إسرائيل المنقسمة.. الجيش يفند "أكاذيب" نتنياهو

خبران انتشرا في الصحف الأوروبية بـ"الصدفة البحتة"، بعد خروج رئيس الوزراء الإسرائيلي في مؤتمر صحافي في بداية شهر سبتمبر للدفاع عن موقفه المتشبث ببقاء الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا على حساب إفساد أي فرص لنجاح صفقة التهدئة وتبادل الأسرى.

الأول كان في صحيفة "جويش كرونيكل" البريطانية البارزة، زعم أن إسرائيل عثرت على وثائق سرية لحماس في قطاع غزة تكشف عن تخطيط يحيى السنوار استغلال الهدنة وانسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا، ليفر من غزة نحو إيران مصطحباً معه عدداً من الأسرى لتأمين حياته.

أما الآخر فنشرته صحيفة Bild الألمانية، وهو لوثيقة سرية مزعومة لحماس عثر عليها الجيش في غزة تقول إن السنوار كان يخطط منذ بداية الحرب لضرب الإسرائيليين بعضهم ببعض عبر الحرب النفسية واستغلال معاناة أهالي الأسرى وتجييش عواطفهم ضد الحكومة لتقويض عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة.

كلا الخبران جاء ليدعم موقف نتنياهو في اللحظة الفاصلة وإثبات أنه على حق في كل ما يقوله. وسارعت زوجة رئيس الوزراء لاستغلال تلك التقارير لدعم موقف زوجها في وجه المعارضة وعائلات الأسرى.

لكن الجيش الإسرائيلي يبدو أنه ضاق ذرعاً بتهرب رئيس الوزراء من القبول بصفقة التهدئة، وكذّب الوثيقتين، وقال إنه لم يعثر على أي وثائق من هذا القبيل، ولا توجد لديه أي معلومات أو أدلة على هذا النحو.

تصريحات الجيش كذّبت "وثائق حماس السرية"، التي سرّبتها دائرة نتنياهو لصحف غربية، لكن كانت تداعيات هذا التكذيب أوسع من المتوقع بكثير، أبرزها هو تسليط الضوء على الصحافي كاتب المقال "إيلون بيري" والصحيفة التي نشرت المقال "جويش كرونيكل".

بيري نشر منذ بداية الحرب على غزة نحو 9 مقالات في تلك الصحيفة البريطانية التي تقدِّم نفسها باعتبارها أقدم صحيفة يهودية في العالم، وكانت مقالاته دائما ما تحوي "تفاصيل حصرية"، مثل تفاصيل جديدة عن اغتيال إسرائيل لمحمد الضيف (الذي نفت حماس مقتله) أو اغتيال إسماعيل هنية في طهران.

ويزعم موقع بيري الشخصي على الإنترنت أنه كان في أثناء خدمته العسكرية جزءا من وحدة من المستعربين، وأنه شارك أيضا في عملية عنتيبي، وكان أستاذا في جامعة تل أبيب لأكثر من 15 عاما.

لكن صحيفة +972 تحرّت الأمر، وقالت إن جميع تلك التفاصيل مزيّفة بالكامل، فبيري لا يوجد له أي سجل عمل في جامعة تل أبيب، ولم يشارك في عنتيبي، والصورة الموجودة عبر موقعه على الإنترنت، التي تزعم أنه يظهر متخفيا في مظاهرة فلسطينية وصفها بأنها تعود إلى عام 1992، التُقِطت في عام 2015 لشخص آخر.

لذلك، غرّد الصحافي في "هآرتس"، سيمي سبوتلر، قائلا: "شخصيا، لم أجد أي مقال أو ذكر لبيري في وسائل الإعلام الإسرائيلية، لا في معاريف، ولا في أي مؤسسة إعلامية أخرى. لا يوجد تاريخ موثّق لإيلون بيري كصحافي لمدة 25 عاما".

ببساطة، بيري شخصية خيالية ظهرت فجأة بعد 7 أكتوبر، ولا يعرف أي شخص من يقف وراء ذلك الاسم المستعار. لكن طبيعة المعلومات المسرّبة تشير بشكل واضح إلى أنها تهدف لدعم موقف نتنياهو، وأنها ربما خرجت من مكتبه أو محيطه الشخصي.

ودفع هذا الجدل الصحيفة إلى إجراء "تحقيق شامل" بشأن إيلون بيري، الذي قالت إنه كان يعمل لصالح الجيش الإسرائيلي.

وأوردت صحيفة "جويش كرونيكل"، الجمعة: "على الرغم من أننا نعلم أنه خدم في الجيش الإسرائيلي، فإننا غير راضين عن بعض مزاعمه".

واعتذر رئيس تحرير الصحيفة، جيك واليس سايمونز، الأحد، عن نشر المقال، وقال إن الصحيفة "قطعت كل علاقاتها" مع الكاتب، وأزالت كل مقالاته من موقعها على الإنترنت.

وأضاف على موقع "إكس": "أتحمّل المسؤولية الكاملة عن الأخطاء التي ارتُكبت، وسأتحمّل المسؤولية نفسها، لضمان عدم حدوث أمر مماثل مرة أخرى".

بعد الكشف عن زيف "وثائق حماس" المسرّبة وزيف شخصية بيري نفسه، سارعت صحيفة "جويش كرونيكل" البريطانية، لحذف مقالاته التسع وإعلان قطع علاقتها معه.

لكن أزمة الصحيفة اليهودية الأهم في بريطانيا لم تتوقّف هنا، فالنقاد سلّطوا الضوء على أن مشكلتها لم تكن عثرة مع صحافي واحد، وإنما تحريض هيئة التحرير لسنوات طويلة على الفلسطينيين وأنصارهم ونشر أخبار كاذبة.

كما سلط البعض الضوء على نشر تلك الصحيفة مقالات معادية للإسلام والعرب بشكل عام.

الأزمة في الصحيفة البريطانية الأقدم تسببت في استقالات بالجملة، وسط العديد من كتّابها الأبرز، وألقت بأصابع الاتهام على شخصيات إعلامية شهيرة على علاقة بالصحيفة؛ مثل روبي جيب، مدير قناة BBC.

وما زالت هناك مطالبات واسعة لرئيس تحرير الجريدة، جيك ويلز سيمسونز، بالاستقالة، خاصة في ضوء تصريحات له نشرها مؤخرا معادية للإسلام، تزعم أن "الكثير من الثقافة الإسلامية في قبضة جماعة موت تعشق سفك الدماء".

قبل اجتياح إسرائيل لمدينة رفح، كانت الحجج الرئيسية لنتنياهو أن مهاجمة المدينة بريا ضروري لإنقاذ الأسرى الموجودين فيها، وإغلاق الأنفاق العابرة للحدود، التي تستخدمها "حماس" حتى اللحظة في تهريب الأسلحة والذخائر، على حد زعمه.

الجيش الإسرائيلي بدأ توغله في رفح بداية مايو الماضي، حتى اليوم، لكنه لم ينجح هناك في إخراج أي أسرى أحياء سوى واحد فقط، ولم يتمكّن من العثور على أي من قادة "حماس" في المدينة.

عوضا عن ذلك، زعمت حكومة نتنياهو بشكل متكرّر كشف قواتها في رفح عن عشرات أنفاق التهريب الحدودية، لتثبت نجاعة وفعالية الاجتياح.

لكن الأسبوع الماضي، وجّه الجيش ضربة جديدة لنتنياهو عندما فنّد مزاعم الأنفاق تلك، وقال إنه من بين نحو 203 أنفاق عُثِر عليها في رفح، هناك فقط 9 عابرة للحدود، وجميعها خارج الخدمة منذ سنوات، بعد أن سدَّتها الحكومة المصرية عام 2013.

هذا التصريح يعتبر ضربة قوية لحجج نتنياهو للتمسّك بمحور فيلادلفيا، لمنع حماس من تهريب الأسرى لخارج القطاع أو تهريب السلاح لغزة، بينما يقول الجيش بشكل صريح إنه لا توجد أي خططٍ من هذا القبيل أو حتى أنفاق مفتوحة لتنفيذ تلك الخطط.