سياسة
.
في خطوة وصفها إسرائيليون بـ"الزلزال السياسي"؛ أعلنت محكمة العدل الدولية، مساء الجمعة 19 يوليو، بطلان الاحتلال الإسرائيلي وأمرت بإنهائه في أسرع وقت ممكن، وإخلاء جميع المستوطنين من الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967.
هذا القرار اعتبره إسرائيليون بمثابة الكابوس الأسوأ من بين جميع السيناريوهات التي توقعتها تل أبيب، بسبب تداعياته التي ستضرب الاقتصاد الإسرائيلي، والمكانة الدولية، بالإضافة إلى زيادة وتيرة حملات المقاطعة والعقوبات.
سرعان ما ردت الحكومة الإسرائيلية بالهجوم على المحكمة وإنكار سلطتها ورفض ما أمرت به، فقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن القرار "كاذب" و"يشوه حقائق تاريخية"، فيما اتهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكنيست المحكمة بأنها "مختطفة على يد إسلاميين" وأنها "تدعم الإرهاب".
ونادى وزراء اليمين المتطرف مثل بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير بضم الضفة بالكامل بشكل فوري كرد على المحكمة التي اتهموها بـ"معاداة السامية".. فما هي تداعيات القرار؟ وما الذي ينتظر إسرائيل في الأيام المقبلة؟ ولماذا يعتقد أستاذ القانون الدولي بجامعة بار إيلان الإسرائيلية زيف بورير، أن هذا القرار يمثل كارثة على مستقبل إسرائيل؟
منذ العام 2005، وإسرائيل تقول إنها أنهت احتلال غزة ولم تعد مسؤولة عن القطاع الذي وضعته تحت حصار مشدد. لكن أول ما جاء في قرار محكمة العدل الدولية هو أن غزة ما تزال تحت الاحتلال بفعل سيطرة إسرائيل عليها جواً وبحراً وبراً.
كذلك، تنكر إسرائيل تهمة إقامتها نظام فصل عنصري في الأراضي المحتلة عام 1967 وتصف ذلك بمعاداة السامية، وأيدها في هذا الوصف الاتحاد الأوروبي العام الماضي حين قال الممثل السامي جوزيب بوريل إن نعت إسرائيل بـ"الأبارتهايد" أمر "غير لائق" وقد يدخل في معاداة السامية.
ميثاق مكافحة الفصل العنصري يوجب على المجتمع الدولي التدخل لإنهاء هذه الجريمة وعدم التساوق معها بأي شكل من الأشكال.
القانون الدولي يتيح وينظم الاحتلال العسكري خلال الحروب، عندما تقوم دولة ببسط سيطرتها بشكل مؤقت على إقليم لا يخضع لسيطرتها لأسباب أمنية أو حربية لحين إزالة الخطر الأمني أو انتهاء الحرب أو توقيع معاهدة سلام.
الشروط الرئيسية التي يفرضها القانون الدولي على المحتَل:
في عام 1971، قضت محكمة العدل الدولية ببطلان احتلال جنوب أفريقيا لدولة ناميبيا ووجوب إنهاء ذلك بأقصى سرعة، وكان سبب ذلك الحكم هو أن احتلال ناميبيا لم يكن مؤقتاً، ولم يكن لدى جنوب أفريقيا نية لإنهائه ما يعني الضم الفعلي الذي يحظره القانون الدولي.
أما إسرائيل، فتزعم أن الأراضي المحتلة عام 1967 هي "أراض متنازع عليها"، وأن احتلالها العسكري أمر مؤقت ريثما يتم التوصل لاتفاق سلام، وأن الفلسطينيين هم من يرفضون الوصول لتسوية.
لكن محكمة العدل العليا وجدت أن إسرائيل خالفت جميع الشروط التي تسمح بفرض الاحتلال العسكري تحت القانون الدولي، وأن إجراءاتها على الأرض تهدف لإبقاء الاحتلال للأبد بشكل دائم.
وعدد رئيس المحكمة القاضي اللبناني نواف سلام تلك الانتهاكات المختلفة مثل ضم إسرائيل للقدس بشكل رسمي عام 1980 والقيام بضم فعلي للمنطقة "ج" التي تشكل مساحة أكثر من 60% من الضفة الغربية، وطرد وتهجير الفلسطينيين وتوسعة المستوطنات.
بالإضافة لسرقة والاستيلاء على موارد الفلسطينيين وهدم بيوتهم ومحاصرتهم وإطلاق يد المستوطنين للقيام بأعمال إرهابية ضد الفلسطينيين بحصانة تامة.
