الصحة النفسية والحرب.. كيف يتكاتف اللبنانيون لتجاوز الأزمة؟

بيروت التي كانت تستقبل آلاف السائحين يوميا، تبدل فيها المشهد لتصبح ملجأ لاستقبال عشرات الآلاف من العائلات النازحة. منهم من توجه إلى مراكز إيواء مؤقتة أو لدى أقارب أو شقق مستأجرة.

نزوح العائلات يكون غالبا خلال ساعات الليل، حيث تجبرهم سلسلة من الغارات التي تستهدف ضاحية بيروت وقرى جنوب لبنان على النزوح على وقع دوي انفجارات ضخمة، تهتزّ بسببها النوافذ، وتندلع منها روائح البلاستيك ومواد محترقة.

توقظ هذه التجربة في نفوس اللبنانيين صدمات قديمة وجديدة، بينها انفجار مرفأ بيروت في 2020 وحرب تموز في 2006 مع إسرائيل، والحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت في 1975.

قبل الاشتباكات الواسعة حاليا، تفيد دراسة أعدّتها منظمة "إدراك" غير الحكومية عام 2022، أن ثلثي اللبنانيين على الأقلّ يعانون من اضطراب نفسي. لكن الوضع الحالي يضاعف هذه المعاناة حيث وصف رئيس قسم الطبّ النفسي في مستشفى أوتيل ديو في بيروت رامي بو خليل الوضع الحالي بالقول "لسنا بخير جميعا، بشكل أو بآخر من اكتئاب وقلق واضطراب ما بعد الصدمة".

يتخطّى القلق المناطق التي تحوّلت إلى ساحة حرب، ليدفع الثمن مدنيون خائفون بعيدون عن خطوط النار. من بين هؤلاء ريتا باروتا، 45 عاما التي تسكن قرب مدينة جونيه "الهادئة" ذات الغالبية المسيحية شمال بيروت.

تقول باروتا لفرانس برس إنها لا تسمع أصوات الغارات لكنها رغم "لا تجد كلمات لوصف ما يجري الآن".

تضيف السيدة التي تعمل أستاذة جامعية: "لا أعرف الشخص الذي كنته قبل 15 يوما، الأكل والنوم والاعتناء بنباتاتي، كلّ ذلك لم يعد موجودا"، وتكمل "لقد أصبحت شخصا آخر، كلّ ما يهمني الآن هو كيف يمكنني أن أقدّم يد العون".

تشعر باروتا بمعاناة النازحين وتقضي وقتها على الهاتف تنسق وتبحث عن مأوى لأشخاص أصبحوا ينامون في الطرقات، لترشدهم نحو مراكز إيواء يحتمون فيها، أو لتوفير أدوية تنقصهم.

في ذات السياق يقول بو خليل: "لدى اللبنانيين قدرة خارقة على الصمود"، لافتا إلى الدور الذي يلعبه الدعم العائلي والمجتمعي للنازحين وللذين يعانون صدمات نفسية.

المعالجة النفسية كارين نخلة تقول إن ما يحدث يسبب "صدمات نفسية لا تتوقف". وتشير نخلة أيضا إلى أن الكثير من النازحين "لا يستطيعون الوصول إلى خدمات الصحة النفسية"، خاصة مع وصول كلفة الاستشارات النفسية الخاصة إلى قرابة 100 دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة إلى شريحة واسعة من اللبنانيين.

الطبيب بو خليل يلخص موضوع الصحة النفسية للبنانيين في الوقت الحالي بقوله إنه يلحظ زيادة في تناول الحبوب المنومة. ويقول "يريد الناس أن يناموا"، ومن الأسهل تناول الأدوية عندما لا يتوفر لديهم المال أو الوقت لاستشارة الطبيب.