مجرد إدلاء بشهادة أو اطلاعهم على صورة أو مستند أو ملف رقمي.

لا يمكن على سبيل المثال لمكتب البريد الإسرائيلي نقل مذكرة أو إخطار أو طلب رسمي من المحكمة لأي جهة أو مواطن في إسرائيل ولا يمكنه نقل أي مستندات أو معلومات من شخص في إسرائيل إلى المحكمة في لاهاي.

ويفرض مشروع القانون على أي هيئة أو شخص الحصول على موافقة مسبقة من الحكومة، التي ترفض التعاون مع المحكمة بأي شكل.

ويحظر البند السادس من القانون المقترح، تسليم أي شخص من إسرائيل إلى المحكمة في لاهاي "من قبل أي سلطة ولن تساعد أي سلطة في نقل شخص إلى محكمة الجنايات في لاهاي بسبب أمر يتعلق بعمل المحكمة".

ويمنع القانون أيضاً تقديم أي دعم لمحكمة لاهاي أو ممارسة أي نشاط اقتصادي معها من أي نوع، كما يحظر تنفيذ أي نشاط للمحكمة "في أراضي دولة إسرائيل" ويحظر دخول أي شخص يساعد المحكمة لإسرائيل أو إقامته فيها.

علاوة على الحماية والحصانة المطلقة التي يوفرها القانون لأي إسرائيلي من الملاحقة الدولية، ينص القانون أيضاً في البند 12 أن تتحمل الدولة كامل نفقات الدفاع عن أي "مواطن أو جندي أو موظف عمومي أو مسؤول منتخب ضد أنشطة المحكمة الجنائية في لاهاي".

مقترح قانون هاليفي ينص على أن أي شخص أو هيئة في إسرائيل يتلقى طلبا من المحكمة أو معلومات عن أنشطتها يتوجب عليه إخبار السلطات الإسرائيلية فوراً خلال ثلاثة أيام فقط.

"ويجب أن يتضمن هذا التقرير المقدم إلى الجهة المختصة كل التفاصيل والمعلومات التي يمتلكها ذلك الشخص فيما يتعلق" بطلب المحكمة.

وتفرض المادتان 17 و18 من القانون عقوبة بالحبس لخمس سنوات على أي شخص يقدم معلومات أو خدمات للمحكمة الجنائية في لاهاي أو يقوم بأي أنشطة بالنيابة عنها أو لصالحها دون الحصول على إذن من السلطات الإسرائيلية الرافضة لأنشطة المحكمة من الأساس.

المادة 11 من القانون المقترح تفرض على السلطات الإسرائيلية استعمال "أي وسيلة متاحة لها ضد المحكمة في لاهاي بسبب أنشطتها ضد دولة إسرائيل أو ضد مواطنيها".

تُحاكِي الفقرة الثانية من المادة نظيرتها من القانون الأميركي المعروف باسم "قانون غزو لاهاي"، وتفرض المادة "على الحكومة العمل بكل الوسائل المتاحة لها على إطلاق سراح أي شخص محتجز بسبب أنشطة المحكمة الجنائية في لاهاي".

الأصل الأميركي لهذا القانون الذي تم إقراره عام 2002، يمنح الرئيس الأميركي سلطة استخدام "جميع الوسائل الضرورية والمناسبة لإطلاق سراح أي من أفراد الولايات المتحدة أو الحلفاء المحتجزين أو المسجونين من قبل المحكمة الجنائية الدولية أو نيابة عنها أو بناءً على طلبها".

عبارة "جميع الوسائل الضرورية والمناسبة" تعني اجتياح هولندا بالقوة إذا لزم الأمر لإطلاق سراح أي شخص محتجز من قبل المحكمة.

لمشروع القانون الإسرائيلي، جانب آخر قد يسبب أزمات لسكان القدس الشرقية من الفلسطينيين، لأنهم يحملون إقامات إسرائيلية دائمة بعد ضم إسرائيل للمدينة لكنهم لا يعتبرون مواطنين.

مقترح قانون هاليفي يأتي في ضوء إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تقديم طلب لاستصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

يأتي التحرك البرلماني أيضاً في ظل كشف مجلة +972 وصحيفة الغارديان في مايو 2024، تورط الحكومة الإسرائيلية لسنوات طويلة بالتجسس على موظفي وقضاة المحكمة الجنائية والأشخاص والمؤسسات المتعاونين معها والشهود والضحايا.

بالإضافة لقيام رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين بابتزاز المدعي العام للمحكمة السابق فاتو بنسودا وإغرائها "بالاهتمام بها" إذا تعاونت معهم وتهديدها وأفراد عائلتها في حال قيامها بأي أنشطة ضد إسرائيل.

طلب مدعي عام المحكمة الجنائية كريم خان إصدار مذكرات اعتقال ضد نتنياهو وغالانت كان من المتوقع الاستجابة له بشكل إيجابي من قبل قضاة "المحكمة البدائية"، التابعة للجنائية الدولية.

محكمة لاهاي قضت في عام 2021 بأن لها ولاية اختصاص قضائية في التحقيق في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بموجب انضمام فلسطين لميثاق روما في عام 2014.

لكن مع ذلك، أثارت المحكمة الجنائية عاصفة من الانتقادات في نهاية شهر يونيو الماضي، عندما قررت تأجيل إصدار مذكرات الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت، بسبب طعن تقدمت به الحكومة البريطانية حول الولاية القضائية للمحكمة للتحقيق مع إسرائيل لأن الأخيرة ليست عضوا في ميثاق روما، وفلسطين ليست دولة رسمية مستقلة كاملة العضوية بعد.

وقالت المحكمة البدائية إنها ستسمح لبريطانيا بتقديم حججها القانونية حول الولاية القضائية وستقوم بدراستها قبل اتخاذ قرار بشأن مذكرات الاعتقال، وهو ما ينذر بتأجيل تلك المذكرات لوقت طويل.

يوم الإثنين 8 يوليو، وبعد انتصار حزب العمال في الانتخابات البريطانية، قالت صحيفة الغارديان إن الحكومة الجديدة من المتوقع أن تسحب الطعن المقدم أمام المحكمة، وإزالة تلك العقبة في طريق إصدار مذكرات الاعتقال.

صدور تلك المذكرات سيمنع نتنياهو ووزير دفاعه من زيارة أكثر من 124 دولة حول العالم من الدول الموقعة على ميثاق روما، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي بأكمله.