سياسة

لماذا تقلق الصين من تقارب موسكو وواشنطن؟

نشر
Bouchra Kachoub
في الوقت الذي يثير فيه التقارب بين الولايات المتحدة وروسيا قلق الحكومات الأوروبية، فإن الصين أيضا تتابع هذه التطورات بحذر بالغ، إذ قالت صحيفة فاينانشال تايمز، إن الرئيس الصيني شي جينبينغ سيكون حذرا مما يراه بعض المحللين الصينيين على أنه محاولة أميركية لدق إسفين بين بكين وشريكتها المقربة، موسكو.
يأتي هذا في الوقت الذي أعلن فيه المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، مساء الثلاثاء 4 مارس، قوله إن الرئيس فلاديمير بوتين وافق على التوسط بين إيران والولايات المتحدة في محادثات تتعلق بالأسلحة النووية، حسب ما نقلت قناة زفيزدا الروسية الحكومية.
ومع وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السلطة مجددا، تزداد المؤشرات على أن واشنطن قد تسعى إلى استعادة علاقاتها مع موسكو، وهو سيناريو يحمل في طياته تداعيات كبيرة على بكين التي استفادت اقتصاديا ودبلوماسيا من عزلة روسيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022، وفقا لتقرير نشرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية.
وقال يون سون من مركز ستيمسون، وهو مركز أبحاث غير حزبي مقره الولايات المتحدة، إن "اعتماد روسيا على الصين سيتراجع تلقائيا بمجرد أن تحسن مكانتها الدولية"، وفق ما نقلت صحيفة إيكونوميست تايمز.

هل يسعى ترامب لإبعاد روسيا عن الصين؟

تشير تصريحات العديد من المسؤولين الأميركيين إلى أن إدارة ترامب ترى في إصلاح العلاقات مع موسكو أداة استراتيجية يمكن أن تخدم هدفها الأوسع في احتواء الصين.
ففي 14 فبراير، قال نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في مقابلة مع وول ستريت جورنال إن واشنطن مستعدة لإعادة ضبط علاقاتها مع الكرملين بمجرد التوصل إلى اتفاق بشأن أوكرانيا، في خطوة تهدف إلى إنهاء عزلة روسيا وتقليل اعتمادها الاقتصادي على الصين.
من جانبه، أعرب كيث كيلوغ، المبعوث الأميركي إلى أوكرانيا، خلال جلسة نقاشية في مؤتمر ميونيخ للأمن، عن أمل الولايات المتحدة في دفع بوتين إلى اتخاذ قرارات غير مريحة، وهو ما قد يشمل تفكيك تحالفات موسكو مع إيران، وكوريا الشمالية، والصين.
لكن توماس غراهام، المدير السابق لشؤون روسيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، قال إنه من غير المرجح أن تتمكن الولايات المتحدة من كسر استراتيجية موسكو طويلة الأمد لتعميق شراكتها مع بكين، بحسب فاينانشال تاميز.

لماذا تخشى الصين هذا السيناريو؟

منذ بداية الحرب في أوكرانيا، دعمت الصين الاقتصاد الروسي من خلال تعزيز التجارة وشراء الطاقة، كما زوّدت موسكو ببعض التقنيات الحيوية التي عززت قدرتها على الصمود أمام العقوبات الغربية. وقد وجد كل من شي جين بينغ وفلاديمير بوتين أرضية مشتركة في معارضتهما للغرب وسعيهما لإنهاء الهيمنة الأميركية على النظام الدولي وتعزيز نظام عالمي متعدد الأقطاب.
وبحسب ما صرح به ساري أرهو هافرين، الباحث في معهد المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، لـ راديو أوروبا الحرة، فإن الصين كانت تفضل بقاء روسيا ضعيفة واستمرار الحرب الأوكرانية لأنها تبقي انتباه الولايات المتحدة مشتتًا بعيدًا عن المحيط الهادئ، حيث تمثل الصين التهديد الأكبر للمصالح الأميركية.
كما تخشى بكين من أن أي تقارب أميركي-روسي سيمنح واشنطن حرية أكبر لتعزيز وجودها العسكري في المحيط الهادئ والاستعداد بشكل أكثر فاعلية لأي مواجهة محتملة حول تايوان، الجزيرة التي تعتبرها الصين جزءا لا يتجزأ من أراضيها.

