سياسة
.
بينما احتفل الشعب الأميركي بعيد الاستقلال في الرابع من يوليو، وقف الرئيس، جو بايدن، تحت الألعاب النارية في البيت الأبيض، محتفلا ظاهريا، ولكن خلف الكواليس، كان بايدن يتنقل بين تحديين محوريين من شأنهما أن يشكلا رئاسته: تبادل السجناء الدولي، والانهيار الوشيك لحملته لإعادة انتخابه.
وفي وقت قرر بايدن الانسحاب من السباق الرئاسي بمواجهة نظيره دونالد ترامب، نجح في إبرام واحدة من أكبر صفقات السجناء وأكثرها تعقيدا في تاريخ الولايات المتحدة، بحسب بوليتكو.
وقال البيت الأبيض إنه تفاوض مع روسيا وألمانيا و3 دول أخرى. وتضمنت الصفقة، التي تم العمل عليها في سرية لأكثر من عام، 24 سجينا، 16 انتقلوا من روسيا إلى الغرب و8 أعيدوا إلى روسيا من الغرب.
كما شاركت في الصفقة بيلاروسيا والنرويج وبولندا وسلوفينيا، بينما نسقت تركيا عملية التبادل.
صفقة التبادل الأخيرة، التي اعترفت روسيا، الجمعة، أنها استعادت بموجبها 3 جواسيس، تسلط الضوء على تاريخ حافل من تبادل السجناء بين روسيا والغرب منذ الحرب الباردة وحتى اليوم، فيما عرف وقتها بعمليات تبادل فوق جسر غلينيكر بروك على الحدود بين ألمانيا الغربية والشرقية، المعروف باسم "جسر الجواسيس".
لكن صفقة الخميس، 1 أغسطس، كانت تاريخية بسبب أعداد المفرَج عنهم، فما تفاصيلها؟ وما هي أبرز الأسماء في هذه الصفقة، وكذلك الصفقات التاريخية السابقة؟
كانت الصفقة لإطلاق سراح الأميركيين قيد الإعداد لأكثر من عام، واكتسبت زخما بعد تبادل نجمة كرة السلة الأميركية بريتني غرينر في ديسمبر 2022، بعد الحكم عليها بالسجن بسبب حيازتها زيت القنب في أمتعتها، مقابل الإفراج عن تاجر الأسلحة فيكتور بوت، الذي كان يقضي عقوبة بالسجن لمدة 25 عاما.
ولعب مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ومدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز، أدوارا رئيسية، حيث شاركا في العديد من المناقشات مع نظرائهم الأوروبيين والروس.
كانت العقبة الأساسية هي إحجام ألمانيا عن إطلاق سراح فاديم كراسيكوف، الذي قتل قائدا شيشانيا في برلين. وفي النهاية أقنعت الدبلوماسية الأميركية المستمرة المستشار الألماني، أولاف شولتز، بالموافقة على إطلاق سراح كراسيكوف، مما مهد الطريق لتبادل أوسع نطاقا.
وخلال الشهر الماضي، صرح بايدن أنه "ليس لديه أولوية أعلى" من الحصول على إطلاق سراح إيفان غيرشكوفيتش وبول ويلان من السجن الروسي.
ولكن الخميس 1 أغسطس، وبعد أشهر من المفاوضات خلف الكواليس، تم تبادل الأسرى في "صفقة تاريخية".
وهذا التبادل المتعدد الأطراف لـ24 سجينا مع روسيا، هو الأكبر من نوعه منذ الحرب الباردة، خاصة بعد تخلي بايدن عن مقعده في السباق الرئاسي قبل أقل من أسبوعين.
وبينما كان بايدن يعمل على تبادل السجناء، كان مستقبله السياسي في خطر. فبعد أداء باهت في المناظرة يوم 27 يونيو، اشتدت الدعوات له للتخلي عن مساعيه لإعادة انتخابه. وفي البداية من الجمهوريين، ولكن سرعان ما جاء الضغط من داخل حزبه، من النائبة نانسي بيلوسي، والسيناتور تشاك شومر.
كان الأسبوع الثاني في شهر يوليو حاسما، بحسب بوليتكو.
اجتمع المسؤولون الأوروبيون في واشنطن، في 9 يوليو، لحضور الاجتماع السنوي لحلف شمال الأطلسي، مما أتاح الفرصة لسوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكن لدفع مفاوضات تبادل السجناء مع نظرائهم الألمان.
وبحلول منتصف يوليو، أشار الروس إلى استعدادهم للمضي قدما في التبادل. ومع ذلك، واجه بايدن أزمة شخصية، حيث ثبتت إصابته بفيروس كورونا أثناء فترة الحملة ودخل في عزلة.
