سياسة
داخل غرفة صغيرة وباردة في منزل بمدينة الحبيبية بالعاصمة بغداد، يجتمع قاسم الكعبي وأولاده الأربعة وزوجته حول مدفأة مازوت وهو يتذمر من غياب الكهرباء منذ أكثر من أسبوع، رغم انخفاض درجات الحرارة.
فالعراق في وجه عاصفة قديمة-جديدة سببها تراجع إمدادات الغاز الإيراني الذي بات "ورقة ضغط على العراق"، كما يرى خبراء طاقة واقتصاد عراقيون تحدثوا لبلينكس.
ويفسر بعض الخبراء أسباب انقطاع الكهرباء، بـ"تغلغل النفوذ الإيراني، وضغوطها المتواصلة" لاسيما مع مواسم الذروة بارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة. فما الذي يقف وراء خفض إمدادات الغاز الإيراني للعراق مع بدء موسم الشتاء؟ وهل السبب تخلف بغداد عن الدفع أم هي فعلا "ورقة ضغط" تستخدمها طهران لتأمين نفوذها، وما هي الحلول التي قد يلجأ إليها العراق للخروج من هذه الأزمة الموسمية؟
يشرح قاسم الكعبي بغضب عن عجز الحكومة في توفير الكهرباء بشكل منتظم لأكثر من 20 عاما، والتذرع بإمدادات الغاز الإيراني الذي يحرمهم الكهرباء مع كل صيف وشتاء، مشيرا إلى أن العراقيين سيبقون أسرى أهواء إيران ورحمتها في الحصول على الكهرباء.
يقول الكعبي إن الحكومات العراقية المتتالية ينتظرون "رضا الجارة"، وليس مهما أن يتجمد أولاده من البرد وأن يتذلل لأصحاب المولدات الأهلية لمنحهم مزيدا من "الأمبيرات" لتشغيل مدفأة كهربائية واحدة تحمي عائلته من البرد.
أزمة الكهرباء في العراق ظهرت بوضوح عندما قلّصت إيران كميات إضافية من الغاز إلى العراق خلال الأسبوع الماضي، ليتسبب بفقدان البلاد 5.5 غيغاواط بحسب ما أعلنت وزارة الكهرباء العراقية.
مشكلة إمدادات العراق بالغاز الإيراني بدأت في أكتوبر الماضي، عندما خفضت إيران الغاز الذي تورده للعراق إلى النصف، أي من 50 مليون متر مكعب يوميا إلى 25 مليون متر مكعب يوميا، لكن الأزمة لم تكن جلية بسبب اعتدال الطقس في العراق، وتراجع الأحمال على الطاقة الكهربائية إلى أقل المستويات.
لكن شهد العراق يوم الثلاثاء 3 ديسمبر، خروج 3 محطات كهرباء في بغداد وحدها عن الخدمة بسبب انحسار إمدادات الغاز الإيراني.
وأعلنت وزارة الكهرباء العراقية الأسبوع الماضي، توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل لأغراض الصيانة لمدة 15 يوما، ما تسبب في فقدان 5.5 غيغاواط من الطاقة الكهربائية من شبكتها الوطنية، بينما تقدر حاجته الفعلية من الكهرباء بنحو 40 ألف ميغاواط.
وأضافت الوزارة أن "الإمدادات انقطعت عن بغداد والمنطقة الوسطى ومحافظات الفرات الأوسط"، مؤكدة أنها "سترفع تنسيقها مع وزارة النفط لتعويض ما خسرته المنظومة من الغاز، في حين يرى خبراء طاقة تحدثوا لبلينكس أن العراق عاجز عن اتخاذ أي إجراءات لمعالجة الأزمة بالوقت الحالي لسد النقص من الطاقة".
العراق يعتمد في توليد الطاقة على 3 أنواع من الوقود:
وتقول وزارة الكهرباء إنها تعمل مع وزارة النفط على تأمين الوقود لسد النقص في الغاز الإيراني، غير أن المشكلة تكمن في أن ثلث محطات التوليد في العراق لا تعمل إلا على الغاز المستورد من إيران، وهو ما أكده الخبير النفطي ورئيس مركز العراق للطاقة، فرات الموسوي.
يقول الموسوي لبلينكس إن "توقف إمدادات الغاز الإيراني الأخير ليس بالجديد، حيث سبق ذلك تراجع في الغاز المورد في أكتوبر الماضي، وذلك لأغراض الصيانة بحسب ما ذكر الجانب الإيراني"، لافتا إلى أن "ذلك التراجع تسبب بخسارة العراق نحو 7 آلاف ميغاواط من الكهرباء"، موضحا أن التقليص الأخير تسبب بتراجع كميات الغاز الإيراني إلى 7 مليون متر مكعب من أصل 50 مليون متر مكعب قياسي يوميا.
يُرجع الموسوي السبب وراء تراجع إمدادات الغاز الإيراني إلى "معاناة إيران من مشاكل وانحسار في الطاقة الكهربائية، وبالتالي انقطاعات في التيار الكهربائي، ما دفعها إلى سد النقص من الوقود بالاعتماد على الغاز المورد إلى العراق"، مبينا أن "المشكلة الإيرانية ظهرت مع موسم الشتاء وحاجتها إلى الكهرباء، بجانب العقوبات المفروضة على قطاع الطاقة".
يستبعد الموسوي إمكانية معالجة النقص في الغاز الإيراني حاليا، لأن بعض محطات التوليد العراقية لا تعمل إلا على الوقود الإيراني، ما يجعل تعويض النقص عبر الوقود العراقي أمرا مستبعدا.
الخبير النفطي والاقتصادي نبيل المرسومي يرى أن هناك إرادات متنفّذة في العراق تعمل على إبقاء قطاع الكهرباء رهينة الغاز الإيراني. ويقول المرسومي لبلينكس "الطلب الكلي الحالي على الكهرباء يبلغ 36 ألف ميغاواط، بينما يبلغ حجم الطاقة المنتجة 26 ألف ميغاواط".
يشير خبير الطاقة إلى الفجوة الكبيرة بين الإنتاج والطلب، متوقعا استمرارها وتوسعها في السنوات المقبلة، ويرجّح "تصل حاجة الاستهلاك في العراق إلى 70 ألف ميغاواط بحلول العام 2050".
كما توقع المرسومي أن "يبقى العراق معتمدا على الغاز الإيراني خلال السنوات المقبلة، بسبب عدم وجود إرادة حقيقية لوقف الاعتماد على إيران في هذا المجال، إلى جانب البطء في استغلال الغاز المحلي، حيث لا يزال العراق ثالث أكبر دولة في حرق الغاز".
وقال إن "جهات متنفّذة تستهدف تعطيل إنتاج الغاز العراقي، وهو ما حصل خلال الهجمات الصاروخية التي طاولت حقل خورمر في كردستان، وهذه الجهات تسعى لتعطيل اعتماد العراق على الغاز المحلي".
يستبعد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني أن تكون "الصيانة" هي السبب الحقيقي وراء توقف الغاز الإيراني، مشيرا إلى أن إيران تلجأ بين الحين والآخر لوقف الغاز عن العراق بسبب حاجتها إليه أولا، ولأنها تحاول استخدام هذا الأسلوب كورقة ضغط على العراق من أجل الحصول على المستحقات المالية.
ويستبعد الخبير الاقتصادي حل مشكلة الكهرباء في العراق بسبب الفساد، وغياب الحلول والمعالجات الحقيقية والسريعة لمعالجة الأزمة، من جهة ثانية.
يشرح المشهداني ذلك بالقول: "فساد العقود السابقة التي أبرمت بشأن محطات الكهرباء، وعدم الجدية في البحث عن بدائل للغاز الإيراني، وعدم توجه الحكومة بشكل جدي نحو الطاقة الشمسية، وتأخر الربط الكهربائي مع دول الخليج وتركيا، كلها أسباب تعيق التقدم في ملف أزمة الكهرباء المستعصي في العراق".
وأضاف أن "العراق يعاني حاليا من عجز بـ10 الآف ميغاواط، ولذلك فإن العراق لن يستطيع الاستغناء عن الغاز الإيراني بالوقت القريب، وسيحتاج على الأقل من 3 إلى 5 سنوات من أجل الوصول إلى الحد الأدنى من الحاجة الحالية للكهرباء دون الأخذ بالاعتبار الزيادة الحاصلة على الطاقة خلال السنوات الخمس المقبلة".
ما يزال العراق منذ تسعينيات القرن الماضي، يعتمد نظام القطع المبرمج للطاقة الكهربائية جراء تدني مستويات إنتاج الطاقة، ويعتمد الأهالي على المولدات الأهلية لسد النقص.
ولسد هذا الفراغ، يستورد العراق الكهرباء والغاز من إيران بما يتراوح بين 30 و40 % من احتياجاته، لكنه يواجه صعوبة في سداد ثمن تلك الواردات بسبب العقوبات الأميركية التي تسمح لإيران فقط بالحصول على الأموال لشراء السلع غير الخاضعة للعقوبات؛ مثل الغذاء والدواء.
وبموازاة ذلك، تعوّل بغداد على:
ورغم الانتقادات الكبيرة، فإن وزارة الكهرباء العراقية أعلنت في مارس الماضي، توقيع عقد جديد لاستيراد الغاز من إيران مدته 5 سنوات، وأوضحت أن حجم واردات الغاز سيصل إلى 50 مليون متر مكعب يوميا.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة