أوقف الجيش اللبناني، السبت ١٨ يناير، عددا من المُهربين بين لبنان وسوريا، وذلك إثر كمين أمني جرى تنفيذه بناء لمعلومات استخباراتية مُسبقة.
العملية الأمنية حصلت في بلدة كفرزبد وقد أسفرت عن توقيف عدد من الأشخاص بينهم شبان سوريون. وتبين أنّ المهربين كانوا يحاولون الانتقال بين لبنان وسوريا بواسطة سيارات رباعية الدفع ومن خلال أحد المعابر غير الشرعية التي تربط لبنان بسوريا، وتحديدا عبر مسرب جبلي.
ويأتي هذا الكمين بعد عملية أمنية نفذها الأمن العام السوري، الجمعة، أسفرت عن ضبط أسلحة كان يتم التحضير لتهريبها من سوريا إلى لبنان.
أيضا، جاءت العملية الأخيرة التي نفذها الجيش اللبناني إثر اشتباكات عنيفة شهدتها الحدود السورية - اللبنانية، الثلاثاء الماضي، بين مسلحين لبنانيين وآخرين سوريين أسفرت عن سقوط قتيل وجريح.
واشتباك يوم الثلاثاء هو الثاني من نوعه عند الحدود اللبنانية - السورية منذ 3 يناير الجاري، حيث شهد منطقة معربون اللبنانية اشتباكات عنيفة بين الجيش اللبناني ومسلحين، أسفرت عن إصابة عدد من عناصر الجيش.
فقد شهدت الحدود اللبنانية-السورية جولتان من الاشتباكات في غضون 10 أيام فقط، الأولى كانت يوم 3 يناير الجاري بين الجيش اللبناني ومهربين في بلدة معربون الحدودية، فيما الثانية كانت فجر الثلاثاء، 14 يناير، بين مسلحين سوريين من بلدتي المصرية والنهرية من جهة ومسلحين لبنانيين من بلدة حوش السيد في شرق لبنان من جهة أخرى.
الاشتباكات هذه تأتي وسط مساعٍ لبنانية لفتح علاقات رسمية مع الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، حيث زاره رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، السبت الماضي، وذلك في إطار التنسيق بين السلطتين اللبنانية والسورية.
أيضا، اتصل الشرع بالرئيس اللبناني جوزيف عون مهنئا إياه بتولي الرئاسة، فيما أكد الطرفان أهمية تطوير العلاقات بين البلدين.
أما الآن، وبعد تكليف القاضي نواف سلام، الإثنين 13 يناير، تشكيل حكومة جديدة في لبنان خلفا لميقاتي، تُطرح تساؤلات عن ملفات أساسية تحكم علاقات لبنان وسوريا، وعن الخطوات المطلوب اتخاذها بين البلدين، فيما من المعروف أن هناك 3 ملفات أساسية تطرح نفسها الآن وهي: الحدود، المفقودون اللبنانيون في سوريا، والودائع المالية السورية في المصارف اللبنانية.
أيضا، يطرح الآن جانب مهم جدا يتعلق بحزب الله في لبنان الذي خسر رئاستي الجمهورية والحكومة، وعما إذا كانت العلاقات السورية-اللبنانية ستؤثر عليه وتساهم في إضعافه أكثر.
محللون وخبراء تحدثت معهم بلينكس شرحوا تفاصيل الوضع الجديد بين لبنان وسوريا، كاشفين عن وضع حزب الله وسط الانفتاح اللبناني المستجد على سوريا..
فماذا قالوا عن شكل العلاقة المستجدة بين البلدين وتأثيرها على حزب الله؟ ماذا عن الحدود ووضعها؟ وما هو مصير ملف المفقودين والودائع السورية في لبنان؟
اعرف أكثر
يقول الصحفي اللبناني والأستاذ الجامعي راغب جابر لبلينكس إن العلاقات السورية-اللبنانية لم تكن سوية خلال الـ60 عاما الماضية، مشيرا إلى أنها "كانت غير متكافئة باعتبار أن سوريا كانت تتحكم بالداخل اللبناني".
جابر اعتبر أن التغيرات الهائلة في سوريا بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد يوم 8 ديسمبر الماضي، فتحت الباب أمام علاقات ندية ومتكافئة بين بلدين شقيقين شرط أن تكون الأمور قائمة على الود، ومن دون استقواء طرف على آخر مثلما كان يجري سابقا.
ورأى جابر أن أحمد الشرع عبر عن هذا الأمر في خطابه إبان زيارة ميقاتي إلى سوريا، إذ دعا اللبنانيين لمحو آثار العقلية القديمة عن سوريا، وأضاف "المؤشرات الآتية حاليا من سوريا مبشرة وتقول إنه سيكون هناك تكافؤ بين البلدين رغم أن هناك ملفات شائكة جدا وبحاجة إلى معالجة، منها النزوح، التهريب والودائع السورية في لبنان".
أيضا، قال جابر إن ملف المفقودين سيكون في سلم أولويات العهد الجديد في لبنان، مؤكدا أن هذا الملف يعتبر ضاغطا ويجب أن يأخذ مجالا واسعا من البحث والمتابعة، وأضاف "الكثيرون ما زالوا مجهولي المصير ولبنان تلقى إشارات واضحة من الإدارة السورية بمتابعة هذا الملف الذي يصب في خانة الأولويات التي تحدث عنها الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون".
من ناحيته، يقول المحلل السياسي وجدي العريضي لبلينكس إنّ انهيار نظام الأسد أسس لتحول جذري على صعيد علاقة لبنان بسوريا، متحدثا عن خطوة أساسية يجب اتخاذها بين الدولتين وهي إلغاء معاهدة التنسيق والأخوة وصولا إلى إلغاء المجلس الأعلى اللبناني-السوري، وأضاف "هذا الأمر يحتاج إلى عمل برلماني في لبنان وسوريا أيضا، لإلغاء الاتفاقية المذكورة والمجلس والشروع لوضع ترتيبات جديدة".
وذكر العريضي أنه باتت هناك حاليا علاقة "سوية" بين البلدين، قائمة على عدم تدخل أي دولة بشؤون الدولة الأخرى، وهذا الأمر كان مفقودا منذ سنوات طويلة إبان نظام الأسد الذي أثر سلبا على لبنان.
المعروف أن الحدود بين لبنان وسوريا شاسعة جدا، ويقول الخبير العسكري والاستراتيجي هشام جابر لبلينكس إن مداها يصل إلى 320 كلم وتمتد بين شرق لبنان وشماله.
يشرح جابر أن الحدود بين لبنان وسوريا مرسمة بشكل طبيعي في العديد من المناطق، متحدثا عن وجود مناطق متداخلة، وتابع "لذلك، أول خطوة يجب فعلها هو تشكيل لجنة بين البلدين لترسيم الحدود ووضع إشارات عليها، وهذا الأمر لا يأخذ وقتا طويلا ويمكن إنجازه بسرعة بعد إنهاء الترتيبات الجديدة للدولة السورية".
كذلك، قال جابر إن المعابر الشرعية لا تحتاج إلى ترسيم بل أمرها يتطلب تعاونا وتجهيزا، بالإضافة إلى ضبط عمليات الانتقال عليها ومنع التهريب.
ولكن ماذا عن ضبط الحدود وهل هذا الأمر سهل؟ يوضح جابر أنّ هناك أكثر من 30 – 40 معبرا غير شرعي بين لبنان وسوريا، مشيرا إلى أن الجيش اللبناني يحاول ضبط الحدود بنسبة تصل إلى 50%.
جابر كشف أنه اقترح في السابق على قيادة الجيش اللبناني استخدام طائرات من دون طيار غير باهظة الثمن يمكن ربطها بغرفة عمليات وعبرها يتم مراقبة الحدود بشكل مستمر، وأضاف "هذا الأمر لم يؤخذ به، علما أن أبراج المراقبة لا تؤدي الدور المطلوب مقارنة بالطائرات في الجو".
وتابع "في حال تم اعتماد خطة استخدام الطائرات، عندها فإنّ نسبة ضبط الحدود سترتفع إلى 90%، لكن هذا الأمر يشترط حصول تنسيق بين الجانبين اللبناني والسوري مع تبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن عمليات التسلل والتهريب وغيرها".
قبل سقوط نظام بشار الأسد، كان حزب الله متواجدا في سوريا عبر قواته العسكرية، فيما كان هناك أيضا انتشار للحرس الثوري الإيراني وتحديدا إبان الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد اعتبارا من العام 2011.
الآن، وبعد ولادة إدارة جديدة وانقطاع خط الإمداد من إيران إلى حزب الله عبر سوريا، باتت تُطرح تساؤلات عن مدى تأثر الحزب بالعلاقات الجديدة بين بيروت ودمشق.
في حديثه مع بلينكس، يقول الأستاذ الجامعي راغب جابر إنَّ الدور الإقليمي لحزب الله انتهى وبات نطاقه محصورا بالداخل اللبناني، وأضاف "عسكريا، فإن دور الحزب تقلص كثيرا وسينتهي، ونظرية وحدة الساحات التي تبناها مع فصائل أخرى في المنطقة مثل حماس في غزة والحوثيين في اليمن وغيرهم، قد سقطت، في حين أن انقلاب نظام الحكم في سوريا كان الضربة الكبيرة التي تلقاها الحزب".
أما العريضي فيقول إنّ الخاسر الأكبر بعودة العلاقات بين سوريا ولبنان بعد سقوط الأسد هو حزب الله، باعتبار أن الأخير خسر خط إمداده من سوريا كما أن السلطة هناك لم تعد معه، وأضاف "حين تكون هناك دولة متماسكة سواء في لبنان أو سوريا بالإضافة إلى علاقات سوية بين بيروت ودمشق، فإن هذا الأمر سيساهم بإضعاف حزب الله لاسيما بعد خروج إيران من المنطقة".
اللافت في حديث أحمد الشرع خلال لقائه مع ميقاتي، هو التطرق إلى مسألة الودائع السورية في لبنان وإمكانية استردادها، علما أن لبنان يعاني من أزمة مالية منذ العام 2019 فيما مصير ودائع اللبنانيين معلق وغير معروف.
الخبير الاقتصادي والمالي إيلي يشوعي قال لبلينكس إنّ الودائع المصنفة في لبنان مقسمة إلى شقين، الأول وهو ودائع المقيمين والثاني ودائع غير المقيمين، مشيرا إلى أنه قبل الانهيار المالي عام 2019، تراوحت ودائع غير المقيمين بين 20 و 25% من مجموع الودائع في المصارف التي تجاوزت قبل الانهيار عام 2019 نحو 120 مليار دولار.
يشوعي تساءل عن مدى قدرة لبنان على رد الودائع السورية بينما هو عاجز عن كشف مصير ودائع اللبنانيين، مشيرا إلى أنّ هذا الأمر يتسم بالكثير من الضبابية فيما الأرقام بشأن المبالغ التي تطالب بها دمشق غير معروفة.