ولكن كانت هناك قضية قانونية في سلوفينيا تهدد بعرقلة الصفقة.
اتصل بايدن، الذي كان يقضي فترة عزلة في منزله على الشاطئ في ديلاوير، برئيس الوزراء السلوفيني روبرت غولوب، في 21 يوليو لحل القضية، وضمان إمكانية إدراج السجين الروسي في سلوفينيا في الصفقة.
كانت هذه المكالمة واحدة من آخر تصرفات بايدن قبل أن يقرر إنهاء حياته السياسية.
وبلغ شهر الاضطرابات الذي مر به بايدن، والذي بدأ بأداء كارثي في المناظرة في أواخر يونيو، ذروته في خطابه الذي ألقاه في المكتب البيضاوي الأسبوع الماضي إلى الأمة، حيث أعلن قراره بالتخلي عن حملة لإعادة انتخابه.
وبينما اعترف بأن الوقت حان "لتسليم الشعلة"، تضمن خطابه تذكيرا بأن ولايته الرئاسية لم تنته وأن عمله لم ينته بعد. وجاء خطابه مصحوبا بوعود ثقيلة في السياسة الخارجية.
وقال إنه سيعيد الأميركيين المحتجزين إلى ديارهم، وهو ما تقدمت به أخبار الخميس بشكل كبير. كما تعهد بمواصلة دعم أوكرانيا في حربها ضد الغزاة الروس، وهو ما ضمنه التمويل الأخير من الكونغرس حتى العام المقبل. وقال إنه سيعمل على إنهاء الحرب في غزة "وإحلال السلام والأمن في الشرق الأوسط".
الهدف من تبادل السجناء الذي توسطت فيه الولايات المتحدة تحرير ٣ أميركيين محتجزين في روسيا:
وتم اعتقال الأميركيين الثلاثة بناء على تهم خطيرة من قبل السلطات الروسية:
وينظر إلى المنشقين من قبل الحكومات والناشطين على أنهم سجناء سياسيون محتجزون ظلما. وقد صنفتهم موسكو جميعا، لأسباب مختلفة، على أنهم متطرفون خطرون.
ورغم ضغوط حملة بايدن المتعثرة، ظل تركيزه على تأمين إطلاق سراحهم. وقال في الحديقة الجنوبية: "يتعين علينا فقط أن نتذكر من نحن بحق الجحيم"، في إشارة إلى المفاوضات السرية الجارية.
شملت عملية التبادل 24 فردا، بما في ذلك معتقلون بارزون من كلا الجانبين. ومن بين الشخصيات البارزة التي تم الإفراج عنهم:
ومن الجانب الروسي، شملت القائمة شخصيات هامة، مثل:
أشاد بايدن بالصفقة ووصفها بأنها "إنجاز دبلوماسي وصداقة"، وأشاد بحلفاء واشنطن على "قراراتهم الجريئة والشجاعة".
ورحب بايدن ونائبته كامالا هاريس، بهذه المناسبة، بالأميركيين المفرج لدى وصولهم إلى قاعدة أندروز المشتركة بولاية ماريلاند، قبل منتصف الليل بقليل.
ويمنح الاتفاق إدارة بايدن-هاريس نجاحا دبلوماسيا بارزا في الحملة الرئاسية، حيث تضع هاريس في مواجهة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، بعد ٣ أشهر فقط.
وأشادت هاريس، التي كانت على وشك أن تصبح المرشحة الديمقراطية بعد انسحاب بايدن من السباق الشهر الماضي، بقيادته لإتمام عملية تبادل السجناء المعقدة، وقالت للصحافيين على مدرج المطار إنها كانت شهادة على القيادة الأميركية.
وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن لهيئة الإذاعة البريطانية إن اجتماعات السيدة هاريس في فبراير مع المستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس الوزراء روبرت جولوب من سلوفينيا في مؤتمر ميونيخ للأمن كانت بالغة الأهمية.
بالمقابل، وخلال تجمع جماهيري في أريزونا، قال المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس جيه دي فانس إن التبادل كان في الواقع انعكاسا لما قال إنه احتمال متزايد لفوز دونالد ترامب في نوفمبر.
وقال: "هناك شعور حقيقي بأن زعماء العالم يخشون أنه إذا جاء دونالد ترامب، فسوف يضطرون إلى البدء في التصرف مرة أخرى.. يخشى الأشرار أن يعود دونالد ترامب وأن تنتهي الرحلة المجانية".
