"بنيامين تشرشل".. كيف حطم نتنياهو عقيدة بن غوريون؟

في عام 2014، شنت إسرائيل على قطاع غزة أعنف حروبها على الإطلاق فيما عرف باسم "عملية الجرف الصامد".

استخدم الجيش آنذاك نحو 20 ألف طن من القنابل والصواريخ ضد غزة، وقتل أكثر من 2300 فلسطينيا ودمر نحو 17 ألف منزل.

استغرقت تلك الحرب 51 يوما ولم تنتهِ بالقضاء على حماس، على الرغم من اجتياح الجيش للقطاع برياً ومسح مناطق بأكملها.

طول أمد الحرب كان مرهقا لإسرائيل في ذلك الوقت، خاصة وأنها وقعت خلال الصيف وأفسدت موسم السياحة وأوقعت خسائر اقتصادية تقدر بـ2.5 مليار دولار.

لذلك، قام رئيس أركان الجيش آنذاك غادي أيزنكوت بوضع خطة عسكرية خماسية تسمى "خطة جدعون" للأعوام 2016-2021.

وتقوم تلك الخطة على تحقيق الردع استباقاً لأي هجوم محتمل من خصوم إسرائيل وإدخالها في حرب، وتعزيز أنظمة الإنذار المبكر، وتحقيق النتيجة الحاسمة في المعركة بسرعة لتقليل الأضرار على إسرائيل.

العامل الأهم في تلك الخطة، كان التفوق التكنولوجي والسيبراني للجيش الإسرائيلي وقدرته على مهاجمة الأهداف عن بعد بالطائرات القتالية والمسيرة، ولذلك قامت خطة جدعون بتقليص دراماتيكي في عدد قوات الجيش الإسرائيلي ووحداته.

ثم جاء رئيس أركان الجيش الجديد أفيف كوخافي ليضع "خطة تنوفا" أو "خطة الزخم" للأعوام 2021-2026، والتي تستند إلى استخدام مستويات عالية ومكثفة من القوة النارية جواً وبراً وبحراً.

أحد أبرز استراتيجيات خطة تنوفا هي ما يعرف بالأحزمة النارية، والتي قامت إسرائيل باستخدامها للمرة الأولى في غزة عام 2021 ويجري استخدامها الآن بشكل مكثف في لبنان وغزة معاً.

الأحزمة النارية قائمة على مبدأ قصف منطقة معينة بعدد هائل من الصواريخ في نفس اللحظة، مثلما حدث في عملية اغتيال أمين عام حزب الله بـ80 صاروخا مرة واحدة نسفت 6 أبراج سكنية بالكامل.

بهاتين الخطتين، كان الجنرالات الإسرائيليون دائماً ما يؤكدون أن الحرب القادمة مع غزة ستكون الأخيرة وستكون أقصر بكثير من حرب الـ51 يوما في 2014.

قبل هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر بثلاثة أشهر، حذر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق والسياسي اليميني موشيه يعالون من أن وزراء حكومة نتنياهو المتطرفين مثل بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير يريدون "حرباً كبرى" لحسم الصراع.

وأضاف أنه من أجل الوصول لحرب "يأجوج ومأجوج"، كما وصفها، فإن الوزراء لن يتوقفوا عن استفزاز الفلسطينيين وخصوم إسرائيل لاستدراجهم لإشعال المنطقة.

ومنذ أن اندلعت الحرب على غزة إثر عملية "طوفان الأقصى"، استمر الوزيران برفض أي صفقة تبادل أسرى توقف الحرب بأي شكل من الأشكال.

وهدد كلاهما رئيس الوزراء نتنياهو بالانسحاب من التحالف الحاكم والتسبب في انهيار الحكومة والتوجه لانتخابات مبكرة تنهي مستقبل نتنياهو السياسي في حال قبوله التهدئة على غزة.

واستمر الثنائي بالضغط على نتنياهو أيضاً من أجل توسيع رقعة الحرب للبنان وإيران والضفة الغربية، وبمجرد اندلاع التصعيد الأخير بين حزب الله وإسرائيل، جدد الوزيران تهديدهما بالانسحاب من الحكومة في حال قبولها بالتهدئة في لبنان أو غزة.

أما رئيس الوزراء اليميني، فاستطلاعات الرأي منذ 7 أكتوبر تمنح تحالفه الحاكم نحو 55 مقعدا في أفضل الظروف من أصل 120 مقعدا في الكنيست، وهو ما يعني افتقاد الأغلبية البرلمانية لتشكيل حكومة يترأسها نتنياهو مرةً أخرى.

ولكن في كل مرة تقوم فيها إسرائيل بتنفيذ عمليات اغتيال ضد قيادات كبرى مثل حسن نصر الله وإسماعيل هنية أو بعمليات ميدانية مثل تفجير البيجرز، ترتفع شعبية نتنياهو في استطلاعات الرأي.

لذلك، يعول رئيس الوزراء على الاستمرار في القتال لحين تعافي شعبيته الانتخابية وضمان البقاء في منصبه في حال التوجه لانتخابات مبكرة.

بالإضافة للمحافظة على تحالفه الحاكم ومنع حكومته من الانهيار، هناك أمر آخر في حسابات نتنياهو الشخصية لإدامة المعركة، بحسب الجنرال غيورا آيلاند، وهو كيف سيذكره التاريخ وكيف سيكون شكل إرثه؟

نتنياهو تربع على عرش أسوأ كارثة في تاريخ إسرائيل بشكل قاطع في 7 أكتوبر، والتي قتل فيها أكبر عدد من الإسرائيليين في يوم واحد منذ عام 1948.

هذا الأمر دفع نتنياهو للقيام بأكبر عملية حشد للقوات في تاريخ إسرائيل بأكملها في بداية الحرب، إذ قام الجيش باستدعاء أكثر من 360 ألف جندي وضابط دفعة واحدة.

ويقول آيلاند إن نتنياهو يرى أنه كلما طالت الحرب قل ارتباطه في ذاكرة الشارع الإسرائيلي بكارثة 7 أكتوبر.

ويضيف الجنرال أن رئيس الوزراء يقول لنفسه "سأطيل أمد الحرب لعامين أو 3 أعوام أخرى، وسأحقق النصر الكامل على كافة الجبهات، وسأصبح الشخص الذي أنقذ إسرائيل".

في غضون تلك المدة، يحذر آيلاند، الذي شغل منصب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، من أن نتنياهو ينوي وضع اللوم في هجوم "طوفان الأقصى" على وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش ورئيس جهاز الشاباك والجنرالات الآخرين، وسيعمل على فصلهم أو دفعهم للاستقالة.

الإسرائيليون يقولون إن نتنياهو مغرور للغاية، ودائماً ما يشبه نفسه برئيس الوزراء البريطاني في الحرب العالمية الثانية وينستون تشرشل، الذي قامت في عهده ألمانيا النازية بإلحاق دمار شاسع ببريطانيا، لكنه صمد حتى النهاية وانتصر.

وبرزت تشبيهات نتنياهو نفسه بتشرشل خلال الحرب عندما قال "إذا كان علينا أن نقف وحدنا، فسوف نقف وحدنا. إذا اضطررنا إلى ذلك، فسوف نقاتل بأظافرنا".

لذلك، آيلاند يقول إن "نتنياهو يعيش في عالم خيالي من اللا لا لاند". ولكن الجنرال غيورا يضيف أن نتنياهو لا يقارن نفسه بتشرشل فحسب، بل بالرئيس الأميركي في الحرب العالمية الثانية فرانكلين روزفلت.

روزفلت كان الرئيس الأميركي عندما تعرضت الولايات المتحدة لهزيمة كبيرة في الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربور في ديسمبر 1941.

بعد ذلك الفشل المدوي، سارع روزفلت لدخول الحرب العالمية رسمياً ضد ألمانيا واليابان معاً، واستمر في القتال لأربع سنوات حتى حقق النصر الكامل، واليوم يذكر التاريخ روزفلت كأحد أعظم الرؤساء الأميركيين، وقد نسي الناس دوره في بيرل هاربور، بحسب الجنرال آيلاند.

نتنياهو الآن نجح في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، وأمين عام حزب الله حسن نصر الله، والعديد من قيادات الحزب وحماس الكبار.

لكن رئيس الوزراء في حاجة لصورة انتصار في غزة، عنوانها هو الوصول لرأس يحيى السنوار الذي تعتبره إسرائيل المسؤول الأول عن هجوم 7 أكتوبر.

الجيش الإسرائيلي غير مجهز بنيوياً على المعارك الاستنزافية الطويلة. فأكثر من 71% من قوات الجيش هم من ضباط وجنود الاحتياط المنخرطين في الحياة اليومية مثل موظفي القطاع الخاص وأصحاب المشاريع والمحال التجارية.

أما استدعاء عدد ضخم كـ360 ألفا الذين تم حشدهم في بداية الحرب وقطعهم عن أعمالهم لمدد وصلت لبعضهم أكثر من 200 يوم خلال العام الماضي، فإن ذلك يعني كارثة لأولئك الأفراد وللاقتصاد.

فالعديد من ضباط وجنود الاحتياط خسروا وظائفهم أو أفلست مشاريعهم الخاصة أو انهارت علاقاتهم الزوجية وتفككت أسرهم بسبب طول فترة غيابهم عن منازلهم وأعمالهم. وانقطاع هذا العدد الكبير عن سوق العمل يعني أيضاً تراجع إيرادات الدولة ونمو إسرائيل الاقتصادي.

بالإضافة لذلك، كلما طال أمد الحرب، استمر إغلاق اقتصاد البلاد وتراجعه. فانعدام الاستقرار الذي تولده الحرب يدفع السياح الأجانب والمستثمرين لهجر إسرائيل والابتعاد عنها.

كما أن صواريخ حزب الله وحماس تسببت بأضرار واسعة في المباني والأراضي الزراعية، وهو ما يثقل كاهل الحكومة الإسرائيلية من تعويضات وإعادة إصلاح ودفع كلفة مساكن مؤقتة لعشرات آلاف النازحين.

الحرب الإسرائيلية الحالية كلفت الاقتصاد الإسرائيلي ما يزيد عن 270 مليار شيكل على أقل تقدير، وهو ما يشكل نحو 10% من الناتج القومي الإجمالي.

لكن صحيفة جيروزاليم بوست تقول إن استمرار الحرب على جبهة غزة ولبنان سيرفع عجز الموازنة في إسرائيل لأكثر من 9.2% وسيدفع الاقتصاد للانكماش بنسبة 5% وهو ما يعتبر سيناريو كارثيا.

وفي حال توسع التصعيد ليشمل إيران، فإن ذلك العجز سيتجاوز 11.2% وستصل نسبة الدين العام لأكثر من 75% من الناتج القومي الإجمالي.