سياسة
.
يحيى السنوار "يفهم المجتمع الإسرائيلي أكثر من نفسه".. هذه هي الصورة الأشهر لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أبو إبراهيم، سواء داخل الحركة أو في المنظومة الأمنية الإسرائيلية أو حول العالم.
فخلال العقود التي أمضاها السنوار في السجون الإسرائيلية، أتقن اللغة العبرية بطلاقة وقرأ بنهم في التاريخ اليهودي وتاريخ الحركة الصهيونية وترجم مذكرات رؤساء جهاز الشاباك الأمني ليتعلم أسلوبهم في التفكير.
وفي العام 2018 أرسل السنوار رسالة بخط يده لنتنياهو، من 3 كلمات "خذ مخاطرة محسوبة"، تلك الكلمات كانت كفيلة بإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بقبول تفاهمات التهدئة برعاية قطرية مصرية، والتي تمخض عنها السماح بإدخال أموال المساعدات القطرية لحكومة حماس في غزة عبر إسرائيل، مقابل حفظ الهدوء.
لكن مع ذلك، يبدو أن رئيس المكتب السياسي لحماس وخليفة إسماعيل هنية، أخطأ بشكل جزئي قراءة المجتمع الإسرائيلي في 4 نقاط، بحسب مصدر مطلع في الحركة تحدث لبلينكس.
ويعتبر بعض الصحافيين الإسرائيليين أن سبب تفسير السنوار لإسرائيل على نحو غير دقيق هو أن هناك "إسرائيل جديدة" مختلفة كليا عما كانت عليه البلاد قبل هجوم السابع من أكتوبر، من حيث خطوطها الحمراء وأسلوبها في التفكير.
فما هي تلك النقاط التي قرأها السنوار بشكل خاطئ؟ وما سبب ذلك الخطأ؟ وهل ينجح السنوار في تدارك الأمر؟
تؤكد الصحافية ياسمين ليفي أن بعض الإسرائيليين يفضلون إيهام أنفسهم والاعتقاد أن السنوار "شخص مختل عقليا، متهور وقصير النظر، وتصادف أن لديه الجرأة على أن يوجه لإسرائيل أصعب ضربة عرفتها منذ تأسيسها"، وذلك "بدلا من مواجهة الحقيقة المرة" بأن السنوار رجل "متعلم، قضى 22 عاما في سجن إسرائيلي، ويتحدث العبرية، ويتابع وسائل الإعلام الإسرائيلية".
الصحافية تشير إلى أن السنوار يعد "خبيرا استراتيجيا"، وهي السمعة التي يؤكدها مصدر مطلع في الحركة. فأبرز نقاط قوة السنوار هي قدرته على تحليل وفهم مجريات الأمور في إسرائيل بأدق التفاصيل.
وتستدل ياسمين يلفي على قولها ذلك بالإشارة إلى أن "السنوار كان حادا بما يكفي لتحديد نقاط الضعف والفرصة التاريخية في صعود حكومة اليمين المتطرف، وكان يعلم أن تلك الحكومة تضعف إسرائيل من الداخل، بينما واصلت إسرائيل، التي يعرفها أكثر مما تعرف نفسها، غطرستها".
وذكرت ليفي بمقابلة نادرة للسنوار في عام 2006 مع الصحافي يورام بينور عندما وصلت حماس للسلطة في غزة.
رئيس حماس المستقبلي أظهر في تلك المقابلة براغماتية وقدرة على معرفة محدودية قدرات حماس في مواجهة التفوق العسكري الإسرائيلي.
وقتها قال أبو إبراهيم "نحن نفهم أن إسرائيل تمتلك 200 رأس نووي وتمتلك سلاح الجو الأكثر تطورا والأكثر عدوانية في المنطقة. نحن نعرف أننا لا نستطيع تدمير إسرائيل".
ولكنه أضاف "نحن أيضا عنيدون، وجعلنا حياة الإسرائيليين مريرة في فترة مواجهة الاحتلال، سننغص عليهم حياتهم في الحوار حول الهدنة".
ليفي تقول "رغم أن حماس لم تفكك إسرائيل، لكنها جعلت من الجيش الإسرائيلي المجيد نكتة حزينة ليوم واحد، والسنوار ينجح بالتأكيد في جعل حياة الإسرائيليين بائسة حتى الآن".
السنوار كذلك أجرى مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في عام 2018، وهو ما تعتبره حماس أمرا محظورا.