هذا الأمر يوجب على إسرائيل إنهاء الاحتلال بشكل فوري دون انتظار التوصل لتسوية مع الفلسطينيين ويلزم المجتمع الدولي بالتعامل بهذا الأساس، واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للدفع قدماً لإنهاء الاحتلال.
قرار محكمة العدل الدولية هو "حكم استشاري" بناءً على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة حول مشروعية الاحتلال.
الخطوة التالية هي أن تقوم المحكمة بإحالة الأمر للجمعية العامة مرةً أخرى والتي بدورها تمرير سلسلة من القرارات الأممية وإحالة الملف لمجلس الأمن كـ"جهة تنفيذية آمرة".
الذهاب لمجلس الأمن، يعني الفيتو الأميركي الذي يمكن لواشنطن استخدامه لحماية إسرائيل من تنفيذ أي قرارات أممية.
هناك أيضاً أوامر المحكمة لحكومات المجتمع الدولي كل دولة بشكل منفصل، حيث طالبت المحكمة بشكل صريح بحظر أي تجارة أو استثمارات مع المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية.
أستاذ القانون الدولي في جامعة بار إيلان زيف بورير قال إن إسرائيل هي من تسببت في هذه الكارثة، عبر اتخاذ خطوات استفزازية وصريحة أنهت أي غطاء لإسرائيل للتستر على حقيقة الوضع.
يشرح أستاذ القانون الدولي أن "أفضل وصف لما حدث أنه قطار يتحطم ببطء. خرج القطار عن مساره في عام 2000 وحاولنا نحن الإسرائيليين إبطاء القطار، لكن السنوات العشر الماضية، لقد سئمنا واتخذنا خطوات لا تؤدي إلا إلى زيادة سرعة القطار نحو التحطم".
الإسرائيليون من تيارات اليمين واليسار والوسط هاجموا المحكمة وقضاتها ووصفوها بأنها "معقل لأنصار حماس".
أول الردود الإسرائيلية كانت من وزير الأمن إيتمار بن غفير الذي نعت المحكمة بـ"معاداة السامية" وقال إن الوقت قد حان لضم الضفة الغربية بشكل رسمي لإسرائيل.
وانضم له نتنياهو الذي قال "الشعب اليهودي لا يحتل أرضه، لا في عاصمتنا الأبدية القدس ولا في أرض أجدادنا في يهودا والسامرة (المسمى الإسرائيلي للضفة الغربية). إن القرار الكاذب في لاهاي لن يشوه هذه الحقيقة التاريخية، وكذلك لا يمكن الطعن في شرعية الاستيطان الإسرائيلي في كافة أراضي وطننا".
انضم إليه زعيم المعارضة بيني غانتس الذي قال إن "دولة إسرائيل هي الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في الشرق الأوسط".
يشرح غانتس ردة فعله على القرار بالقول: "الرأي الذي نشرته المحكمة في لاهاي هو دليل آخر على التدخل الخارجي الذي لا يضر بالأمن والاستقرار في المنطقة فحسب، مع تجاهل المذبحة الرهيبة التي وقعت في 7 أكتوبر والإرهاب المنطلق من يهودا والسامرة، ولكنه يخدم أيضا بمثابة تهديد آخر".
كذلك وزير المالية بتسلئيل سموتريش دعا لتطبيق السيادة على الضفة الغربية "الآن" كرد على القرار، وانضم له جميع أعضاء حزب الصهيونية الدينية.
وعلق وزير الخارجية يسرائيل كاتس على القرار قائلا: "رأي مشوه وأحادي الجانب، وخاطئ بشكل أساسي. إنه يتجاهل الماضي، والحقوق التاريخية للشعب اليهودي في أرض إسرائيل، وهو منفصل عن الحاضر بشكل منقطع النظير".
وهاجم داني دانون، السفير الإسرائيلي المقبل للأمم المتحدة المحكمة ووصفها بـ"السيرك السياسي" و"معقل أنصار حماس".
أما القيادي المعارض أفيغدور ليبرمان رئيس حزب إسرائيل بيتنا فوصف أيضاً القرار بـ"معاداة السامية" و"النفاق".
عضو الكنيست عن حزب العمال اليساري جلعاد كاريب قال إن محكمة لاهاي "بعيدة عن أن تكون عادلة وموضوعية".
لكن كاريب أضاف أن هذا "فشل مدو آخر لنتنياهو وشركائه على الساحة الدولية ودليل آخر على الطريق المسدود الذي يقوده. فهو وشركاؤه المتطرفون يحكمون إسرائيل لتبقى في حالة ضعف أمني وعزلة دولية بما يعرض جميع مواطني البلاد للخطر".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة