"إسرائيل نظريا وفعليا تصادر الأراضي".. بهذه العبارة يصف إبراهيم تحركات إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية ستضطره إلى مغادرة قريته.
على بعد أمتار قليلة من أطراف قرية بردلة الفلسطينية الواقعة في أقصى شمال الضفة الغربية المحتلة، كان الجيش الإسرائيلي يجرف طريقا ترابيا بين القرية ومراعي مفتوحة على التلال خلفها.
وقال الجيش الإسرائيلي لرويترز إن أعمال التجريف تستهدف تحقيق الأمن والسماح بتسيير دوريات في المنطقة بعد مقتل مدني إسرائيلي في أغسطس، بالقرب من القرية على يد رجل من بلدة أخرى.
ويخشى مزارعون من قرية غور الأردن الخصبة أن تؤدي دوريات الجيش والمستوطنون الذين ينتقلون إلى هناك إلى إقصائهم من المراعي التي تتغذى عليها نحو 10 آلاف رأس من الماشية، كما حدث في مناطق أخرى بالضفة الغربية، مما يقوض سبل عيشهم ويدفعهم في النهاية إلى مغادرة القرية.
وظهرت منذ العام الماضي نقاط استيطانية إسرائيلية حول القرية، إذ ترفرف أعلام إسرائيلية على تلال قريبة.
وقالت 4 عائلات بدوية ومنظمات إسرائيلية معنية بحقوق الإنسان لرويترز إن المستوطنين أرهبوا الرعاة من البدو شبه الرحل لحملهم على التخلي عن مواقعهم في المنطقة العام الماضي.
تجريف طريق قرب قرية بردلة. رويترز
وتأتي التحركات الإسرائيلية ضمن سعي متجدد لضم الضفة الغربية رسميا إلى إسرائيل، وهو اقتراح أيده بعض مساعدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ويحتل الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية منذ حرب 1967.
فماذا يحصل في بردلة؟ وماذا يقول الجيش الإسرائيلي؟ وهل تقسّم إسرائيل مشروع الدولة الفلسطينية؟
اعرف أكثر
قال إبراهيم صوافطة، عضو مجلس قرية بردلة، إن 20 مزارعا سيُمنعون من الوصول إلى أراضي الرعي إذا أعاق الجنود وبؤر المستوطنين حركتهم. وسيضطرون إلى بيع ماشيتهم لعدم قدرتهم على الاحتفاظ بأعداد كبيرة منها في حظائر داخل القرية.
وأضاف وهو جالس على مقعد خارج منزله في القرية "بردلة سوف تصبح سجن صغير".
وأوضح أن الهدف هو "مضايقة الناس وإجبارهم على الرحيل من غور الأردن".
بيوت بلاستيكية للفلسطينيين قرب بردلة. رويترز
وبحسب صوافطة، فإن مسلحين يأتون عادة إلى المنطقة من بلدات إلى الغرب ويبدو أن الحاجز يهدف إلى جعل الوصول أكثر صعوبة وإجبار المارة على السير عبر الطرق الرئيسية حيث تقع نقاط تفتيش أمنية تحت السيطرة الإسرائيلية.
لكنه شدد على أن تأثير تلك الخطوة سيكون عرقلة الوصول إلى أراض يمتلكها سكان القرى في بعض الحالات.
وردا على طلب للتعليق من رويترز، قال الجيش إن المنطقة الواقعة خلف الطريق الترابي خارج بردلة تم تحديدها كمنطقة لإطلاق النار ولكنها تشمل "ممرا" يحرسه جنود إسرائيليون، مما يشير إلى قيود على حرية الحركة في المنطقة.
وأضاف أن الممر سيسمح "باستمرار الحياة اليومية وتلبية احتياجات السكان"، دون الخوض في مزيد من التفاصيل.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، شاهد مراسلون من رويترز أن كرفانات وأماكن للعيش المؤقت بدأت تظهر على التلال المغطاة بالشجر على بعد بضع مئات من الأمتار إلى الغرب من بردلة، على أرض خلف الطريق الجديد. وكانت أماكن العيش المؤقتة كتلك التي ظهرت قرب بردلة من العلامات الأولى على بناء مستوطنات جديدة.
وتعد السيطرة العسكرية المشددة في غور الأردن ووصول البؤر الاستيطانية إلى المنطقة خلال الأشهر القليلة الماضية تطورات جديدة في مناطق من الضفة الغربية تجنبت في أغلب الأحوال الوجود الإسرائيلي الكثيف على الأرض كما جرى في المناطق الوسطى من الأراضي الفلسطينية.
ومع كل تقدم للمستوطنات والطرق الإسرائيلية، تصبح المنطقة أكثر تفتتا، مما يقوض احتمالات وجود أرض متصلة يمكن للفلسطينيين بناء دولة ذات سيادة عليها.
وتأتي الإجراءات المتبعة حول بردلة في إطار جهد إسرائيلي أوسع لإعادة تشكيل الضفة الغربية. فعلى مدى العام ونصف العام منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، تسارعت وتيرة الاستيطان في المناطق التي يُنظر إليها على أنها رئيسية لتأسيس دولة فلسطينية في المستقبل.
وفي الأسابيع القليلة الماضية أسفرت مداهمات للجيش الإسرائيلي في مخيمات للاجئين بالقرب من مدن بالضفة الغربية منها جنين وطولكرم وطوباس، القريبة من بردلة، عن فرار عشرات الآلاف من السكان من منازلهم مما أدى إلى تأجيج المخاوف من نزوح دائم.
تقع قرية بردلة التي يقطنها نحو 3 آلاف نسمة على بعد أمتار قليلة من الخط الذي كان يفصل قبل عام 1967 بين الضفة الغربية وإسرائيل.
ومضى الازدهار قدما بخطوات هادئة في القرية على مدى الثلاثين عاما الماضية بينما كانت عمليات الاستيطان الإسرائيلية تبتلع آلاف الهكتارات من الأراضي في أجزاء أخرى من الضفة الغربية.
وتؤكد حقول الذرة ومجموعات الصوبات الزراعية المغطاة بالبلاستيك، حيث يزرع المزارعون الباذنجان والفلفل والكوسة لأسواق الضفة الغربية وإسرائيل، مدى خصوبة الأرض في الشريط الضيق من الوادي الممتد بمحازاة نهر الأردن، من البحر الميت شمالا وحتى بحر الجليل.
لكن الطريق الجديد الذي تسيطر عليه إسرائيل سوف يضغط على القرية باتجاه الطريق السريع رقم 90، وهو طريق يمتد من الشمال إلى الجنوب على الحدود النهرية مع الأردن من البحر الميت. وينتهي الطريق السريع رقم 90 عند الخط الفاصل بين الضفة الغربية وإسرائيل، على مشارف القرية مباشرة. ويتسم الخط الفاصل بسياج مرتفع.
وأشار درور إتكيس، مؤسس منظمة (كرم نابوت) الإسرائيلية لحقوق الإنسان، إلى تجارب سابقة في قرى أخرى قائلا إن الطريق الجديد والنشاط الاستيطاني من شأنه أن يحول دون وصول الفلسطينيين إلى المنطقة الواقعة شمال بردلة "حتى الجدار الفاصل".
وأضاف أن السلطات "ستصادر بضعة آلاف من الدونمات، معظمها من الأراضي الزراعية، وتمنع الفلسطينيين من زراعة هذه الأراضي". والدونم الواحد يعادل 10% من الهكتار.
سُميت الضفة الغربية بهذا الاسم بسبب موقعها بالنسبة للنهر الذي يفصلها عن الأردن، ويعتبرها القوميون المتدينون في إسرائيل منذ فترة طويلة جزءا من إسرائيل الكبرى بناء على روابط تاريخية ودينية باليهود.
وتسارع بناء المستوطنات الإسرائيلية تحت إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفاء له في الحكومة مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهو نفسه مستوطن، الذي قال العام الماضي إنه سيضغط من أجل الحصول على دعم واشنطن لضم الضفة الغربية في عام 2025.
وتقول منظمة (السلام الآن) الإسرائيلية التي تتابع بناء المستوطنات إنه منذ بدء الحرب في غزة تم بناء 43 بؤرة استيطانية جديدة تشكل كل منها نواة لبناء مستوطنة بعد ذلك، في الضفة الغربية.
وكان معظمها من البؤر الاستيطانية الزراعية التي تم إنشاؤها بطرد فلسطينيين من الأراضي الزراعية. وتقول بيانات للسلطة الفلسطينية إن ما لا يقل عن سبعة من هذه البؤر تم بناؤها في غور الأردن.
ومنذ شهور يتعرض البدو الذين يعيشون في أكواخ شبه دائمة في التلال التي ترعى بها الأغنام والماعز بأنحاء غور الأردن لمضايقات من جانب مجموعات من المستوطنين ترتكب أعمال عنف.
واضطر محمود كعابنة لمغادرة منزله في أم الجمال، وهي منطقة في التلال على بعد نحو 20 كيلومترا جنوب بردلة، إلى طوباس مع عشرات العائلات الأخرى بعد اقتحامات متكررة من مجموعات مستوطنين.
وقال كعابنة "المستوطنين اعتادوا يهاجمونا كل سبت وما بخلونا نقدر نترك بيوتنا نهائيا".