في صباح يوم 6 يناير 2025، تلقّت أسرة الشابة الإثيوبية نعيمة جمال، رسالة جديدة من عصابة للاتجار بالبشر، كانت قد اختطفتها بعد وصولها إلى ليبيا بأيام، في أثناء محاولتها العبور إلى أوروبا. جلست الأسرة أمام شاشة الهاتف في صمت يملؤه القلق والذهول، مترقّبةً مصير ابنتها.
عندما فتحت الأسرة الرسالة، وجدت مرفقين: صورة ومقطع فيديو. كانت الصورة كافية لتجمّد أنفاسهم، إذ ظهرت فيها نعيمة، البالغة من العمر 20 عاما، جاثيةً على ركبتَيْها، وجسدها مكبّل بحبل أزرق، ويديها مقيَّدتان خلف ظهرها، وفمها مكمّم بقطعة قماش بني، تمنعها مِن الكلام. خلفها، ظهر عشرات الرجال والنساء يجلسون على الأرض في وضعيات انحناء، يثنون ركبهم أمام صدورهم، متّكئين برؤوسهم المنحنية على أذرعهم.
أما محتوى الفيديو فقد كان أشد قسوة، إذ ظهرت نعيمة معلّقة اليدين، تُضرَب بعنف، وتُلقَى عليها المياه بشكل متكرّر، في محاولةٍ لتنفيذ أسلوب التعذيب بالإيهام بالغرق.
على مدار الأشهر الـ7 التي مرت منذ اختطافها، استمر المختطفون في مطالبة أسرتها بفدية مالية لإطلاق سراحها، ومع مرور الوقت، تصاعدت قيمة الفدية تدريجيا لتبلغ 6 آلاف يورو.
قصة نعيمة ما هي إلا فصل من مأساة أكبر تعصف بالمهاجرين في ليبيا، التي أصبحت محورا مركزيا لاستغلال المهاجرين من دول أفريقيا، الساعين للوصول إلى أوروبا عبر طرق غير شرعية، ليجدوا أنفسهم في مواجهة شبكة واسعة من الانتهاكات والاستغلال.
في هذا الشأن، نقلت منظمة ميديتيرانيا عن الناشط ديفيد يامبيو، أحد الناجين من عصابات الاتجار بالبشر، قوله: "هذه هي حقيقة ليبيا اليوم. المزادات تعيدنا إلى زمن يُختزل فيه الإنسان إلى مجرد قوة ذراعيه، أو منحنيات جسده، أو سنوات عمره المحتملة. ليست هذه فوضى أو غياب قانون؛ هذه آلة تطحن الأجساد السوداء وتُحوِّلها إلى غبار".
اعرف أكثر
تُعد ليبيا من بين الدول التي تحتل مرتبة متقدمة عالميا في تهريب البشر، إذ حصلت على درجة 8.5 من 10، وفقا لتصنيف مؤشر الجريمة المنظمة العالمي لعام 2023.
ما يسهّل على العصابات عمليات الاتجار بالبشر في هذا البلد، هو تدفّق المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، في محاولة للعبور للقارة الأوروبية، إذ تجاوز عددهم الـ700 ألف في عام 2023، وفقا لتقرير نشرته جامعة نافارا الإسبانية.
في هذا الشأن، حذر تقرير بعثة تقصي الحقائق المستقلة التابعة للأمم المتحدة من تدهور الوضع الحقوقي في ليبيا، إذ وُثِّق ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من قِبل الجماعات المسلّحة والمليشيات.
بدوره، أشار تقرير نشرته الأمم المتحدة، إلى أن المهاجرين المحتجزين في مراكز تديرها إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية والجماعات المسلحة يتعرضون لاعتداءات جسيمة؛ تشمل العنف الجنسي والعمل القسري، بالإضافة إلى استغلالهم في أعمال شاقّة وخدمات لوجستية للجماعات المسلحة، مثل نقل الأسلحة والطهي والتنظيف والبناء والزراعة حتى إزالة الذخائر غير المنفجرة. كما يتم تجنيدهم قسرا في صفوف هذه الجماعات، مما يزيد من معاناتهم ويعمّق دائرة الانتهاكات بحقهم.
يشير تقرير نشرته وكالة أسشييتد بريس إلى اتهام جمعيات حقوقية الحكومات الأوروبية في الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها اللاجئون والمهاجرون في ليبيا. بدلا من حماية هؤلاء الأشخاص من سوء المعاملة، عملت هذه الحكومات على تعزيز نظام معقّد من الاستغلال، بالتعاون مع خفر السواحل الليبي وشبكات التهريب.
قدَّمت الدول الأوروبية، بما في ذلك إيطاليا، دعما ماليا وتقنيا لخفر السواحل الليبي لاعتراض المهاجرين في البحر وإعادتهم قسرا إلى ليبيا. هناك، يواجه هؤلاء المهاجرون احتجازا تعسفيا في مراكز مكتظة وغير صحية، إذ يتعرّضون للتعذيب والعمل القسري والابتزاز.
وعلى الرغم من معرفتهم المسبقة بالانتهاكات المستمرّة، استمرّت الحكومات الأوروبية في تمويل وتدريب المليشيات، بالإضافة إلى عقد صفقات مع قادة الجماعات المسلحة لمنع تدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط.
كما يؤكّد تقرير المنظمة أن أوروبا وضعت ضمن أولويات سياساتها إغلاق الطرق البحرية، دون أي اعتبارٍ للمعاناة الإنسانية التي تسببت بها هذه الإجراءات.