سياسة
.
بعد أكثر من 8 أشهر على إجراء الانتخابات المحلية، وبعد صراع وخلافات ماراثونية محتدمة، انتخب مجلس كركوك غرب العراق محافظا ورئيسا لمجلس المحافظة، وسط اعتراض وتهديد بالطعن من قبل التركمان.
يأتي ذلك في ظل تغيير في خارطة القوى السياسية في المدينة المختلطة والغنية، التي دائما ما شهدت صراعات قومية وطائفية، تسعى لبسط الهيمنة عليها، وهو ما انعكس على الانتخابات المحلية، التي كانت فيها كركوك آخر محافظة تختار محافظا، بعد أشهر من الانتخابات.
فكيف تبدو الخارطة السياسية في كركوك؟
في 18 ديسمبر من العام الماضي، جرت انتخابات مجالس المحافظات العراقية، باستثناء إقليم كردستان.
ووفقا لنتائج الانتخابات، حصل تحالف كركوك "قوتنا وإرادتنا" (الاتحاد الوطني الكردستاني) على 5 مقاعد، مقابل مقعدين للحزب الديمقراطي الكردستاني، ومقعد واحد للحركة الكلدانية "المسيحية"، و6 مقاعد للكيانات العربية، فيما احتفظ التركمان بمقعدين.
بهذه النتيجة، لم يتمكن أي طرف بمفرده من تشكيل حكومة محلية أو السيطرة على منصب محافظ كركوك بمفرده.
في العاشر من أغسطس الحالي وقبل يوم من انتهاء مهلة رئيس الوزراء لاختيار محافظ من قبل القوى السياسية في محافظة كركوك أو تكليفه لمحافظ بالوكالة من قبله، عقد اجتماع في العاصمة بغداد، شارك فيه 5 أعضاء من الاتحاد الوطني الكردستاني، والعضو المسيحي الكلداني، و3 أعضاء عرب، مما جعل عدد المشاركين 9، وهو ما أتاح لهم صلاحية الاجتماع واتخاذ القرارات.
في ذلك الاجتماع، تم انتخاب ريبوار طه من الاتحاد الوطني الكردستاني محافظا لكركوك، ومحمد إبراهيم حافظ من العرب رئيسا لمجلس المحافظة، بعد الحصول على غالبية الأصوات، وسط غياب الديمقراطي الكردستاني.
ريبوار طه - الموقع الرسمي للاتحاد الوطني الكردستاني
ويكون حزب الاتحاد بذلك سجّل نصرا مهما، وإن كان جزئيا، في صراعه الشديد ضد غريمه الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي لم يمنعه حصوله على مقعدين فقط من مقاعد مجلس المحافظة، من محاولة الفوز بمنصب المحافظ، أو على الأقل منع ذهابه لحزب الاتحاد، معوّلا في ذلك على عقد صفقات مع قوى أخرى، لا سيما بعض ممثلي المكونين العربي والتركماني.
الأمور لم تنتهِ عند هذا الحد، فبالإضافة إلى راكان جبوري، المحافظ السابق بالوكالة، وعضو المجلس الحالي للمحافظة، أعلن التركمان عن استيائهم من هذه التعيينات، وباتت هناك احتمالية لتقديم شكوى أمام المحكمة الاتحادية العليا، كما أعلنوا، للطعن بالنتائج.
الجبوري يرى أن ما حصل يعد "إقصاء لممثلي التحالف العربي"، مهددا باللجوء إلى القضاء، وهاجم مَن شاركوا في اجتماع بغداد، مهددا باللجوء إلى الشارع، إذ دعا "الجماهير إلى مساعدة التحالف العربي في إعادة حقوق المكون التي سُلبت، بعد الحصول على أعلى الأصوات في الانتخابات الأخيرة".
نفس حالة الرفض، عبّر عنها رئيس الجبهة التركمانية، حسن توران، إذ يرى أن جلسة الانتخاب "مخالفة للقانون"، وبالتالي فإن "مخرجاتها مخالفة للقانون، وسنلجأ إلى القضاء لإبطالها".
ولفت إلى أن المادة 13 من قانون انتخابات مجلس المحافظة، تنص على توزيع إدارة كركوك بشكل عادل بين جميع المكونات، بغض النظر عن نتائج انتخاباتها.
ولم يختلف موقف رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني، حسن مجيد، إذ قال في تصريحات صحافية محلية، إن الكتلة لم تتلقَّ أي دعوة رسمية لعقد اجتماع لمجلس محافظة كركوك، ويضيف "هناك إجراءات قانونية وإدارية، يتم من خلالها العمل وإبلاغ الأعضاء بموعد ومكان الاجتماع، وهذا ما لم يحدث".
الغضب انتقل إلى الشارع، إذ شهدت المحافظة احتجاجات متفرقة لممثلي المكونين التركماني والعربي، رفضا لاختيار المناصب الإدارية والتنفيذية، دون تمثيل لبعض تلك المكونات وإقصائهم، مطالبين الحكومة المركزية ورئيس الوزراء بالتدخل العاجل وحل الخلافات، وانضمت للوقفة عضوة المجلس عن الجبهة التركمانية، سوسن الجدوع.
مع تصاعد الاعتراضات، أعلن حزب السيادة، الذي يقوده خميس الخنجر، الأحد، طرد محمد إبراهيم الحافظ من صفوفه، بعد انتخابه رئيسا لمجلس محافظة كركوك، واصفا إياه بـ"الخائن".
وقال "السيادة"، في بيان: "منذ إعلان نتائج الانتخابات المحلية، وحزب السيادة في كركوك يؤكد أحقية عرب كركوك بمنصب المحافظ، باعتباره الحزب الفائز بأربعة مقاعد، من أصل 6 حازها المكون العربي، وكان يصر على أهمية وحدة التمثيل السياسي لعرب كركوك التي تتطلب وحدة الصف والكلمة".
خميس الخنجر
وأضاف "تم الاتفاق على عدم الدخول إلى جلسة التصويت على الحكومة المحلية، لكن نكوث البعض بالعهود وتضييع حقوق المكون العربي في إدارة المحافظة والتآمر على تضحياته الكبيرة لأجل كركوك وشعبها، كل ذلك أدى إلى عودة سياسات الإقصاء والتهميش منذ اللحظة الأولى لتشكيل الحكومة المحلية، خلافا للقانون والنظام".
وأكمل البيان: "على خلفية عدم التزامه بتوجيهات حزب السيادة ومخالفته لمبادئه وخيانة تطلعات جماهيره، قررت قيادة حزب السيادة في كركوك طرد المحافظ، وهناك خطوات أخرى ستتخذها القيادة في كركوك بحق من يضيع حقوق جماهيره وينقلب على التوجيهات الداخلية والاتفاقات السياسية".
للمرة الأولى في كركوك التي طالما كانت خارطة الصراعات السياسية فيها منقسمة على الأساسات القومية، أظهرت عملية اختيار المحافظ الأخيرة تشكل نواة لتحالفات جديدة، أسوة بالمنافسات القائمة في العاصمة.
الأولى وهي التي ظفرت بالمناصب وتضم: الاتحاد الوطني الذي يتزعمه بافل طالباني (كردي)، وتقدم الذي يتزعمه محمد الحلبوسي (عربي سني)، وبابليون الذي يتزعمه ريان الكلداني (مسيحي).
والثانية بدأت تتشكل فيها نواة المعارضة، وتضم الديمقراطي الذي يتزعمه مسعود بارزاني (كردي)، والسيادة الذي يتزعمه خميس الخنجر (سني عربي)، والجبهة التركمانية.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة