إسرائيل تبحث عن "نصر" في غزة بـ"خطة الجنرالات"

على مدار الأسبوع الماضي، شنت إسرائيل عمليات قصف جوي عنيف، واجتياحات برية في مختلف أنحاء قطاع غزة، بهدف منع حماس من القيام بأي هجمات "استعراضية" في ذكرى 7 أكتوبر تفسد على الحكومة الإسرائيلية صورة الانتصار التي تحاول رسمها لنفسها.

إسرائيل زعمت في شهر يناير ومن ثم مارس أنها تمكنت من القضاء على إمكانية حماس إطلاق صواريخ باتجاهها، وهو ما لم يتحقق حيث استمر إطلاق الصواريخ بين الفينة والأخرى.

وبعد مرور 365 يوما على الحرب، قررت حماس إطلاق 5 صواريخ مقادمة-90 صوب تل أبيب أدت لإصابة إسرائيليين. وتعمدت الحركة إطلاق تلك الصواريخ من مدينة خان يونس التي احتلها الجيش الإسرائيلي لأشهر طويلة وزعم "تطهيرها" وألحق بها دماراً شاسعاً.

صواريخ مقادمة-90 هو نوع جديد من الصواريخ المصنعة محلياً الذي كشفت عنه كتائب القسام خلال الحرب، وهو قادر على الوصول لمدينة نتانيا شمال تل أبيب على بعد 90 كم من قطاع غزة.

بعدها، قامت حماس أيضاً يوم الاثنين بإطلاق 5 صواريخ أخرى باتجاه بلدة سديروت القريبة من حدود غزة.

هيئة البث الإسرائيلية الرسمية كان 11 حاولت جس نبض الشارع الإسرائيلي واستطلاع آرائه بعد عام على اندلاع الحرب، وكانت أحد أبرز الأسئلة هي إذ ما كان أي من المشاركين في الاستطلاع على استعداد للانتقال لإحدى الكيبوتسات القريبة من قطاع غزة.

فقط 14% من الإسرائيليين أجابوا بنعم بينما رفض 86 % من الإسرائيليين مجاورة قطاع غزة حتى ما بعد انتهاء الحرب.

الاستطلاع يمثل رأي حوالي 600 ألف إسرائيلي، وأحد أسباب تلك الإجابة هي أن 27% من الإسرائيليين فقط، يؤمنون بأن جيشهم انتصر في الحرب ضد حماس، بينما 35% يعتقدون أن إسرائيل خسرت الحرب، والبقية لم يستقروا على رأي نهائي بعد.

مؤيدو نتنياهو من الإسرائيليين اليمينيين أيضا، فقط 47 % منهم يصدقون مزاعم حكومتهم بتحقيق انتصار في الحرب على غزة.

صورة "النصر المطلق" التي يسعى نتنياهو خلفها منذ بدء الحرب هي الوصول لرأس رئيس حماس في غزة يحيى السنوار.

إسرائيل نسجت رواية تصوّر السنوار كعقل جبار وتجعله المسؤول الرئيسي عن التخطيط لهجوم 7 أكتوبر وتنفيذه.

مؤخراً، انتشرت تكهنات في إسرائيل حول مقتل السنوار، وظهر رئيس أركان الجيش مؤخراً وخلفه صور لقيادات من حماس وحزب الله قامت إسرائيل باغتيالها، وكان السنوار أحدهم، وعلى رأسه علامة استفهام في إشارة لإمكانية أنه قُتل.

لكن مصدر من الحكومة الأميركية أخبر صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً أن السنوار ما زال على قيد الحياة وهو ما يفسد على نتنياهو صورة الانتصار.

خاصة وأن إسرائيل وصلت للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ومعظم قيادات الحزب العليا ولرئيس حماس إسماعيل هنية، ولكنها لم تستطع تصفية السنوار حتى اللحظة، ما يساهم في تنمية "أسطورته" وإفساد الذكرى الأولى للحرب المستمرة على القطاع.

هذا بالإضافة لمرور عام كامل على وقوع نحو 250 إسرائيلي في الأسر، تم تحرير أكثر من 100 منهم في صفقة تهدئة في شهر نوفمبر، بينما فشل الجيش الإسرائيلي في الوصول لـ101 من الأسرى المتبقين في غزة على الرغم من اجتياحه لمعظم القطاع، وإخضاعه لعمليات مراقبة وتجسس غير مسبوقة.