هل يمكن لواشنطن تفكيك التحالف الصيني-الروسي؟

يشكك بعض المحللين في قدرة واشنطن على تحقيق انفصال كامل بين موسكو وبكين، خاصة في ظل العلاقة الوثيقة التي بناها بوتين مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وفقا لشبكة سي إن إن. لكن المخاوف الصينية ليست بدون أساس، إذ إن التاريخ يكشف أن واشنطن نجحت في الماضي في تنفيذ مثل هذه الاستراتيجية.
في أواخر الستينيات، شهدت العلاقات بين الاتحاد السوفيتي والصين توترات كبيرة بسبب نزاعات حدودية دامية عام 1969، ولم يتم التوصل إلى حلول نهائية لها إلا في التسعينيات. وبعدها، استغل الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ومستشاره هنري كيسنجر هذا الشرخ في العلاقات الشيوعية وقاما بتطبيع العلاقات مع بكين في خطوة قلبت موازين القوى في الحرب الباردة لصالح الولايات المتحدة.
ومع أن الصين وروسيا في الوقت الراهن لديهما مصالح مشتركة، فإن كلًا منهما تسعى أيضا إلى الحفاظ على استقلالية سياستها الخارجية. وقد أشار المحلل الصيني يو سان إلى أن العلاقات بين البلدين تستند إلى تعزيز التعددية القطبية وبناء مؤسسات دولية منافسة للغرب مثل منظمة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، ولذلك فمن غير المرجح أن يتخلى أي منهما عن هذا التعاون بسهولة بسبب وجود ترامب في السلطة لفترة محدودة.

الصين تحاول إخفاء مخاوفها

رغم القلق المتزايد داخل الأوساط السياسية الصينية، فإن بكين تحاول التظاهر بدعم الجهود الدبلوماسية الأخيرة بين موسكو وواشنطن. ففي 21 فبراير، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال اجتماع لمجموعة العشرين في جنوب أفريقيا إن "الصين تدعم جميع الجهود المكرسة لتحقيق السلام، بما في ذلك التوافق الأخير بين الولايات المتحدة وروسيا"، مضيفًا أن بكين مستعدة "للعب دور بناء" في أي مفاوضات سلام.
لكن خلف الكواليس، تدرك الصين أن تقاربا أميركيا-روسيا يمكن أن يضر بشراكتها "غير المحدودة" مع موسكو. في هذا الشأن، صرح إيرل وانغ، الباحث في معهد العلوم السياسية في باريس، لصحيفة لوفيغارو أن "الصين لم تنسَ أنها العدو الأول للإدارة الأميركية الجديدة، وهي تخشى أن يحاول ترامب إقناع بوتين بالانقلاب عليها"، تمامًا كما فعل نيكسون مع الصين خلال الحرب الباردة.
بل إن الصين حاولت تقديم نفسها كوسيط في المحادثات بين واشنطن وموسكو، إذ اقترحت مؤخرا استضافة القمة الأولى بين ترامب وبوتين على أراضيها، وفقا لتقرير وول ستريت جورنال. لكن إدارة ترامب رفضت هذا العرض، مفضلةً المملكة العربية السعودية كوجهة للقمة الأولى. هذه الخطوة اعتبرها محللون مؤشرا على أن ترامب غير مستعد لمنح الصين أي دور في التسويات الكبرى، بل يسعى إلى تهميشها.
لكن بالنسبة للصين، قالت إليزابيث ويشنك من معهد ويذرهيد لدراسات شرق آسيا في جامعة كولومبيا "سيكون السيناريو الأمثل هو تمكن روسيا من الاحتفاظ بمكاسبها الإقليمية على حساب أوكرانيا، وتكون قادرة مع ذلك على إعادة الاندماج في المجتمع الدولي".
وأضافت أن مثل هذه النتيجة "ستشجع القادة الصينيين على السعي لتحقيق عمليات ضم إقليمية خاصة بهم دون التعرض لعواقب محتملة"، في إشارة واضحة إلى مطالب بكين بتايوان.

روسيا تُطمئن الصين

في ظل التقارب المتزايد بين واشنطن وموسكو، تسعى روسيا إلى تعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع الصين، حيث التقى أمين مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو بالرئيس شي جينبينغ في بكين، عقب اتصال بين شي وبوتين، أشاد فيه الرئيس الصيني بجهود موسكو لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وخلال الاجتماع الذي حضره وزير الخارجية الصيني وانغ يي، وصف شي جينبينغ العلاقات بين البلدين بأنها "شراكة بين جارتين صديقتين"، مؤكدا على الإبقاء على اتصالات وثيقة وتنفيذ مشاريع استراتيجية مشتركة خلال العام الجاري.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة