استمالة السكاكر.. كيف يستخدم ترامب الاستعارة لجذب مؤيديه؟

نبدأ القصة من الفصل الأخير، على المنصة في تجمع انتخابي بمدينة اشفيل في ولاية كارولينا الشمالية في الـ14 من أغسطس الجاري.

ترامب كان في خضم الحديث عن أزمة التضخم، أو ما يفضل أن يُطلق عليه Bidenflation، أو "تضخم بايدن" بحسب صحيفة ذا ميرور البريطانية، وتطرق الرئيس السابق إلى معاناة المواطنين بشكل يومي أثناء شراء الاحتياجات الأساسية، عندما أخرج من جيبه عبوتين من سكاكر التيك تاك، أحداهما في حجمها الطبيعي والأخرى شديدة الصغر، وأشار لفارق الحجم بين العبوتين وقال: "هذا ماحدث، هذا هو التضخم، هذه تيك تاك وهذه تيك تاك".

قال ترامب أثناء تواجده على المنصة: "لا أعلم ما إذا كنت أحب الشركة.. - قاصدا تيك تاك - ليس لدي فكرة، هم محظوظون للغاية، أنظروا لكل محطات التليفزيون، ذلك أفضل إعلان حظوا به على الإطلاق".

إلا أن ترامب يعرف تيك تاك جيدا، وخاض معهم جولة من الأخذ والرد سابقا، حينما كان ما يزال مرشحا للرئاسي في انتخابات العام 2016.

وظهر آنذاك تسجيل لمحادثة خاصة قام بها ترامب في العام 2005، كان يتفاخر خلالها بقدرته على إغواء النساء وتقبيلهن بدون عواقب، وقال ترامب إنه عادة ما يتناول سكاكر "تيك تاك" قبلها، بحسب صحيفة بوليتيكو، وأضاف في التسجيل: "لابد من أن استخدم تيك تاك، إذ ربما أبدأ بالتقبيل".

شركة "تيك تاك" لم يروق لها حديث ترامب، وصرحت على منصة إكس، تويتر آنذاك، أنها تحترم جميع النساء، وأضافت الشركة: "نحن نرى أن التصريحات والسلوكيات الأخيرة، غير لائقة وغير مقبولة بالمرة".

تشبيه "تيك تاك" ليس الأغرب على الإطلاق، فعلى مدار حملته الانتخابية الحالية، أتى ترامب على ذكر الشخصية الخيالية "هانيبال ليتكر" غير مرة، وهي شخصية قاتل متسلسل آكل للحوم البشر، ظهرت في فيلم "صمت الحملان" للعام 1991.

عندما يشير ترامب لتلك الشخصية عادة ما يقول "هانيبال ليكتر الراحل العظيم"، ففي خطاب قبوله للترشح أثناء المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، خاطب ترامب الحضور فقال: "هل شاهد أي منكم صمت الحملان؟ هانيبال ليكتر الراحل العظيم، كان ليُحب أن يتناولكم على العشاء. تلك مصحة عقلية. إنهم يفرغون مصحاتهم العقلية".

وفي مايو الماضي، أتى ترامب على ذكر ليكتر أيضا أمام جمع من الحضور في نيو جيرسي، ثم أضاف: "لدينا أشخاص يُطلقون في بلادنا، نحن لا نريدهم في بلادنا".

وعادة ما يستدعي ترامب شخصية "ليكتر" في سياق الحديث عن المهاجرين، ويلمح بغير دليل إلى أن المهاجرين أشخاص قادمين من "مصحات عقلية"، بالإضافة إلى استخدامه لغة تقلل من آدميتهم، كما تصف صحيفة واشنطن بوست في تقرير.

إلا أن هناك روابط خفية، تجمع ترامب بشخصية ليكتر الذي أعادها عنوة للقرن الواحد والعشرين، وهي أن الشخصية ظهرت للمرة الأولى في رواية "صمت الحملان" في العام 1987، تزامن ذلك مع ذروة نجاح ترامب وشهرته في مجتمع مدنية نيويورك وحتى أول ظهور له على غلاف مجلة تايم.

من جهة أخرى يعتقد محللون أن استدعاء "ليكتر" يمكن ترامب من خلق صورة "مرعبة" للمهاجرين، ككاتبة سيرة ترامب، جويندا بلير، التي تحدثت مع الصحيفة الأميركية فقالت إن وصوف الرئيس السابق للمهاجرين تضمنت "مجرمين ومغتصبين" وأضافت: " لكن دعونا نضيف آكلي لحوم بشر إلى المزيج".

وقالت بلير: "ترامب شخص يفهم في الصور والعلامات التجارية، وهانيبال ليتكر علامة تجارية راسخة للرعب الذي لا يمكن وصفه".

في العام 1963 كتب الناشط الاجتماعي، أوسكار براون جونيور، قصيدة "الثعبان"، والتي تحكي قصة قصيرة قاتمة، عن امرأة وجدت في طريقها ثعبان يعاني في الصقيع، ويطلب منها المساعدة، فقررت المرأة أن تحمل الثعبان إلى منزلها وتمرضه إلى أن تماثل للشفاء، لكنه بعد أن استعاد قوته عقرها.

إبان حملته الانتخابية في 2016 استخدم ترامب القصيدة غير مرة، حتى أن مؤيديه باتوا يرددوا كلمات القصيدة خلفه، وذلك للتحذير من أثر وجود المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين في الولايات المتحدة.

وحتى بعد فوزه بالانتخابات الأميركية، عاد ترامب لإلقاء القصية في خطابه بمناسبة مرور 100 يوم على ولايته، بحسب وكالة أسوشيتد برس.

وقال أستاذ الاتصال بجامعة بوسطن، توبي بيركوفيتز، للوكالة الأميركية أن طقس إلقاء القصيدة يمثل لحظة "ترامبية" بامتياز، خاصة مع استخدام الرئيس للإيماءات وتعبيرات الوجه، التي تُضفي طابعا دراماتيكيا على الرسالة التي يود بثها، وخاصة مع تصاعد الحماسة مع استجابة الجمهور للقصيده وهتافهم المقابل "ابني الجدار".

وفي مفارقة، لا ترحب أسرة الشاعر والناشط أوسكار براون جونيور، باستخدام ترامب لكلمات القصيدة، وهي الأسرة المنحدرة أصلا من أصول أفريقية، وتقول إحدى بنات الشاعر الأميركي إن كلمات أبيها سُرقت لتُستخدم في ترويج خطاب كراهية و عدم تسامح، وذلك في تصريحات لشبكة سي إن إن.

هناك نظرية تحاول صياغتها الباحثة اللغوية النمساوية، كاترينا بيليارتشوك، بشأن مسألة استخدام ترامب للاستعارات.

فما بين استعارات الثعابين والحشرات، التي عادة ما تستهدف إثارة الخوف والاشمئزاز، تقول بيليارتشوك لإذاعة بي بي إس، إن ترامب يستخدم تلك الاستعارات لمحاولة رسم صورة شخصية تجعل منه مروض لتلك الحيوانات، وتصوره كبطل يحمي الجمهور منها.

وأضافت: "هذا يعني أن كل شخص يصل إلى البلاد لا يصبح إنسانا بل حيوانيا".

و في ورقة أكاديمية حللت بيليارتشوك الاستعارات في خطابات قبول ترامب للترشح وخطاب انتصاره وخطاب تنصيبه، فوجدته أنه استخدم ما يقارب 350 استعارة، تشكل 85% من الخطابات.