السنوار قال في تلك المقابلة "لا أريد مزيدا من الحروب. أنهوا الحصار. هناك فرصة حقيقية للتغيير: الحرب ليست من مصلحتنا، ولكن في هذه اللحظة الانفجار أمر لا مفر منه".
وتختم ليفي كلامها بالقول إن السنوار "سيد الإرهاب النفسي. وحتى لو مات جميع المختطفين أوعادوا، فقد تأكد بالفعل من أن إسرائيل لن يكون لديها أي صورة للنصر".
اختار السنوار بدقة وقت تنفيذ هجوم أكتوبر، في لحظة ضعف كبيرة لإسرائيل وانقسام داخلي غير مسبوق، فالمظاهرات الحاشدة بمئات آلاف الإسرائيليين كانت تملأ الشوارع في كل يوم سبت بين معارضي نتنياهو ومؤيديه.
الانقلاب القضائي لتحالف نتنياهو اليميني أدى لعزوف عشرات آلاف جنود الاحتياط عن الخدمة، والاقتصاد كان يتداعى بشدة، بينما كانت العلاقة بين الحكومة الإسرائيلية والولايات المتحدة في أسوأ حالاتها منذ سنين بسبب إصرار نتنياهو على تعديلات قضائية مثيرة للجدل.
الخلافات بين وزراء الحكومة كانت أيضا في أوجها بعد طرد نتنياهو وزير الدفاع، يوآف غالانت، في شهر مارس من العام الماضي، ومن ثم إجباره على التراجع عن تلك الخطوة وإعادة غالانت لمنصبه بضغط هائل من الشارع.
لذلك، كانت تلك اللحظة السانحة لتنفيذ الهجوم في ساعة غفلة إسرائيل ليكون عنصر المفاجئة سر نجاح الهجوم.
بالفعل، المسيرات الأسبوعية لا تتوقف حتى اللحظة للمطالبة برحيل نتنياهو، وقادة المعارضة يطالبونه بانتخابات مبكرة منذ أشهر طويلة.
إلا أن رئيس الوزراء الأطول ولاية في تاريخ إسرائيل، تمكن ولو بشكل مؤقت من الإفلات من ساعة الحساب عن مسؤوليته في فشل "السبت الأسود" وزاد تشبثه بالسلطة أكثر لأنه يعي أن تحالفه الحاكم لن ينجح في أي انتخابات تالية.
وازداد الائتلاف اليميني تماسكا من حيث رفض التوجه لانتخابات، لأن جميع أحزاب التحالف وهي: الليكود، وعوتسما يهوديت، ويهدوت هتوراة، وشاس، والصهيونية الدينية يعلمون يقينا أن مغادرة أي منهم للحكومة تعني جلوسهم على مقاعد المعارضة لعقود مقبلة.
قبل 7 أكتوبر، كان الفلسطينيون داخل إسرائيل وفي الضفة والقدس في أوج مشاعر الغضب بسبب تزايد هجمات المستوطنين ضدهم وإحراق العديد من القرى الفلسطينية واقتحامات الجيش التي لا تتوقف والتي جعلت العامين 2022 و2023 الأكثر دموية للضفة منذ عقدين من الزمن.
كما أن جماعات مسلحة مثل عرين الأسود في نابلس وكتيبة جنين بدأت بالظهور وأرهقت الجيش في العديد من المواجهات المتكررة.
التوتر بين حزب الله وإسرائيل كان أيضا يزداد بشكل كبير، وأبرز عناوينه الخيمة التي نصبها حزب الله على الحدود وترددت إسرائيل في قصفها خوفا من التصعيد، وأدخلت وسطاء دوليين لسحب تلك الخيمة.
هذا السيناريو بالفعل في عام 2021 في حرب "حارس الأسوار" عندما خرج الفلسطينيون داخل إسرائيل وفي القدس في مظاهرات كبيرة أربكت الحسابات الإسرائيلية.
لكن ما لم يكن بالحسبان هو مسارعة إسرائيل فور هجوم حماس في أكتوبر إلى شن حملة هائلة من الاعتقالات والتنكيل والترهيب ضد الفلسطينيين.
مئات الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية جرى اعتقالهم لمجرد كتابة عبارات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل "صباح الخير" أو "الحمد لله" أو "ربنا ينصركم" أو آيات قرآنية.
وبالإضافة لآلاف الفلسطينيين في الضفة الذين جرى اعتقالهم وتعذيبهم، قامت إسرائيل بعزل قادة الحركة الفلسطينية في السجون مثل مروان البرغوثي لقمع أي فرص لانفجار احتجاجات.
وعندما نفدت الأماكن في السجون الإسرائيلية، خصص الجيش معسكرات اعتقال جماعي مثل "سديه تيمان" الذي سجنت فيه إسرائيل أكثر من 14500 فلسطيني وأخضعتهم لمختلف أنواع التعذيب والإهانة.
لكن حزب الله قام بالضغط على إسرائيل عبر إطلاق هجمات من دون إعلان الحرب الشاملة، وتسببت تلك الهجمات بالفعل في تهجير عشرات آلاف الإسرائيليين في الشمال ومفاقمة الأزمة الاقتصادية.
وأشار مصدر من حماس في الخارج لبلينكس إلى أن محمد الضيف، قائد القسام والسنوار طلبا من هنية التوجه لإيران ليحثهم على الضغط على إسرائيل سواء بشكل مباشر أو عبر وكلائها في المنطقة.
لكن مع ذلك، لم تمنع تلك الهجمات نتنياهو، رغم ارتفاع وتيرتها عن مواصلة الحرب على غزة والمماطلة في تفاهمات التهدئة وتبادل الأسرى.
ياسمين ليفي تقول إن السنوار "فوق كل شيء، كشخص تم إطلاق سراحه في صفقة شاليط، يعرف إلى أي مدى ستذهب إسرائيل من أجل إطلاق سراح مختطفيها".
في تلك الصفقة، وافق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على إطلاق سراح 1027 أسيرا فلسطينيا مقابل جندي واحد هو جلعاد شاليط الذي أسرته حماس عام 2006، وكان السنوار والعديد من رفاقه مثل روحي مشتهى وحسام بدران وتوفيق أبو نعيم من محرري تلك الصفقة.
أبرز خطط هجوم 7 أكتوبر كانت أسر أكبر عدد ممكن من الجنود والضباط الإسرائيليين وإعادتهم لغزة أحياء ليكونوا ورقة التفاوض الأبرز لتقييد قدرة إسرائيل على مهاجمة القطاع وطول مدة الحرب.
في المقابل، طلب أبو إبراهيم، عبر رسائل لوسطاء، من نتنياهو ألا يقوم الجيش الإسرائيلي باجتياح غزة بريا بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل، ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض العرض وأخفى تفاصيله لينكشف ذلك الأمر في شهر أبريل، أي بعد 7 أشهر من الحرب.
الأسرى هم الورقة الأقوى بالفعل ضد إسرائيل لإنهاء الحرب، فحزب شاس الحريدي وكبير حاخامات إسرائيل والعديد من نواب الليكود والمنظومة الإسرائيلية الأمنية وجميع أحزاب المعارضة جميعهم يؤيدون القبول بصفقة التبادل والتهدئة المطروحة.
لكن مع ذلك، عمل نتنياهو منذ اللحظات الأولى على إفشال جميع جولات المفاوضات وقام بتسريب معلومات استخباراتية حساسة والتلاعب في الحقائق من أجل تأليب الرأي العام ضد الصفقة.
يقول مصدر مطلع في حماس خارج غزة لبلينكس إن السنوار وقادة الحركة قاموا قبل شن هجوم 7 أكتوبر بتقييم الرد الإسرائيلي المحتمل على الهجوم عبر دراسة تاريخية مفصلة لجميع حروب إسرائيل السابقة.
وأضاف المصدر أن الحركة تجهزت جيدا لرد إسرائيل وأعدّت خططا عسكرية ودفاعية شاملة لاجتياح الجيش للقطاع.
ولكن الرد الإسرائيلي جاء بشكل مضاعف عن أقصى رد توقعه السنوار من خلال دراسته العميقة للمجتمع الإسرائيلي، بحسب المصدر، إذ إن إسرائيل استخدمت قوة نارية غير مسبوقة ضد غزة فاقت الدمار الذي ألحقه الحلفاء بمدينة دريسدن النازية في ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.
وكان سر قدرة إسرائيل على استخدام هذا المستوى من القصف المكثف لهذه المدة الطويلة، هو إمدادات السلاح الأميركي غير المشروط، بالإضافة للإمدادات العسكرية من دول أوروبية مختلفة مثل ألمانيا وبريطانيا، بجانب عن التعاون الاستخباراتي المكثف.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة