متقاعدو الجيش اللبناني في "انتفاضة".. ما السر؟

التحرك الأول الذي نفذه العسكريون المتقاعدون الثلاثاء 10 سبتمبر كان هدفه منع انعقاد جلسة الحكومة المطروح على جدول أعمالها بند دراسة الموازنة الجديدة.

منطق العسكريين المتقاعدين في رفض انعقاد الجلسة، هو أن الموازنة لا تلبّي التحسينات المطلوبة على رواتبهم الزهيدة، وفق وجهة نظرهم.

بسبب ذلك، كان المتقاعدون يخشون إقرار الموازنة من دون إضافة التعديلات التي يريدونها على الرواتب، ولهذا السبب عرقلوا انعقاد اجتماع الحكومة إلى حين إعادة النظر ببنود الأجور.

فعليا، لم تنعقد الجلسة الثلاثاء بسبب اعتصام المتقاعدين في محيط السرايا الحكومي والذي منع وصول الوزراء إلى هناك، عندها قرر ميقاتي إرجاء الجلسة إلى موعد "لم يجر تحديده".

الأربعاء، فوجئ العسكريون بانعقاد جلسة للحكومة خلال فترة الظهيرة، فاعتبروا ذلك بمثابة "تجاهل" لمطالبهم، ما فجّر الشارع وبدأوا بقطع الطرقات في مختلف شوارع بيروت، ومدن أخرى، وقد رفض المتقاعدون تمرير جلسة الحكومة بـ"السر" قبل الإعلان عن إجراءات فعلية تتعلق بالرواتب.

وخلال جلسة الأربعاء، تحدث رئيس الحكومة عن 3 خطوات أساسية تتعلق بالأجور:

1. قرارات أساسية تتعلق بحقوق العاملين في القطاع العام.
2. الزيادات المطروحة للمدنيين والعسكريين الحاليين والمتقاعدين موجودة ضمن مشروع الموازنة.
3. إقرار مساعدة اجتماعية، إلى حين تمرير الموازنة في مجلس النواب.

منذ العام 2022، بدأت الحكومة اللبنانية إقرار ما يسمى بـ"المساعدات الاجتماعية" لموظفي القطاع العام والعسكريين في الخدمة الفعلية والمتقاعدين.

خلال عامين، حصل الموظفون والمتقاعدون 3 حزم من هذه المساعدات:

• المساعدة الأولى يوم 26 سبتمبر العام 2022 وبقيمة تتراوح بين 5 ملايين ليرة، 50 دولارا، ولا تتجاوز الـ12 مليونا، 120 دولارا، وفق سعر صرف 89 ألفا و500 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد.
• المساعدة الثانية: جرى منحها يوم 18 أبريل عام 2023، وتم إقرار تعويض مؤقت للموظفين في القطاع العام، بما لا يقل عن 8 ملايين ليرة لبنانية، بينما التعويض المؤقت للعسكريين الفعليين لا يقل عن 7 ملايين ليرة. أيضا، جرى خلال هذه المساعدة منح العسكريين المتقاعدين زيادة بمقدار 3 أضعاف راتبهم التقاعدي، أي بمقدار لا يتجاوز الـ4 ملايين ليرة لبنانية.
• المساعدة الثالثة: أقرّت يوم 28 فبراير 2024، وقد جاءت على النحو التالي:

1. يعطى العسكريون في الخدمة الفعلية في الأسلاك كافة 3 رواتب إضافية بحيث يصبح مجموع ما يتقاضونه 9 رواتب شهريا زائد بدل نقل 9 ملايين ليرة (265 دولارا).
2. يعطى المتقاعدون 3 رواتب إضافية بحيث يصبح مجموع ما يتقاضونه 9 رواتب شهريا على ألا تقل الزيادة عن 8 ملايين ليرة لبنانية زائد بدل سائق للضباط المتقاعدين الذين يستفيدون من سائق وقدره 5 ملايين ليرة لبنانية.
3. يمنح الإداريون راتبين إضافيين بحيث يصبح مجموع ما يتقاضونه 9 رواتب شهريا.

وحاليا، ومع كل هذه الزيادات، فإن العسكري في الجيش أو قوى الأمن الداخلي ضمن الخدمة الفعلية، يتقاضى 300 دولار كحد أقصى، أي ما يعادل 27 مليون ليرة لبنانية.

الأمر الخطير، وفق العميد المتقاعد الطيار أندري أبو معشر، عضو المنبر القانوني لحراك العسكريين المتقاعدين، هو أن كل الزيادات والتعويضات الزهيدة لا تدخل في صلب الراتب الأساسي، ما يعني أنها هامشية ولا يجري احتسابها في تعويضات نهاية الخدمة أو مع الراتب التقاعدي.

يشرح العميد المتقاعد: "على سبيل المثال، فإن العسكري الحالي يتقاضى راتب 300 دولار يشمل أساس راتبه الذي يبدأ من مليون ليرة أضف إليه المساعدات اجتماعية. وحين إحالته للتقاعد، فإن راتبه في ذلك الوقت لن يشمل الزيادات لأنها هامشية ومؤقتة، وتاليا فإن راتب العسكري حين ينهي خدمته سيبقى على أساس مليون ليرة (أساس الأجر)".

خلال تحركاتهم الأخيرة، يتمحور مطلب العسكريين المتقاعدين حول أمر واحد وهو أن تعود رواتبهم إلى قيمتها الفعلية قبل بدء الانهيار المالي في لبنان عام 2019، وأن تكون هناك خطة واضحة لتصحيح الأجور ضمن موازنة العام 2025.

العسكري المتقاعد محمد الباقي يقول إن قيمة راتبه تدهورت 90%، فبعدما كان يتقاضى 1300 دولار قبل الانهيار، بات الآن يحصل فقط على 220 دولار.

النائب السابق العميد شامل روكز، وهو من العسكريين المتقاعدين، يقول لبلينكس إن المطلب هو وضع خطة واضحة تساهم في إعادة الرواتب "تدريجيا" إلى سابق عهدها قبل الانهيار المالي، رافضا تسمية تحركات العسكريين بـ"الانقلاب على الدولة"، مضيفا: "نريد حقنا. فالدولة هي التي مارست الانقلاب علينا وأخلت بالوعود وليس نحن".

بدوره يوضح العميد المتقاعد أندري أبو معشر لبلينكس أن تحركات العسكريين عفوية ومحقة، مشيرا إلى أنها ستبقى مستمرة لحين تحقيق المطالب.

أبو معشر يقول إن العسكريين المتقاعدين يرفضون كافة مضامين الموازنة لأنها تزيد الضرائب على الفقراء، بينما لم تعطهم أي شيء في المقابل، مضيفا: "يجب إيقاف الهدر والفساد ولجم التهرب الضريبي واسترداد الأموال المنهوبة من أجل تأمين إيرادات للرواتب".

يشرح أبو معشر أن موازنة العام 2025 تعتمد سعر صرف للدولار مقابل 89500 ليرة لبنانية لتحصيل إيراداتها، بينما رواتب المتقاعدين بقيت على أساس الـ1500 ليرة وهو سعر الدولار الرسمي الذي كان قائما قبل الانهيار المالي عام 2019 وقد تبدل وتغير حتى ارتفع إلى 89500 ليرة لبنانية.

يتابع: "الدولة تريد تقاضي كافة الرسوم والإيرادات على أساس دولار 89500 ليرة، بينما رواتبنا ما زالت على الدولار القديم. الأمرُ هذا ليس عادلا أبدا ولهذا يجب إقرار رواتب جديدة وذات قيمة فعلية".