إسرائيل قامت باجتياح جباليا في شهر ديسمبر بعد إلحاق دمار شاسع به، وقامت باعتقال سكان المنطقة بشكل جماعي بالمئات، ووضعهم في شاحنات لنقلهم لمعسكر تعذيب "سديه تيمان".

وانسحب الجيش الإسرائيلي من جباليا في نهاية شهر ديسمبر، وأعلن إكمال مهمته في تلك المنطقة من حيث "تطهيرها" من حماس وتفكيك بنيتها التحتية فيها.

ولكن في منتصف شهر مايو، عاد الجيش الإسرائيلي لجباليا مرةً أخرى لقتال حماس فيها مجدداً، وقام بتحويل جباليا لـ"منطقة منكوبة" من الركام والدمار الهائل، وأعلن مجدداً إكمال المهمة بعد 20 يوما والقضاء على حماس.

الآن، عادت إسرائيل لاجتياح جباليا للمرة الثالثة، وفوجئ بوجود حماس في تلك المنطقة التي قتلت أحد ضباطه برتبة رائد احتياط وفجرت منزلاً مفخخاً بعدد من الجنود.

وتقدر إسرائيل أن حماس لديها أكثر من 5,000 مقاتل في شمال غزة وأنها تقوم بإعادة بناء قدراتها وتجميع صفوفها في جميع المناطق التي انسحب منها الجيش.

منشورات الجيش الإسرائيلي عادت للسقوط على رؤوس الفلسطينيين في نصف غزة الشمالي التي تأمرهم بالنزوح جنوب وادي غزة لمنطقة المواصي، وإلا سيتم اعتبارهم "دروعا بشرية" وتعريضهم للقصف والجوع.

هذا المشهد تكرر في شهر أكتوبر من العام الماضي، عندما أمرت إسرائيل 1.4 مليون فلسطيني في الشمال بالمغادرة جنوباً، ومن ثم استمر الجيش في محاولات إفراغ الشمال بمنشورات مشابهة وعلميات توغل وحصار وقصف عشوائي مدفعي وجوي، ومع ذلك بقي في الشمال نحو 400 ألف فلسطيني يرفضون النزوح، وفقد الجيش الأمل في تهجيرهم.

لكن في شهر أغسطس الماضي، بدأ الجنرال الإسرائيلي ورئيس مجلس الأمن القومي السابق غيورا آيلاند بالترويج لخطة تسمى بـ"خطة الجنرالات" لتحقيق الانتصار في الحرب على غزة.

الخطة التي وصفتها صحيفة هآرتس بأنها قائمة على مبادئ "التجويع والتهجير القسري والإبادة الجماعية" مبنية على تركيز إسرائيل مجدداً جهودها العسكرية على إفراغ نصف قطاع غزة الشمالي بشكل كامل من جميع سكانه وإعلانه "منطقة عسكرية مغلقة" أو "منطقة موت".

ولتحقيق هذا الهدف، طالب الجنرال آيلاند بفرض حصار مطبق على الشمال ومنع دخول أي طعام أو شراب والقيام بتوغلات برية واسعة وقصف عنيف، بغية دفع الفلسطينيين الرافضين للنزوح على القيام بالإخلاء باتجاه منطقة المواصي شديدة الاكتظاظ بخيام النازحين.

آيلاند بنى تصوره لتحقيق الانتصار على أن نشر المجاعة والأمراض وسط سكان غزة المدنيين، سيخلق ثمن باهظ يدفع حماس للقبول بالشروط الإسرائيلية.

خطة الجنرالات حظيت بتأييد واسع في الحكومة والجيش الإسرائيلي وتحالف نتنياهو الحاكم، وقال رئيس الوزراء في نهاية شهر سبتمبر إنه يدرس تلك الخطة.

ومع بدء اجتياح منطقة جباليا مجدداً وعودة إلقاء منشورات أوامر الإخلاء مرةً أخرى، أعلن عدد من نواب الكنيست للصحفيين الإسرائيليين أن "خطة الجنرالات" بدء تنفيذها بالفعل.

وقالت صحيفة معاريف الإسرائيلية يوم الأحد إن "النصر في الحرب لا يعني حفر كل نفق، أو حل كتائب حماس، النصر في الحرب هو تلك القوافل التي تضم مئات الآلاف من المدنيين، ومن بينهم عناصر حماس، الذين يغادرون مدينة غزة".

وأضافت "السؤال الحاسم في هذه الحرب هو ما إذا كان الجيش الإسرائيلي سيخلي السكان من شمال قطاع غزة بشكل حاسم".