يبدو أن الصفقة التاريخية كانت بمثابة تبادل لمرة واحدة، لا يعيد ضبط العلاقة العدائية بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي تدهورت بشكل حاد منذ غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022.
وقال نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، جون فينر، إن العلاقات بين واشنطن وموسكو لا تزال "في مكان صعب للغاية" على الرغم من التبادل. وقال فينر لشبكة سي إن إن: "لم تكن هناك ثقة متضمنة في هذه العلاقة أو المفاوضات".
قال المنتقدون إن إطلاق سراح الروس المدانين بجرائم خطيرة قد يشجع على المزيد من احتجاز الرهائن من قبل أعداء الولايات المتحدة.
وقال مايكل ماكول، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، في بيان: "ما زلت أشعر بالقلق من أن استمرار مقايضة الأميركيين الأبرياء بالمجرمين الروس المحتجزين في الولايات المتحدة وأماكن أخرى يرسل رسالة خطيرة إلى بوتين، تشجعه على المزيد من احتجاز الرهائن".
وتساءل ترامب، الذي قال إنه ليس لديه تفاصيل عن المقايضة، عما إذا كان قد تم إطلاق سراح "قتلة أو بلطجية". وقال المرشح الرئاسي على وسائل التواصل الاجتماعي: "أنا فقط فضولي لأننا لا نبرم صفقات جيدة أبدًا، في أي شيء، وخاصة مقايضة الرهائن".
عملية تبادل السجناء التي جرت بين روسيا والغرب لم تكن العملية الأولى التي تجريها موسكو مع الغرب، فتاريخ روسيا والولايات المتحدة يشهد على عمليات تبادل كثيرة.
فمنذ أن كان التوتر متصاعدا بين القوتين العظميين، الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفييتي، روسيا حاليا، والكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، خلال الحرب الباردة، جرت عمليات تبادل عناصر مخابرات بين الجانبين على جسر الجواسيس، وامتدت منذ ذلك الحين حتى اليوم كالآتي:
أول تبادل معروف بين العقيد بالمخابرات السوفيتية، رودولف أبيل، الذي اعتقل في نيويورك في 21 يونيو 1957، مقابل فرانسيه باورز، طيار طائرة الاستطلاع الأمريكية التي أسقطت فوق الأورال في 1 مايو 1960، وتم التبادل على جسر غلينيكر بروك فوق نهر هافيل على الحدود بين برلين الغربية وألمانيا الشرقية، والذي عُرف فيما بعد باسم "جسر الجواسيس".
تمت مبادلة القس الأميركي والتر سيزيك، الذي ألقي القبض عليه عام 1941 بتهمة التجسس وعاش في نوريلسك لـ15 عاما، مقابل الموظف السابق في الأمم المتحدة إيفان إيغوروف، وزوجته ألكسندرا اللذين اعتقلا في الولايات المتحدة بتهمة التجسس.
تبادل الاتحاد السوفيتي وبريطانيا ضابط المخابرات السوفيتية، كونون مولودي، وضابط المخابرات البريطانية، جريفيل وين، على حدود ألمانيا الشرقية في برلين الغربية.
استبدل الاتحاد السوفييتي وبريطانيا ضابطي المخابرات السوفيتية المولودين في الولايات المتحدة، موريس ولونا كوهين، بعميل المخابرات البريطاني غيرالد بروك، الذي اعتُقل في الاتحاد السوفيتي.
أطلقت السلطات السوفيتية سراح 5 شخصيات معارضة من السجن، وأرسلتهم إلى الولايات المتحدة مقابل استلام اثنين من ضباط المخابرات السوفيتية، فالديك إنغر ورودولف تشيرنيايف، اللذَين كانا يعملان تحت ستار الأمانة العامة للأمم المتحدة. وحُكم عليهم بالسجن لمدة 50 عاما.
تمت مبادلة ضابط المخابرات السوفييتي أليكسي كوزلوف بعشرة ضباط مخابرات ألمان اعتُقلوا في ألمانيا الشرقية والاتحاد السوفييتي، وجنرال من جيش جنوب أفريقيا اعتُقل في أنغولا.
تمت عملية تبادل 9 أشخاص على "جسر الجواسيس" أيضا.
ألقي القبض على 10 أشخاص في الولايات المتحدة بتهمة التجسس لصالح روسيا، وقامت الأخيرة بمبادلتهم مع سجناء روس.
تبادلت روسيا وليتوانيا 4 أشخاص أدينوا سابقا بالتجسس، وسلَّمت روسيا شخصا مدانا بالتجسس إلى النرويج.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة