اتفاق دمشق وقسد.. ماذا عن الميدان وتسليم السلاح؟
وقّع الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديموقراطية مظلوم عبدي أمس، الإثنين، اتفاقا يقضي "بدمج" كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية، وذلك في إطار مساعي السلطة الجديدة لتكريس شرعيتها في البلاد.
وجاء الإعلان عن الاتفاق المؤلف من ٨ بنود ويُفترض أن تعمل لجان مشتركة على إتمام تطبيقه قبل نهاية العام، في وقت تشكل فيه أعمال العنف التي أوقعت أكثر من ألف قتيل مدني، غالبيتهم الساحقة علويون، في الساحل السوري، اختبارا مبكرا للشرع الساعي إلى ترسيخ سلطته على كامل التراب السوري.
ونشرت الرئاسة السورية بيانا وقّعه الطرفان الإثنين وجاء فيه أنه تم الاتفاق على:
- ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.
- الاعتراف بالمجتمع الكردي كمكون أصيل في الدولة السورية، وضمان حقوقه في المواطنة وكافة الحقوق الدستورية.
- وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية.
- دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز.
- ضمان عودة جميع المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم، وتأمين حمايتهم من قبل الدولة السورية.
- دعم الدولة السورية في مكافحة فلول الأسد وكافة التهديدات التي تمس أمنها ووحدتها.
- رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري.
- تعمل وتسعى اللجان التنفيذية على تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي.
وفي وقت لاحق، قال عبدي في منشور على منصة إكس إن "الاتفاق فرصة حقيقية لبناء سوريا جديدة تحتضن جميع مكوّناتها وتضمن حسن الجوار"، مضيفا "في هذه الفترة الحسّاسة، نعمل سويا لضمان مرحلة انتقالية تعكس تطلعات شعبنا في العدالة والاستقرار".
وتسيطر الإدارة الذاتية الكردية المدعومة أميركيا على مساحات واسعة في شمال وشرق سوريا، تضم أبرز حقول النفط والغاز.
وشكّلت قوات سوريا الديموقراطية، ذراعها العسكرية، رأس حربة في قتال تنظيم داعش وتمكنت من دحره من آخر معاقل سيطرته في البلاد عام 2019.
فور الإعلان عن توقيع الاتفاق، شهدت مدن سورية عدة تجمعات احتفالا، بينها مدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية.
وقبل عام 2011، عانى الأكراد طيلة عقود من سياسة تهميش اتبعتها الحكومات المتلاحقة، لكن نفوذهم تصاعد بعد انسحاب قوات النظام من مناطق تواجدهم بدءاً من 2012 مع اتساع رقعة النزاع.
وبعدما عانوا خلال حكم عائلة الأسد من تهميش وقمع طوال عقود، حُرموا خلالها من التحدث بلغتهم وإحياء أعيادهم وتم سحب الجنسية من عدد كبير منهم، بنى الأكراد خلال سنوات النزاع إدارة ذاتية في شمال شرق سوريا ومؤسسات تربوية واجتماعية وعسكرية.
وشملت الإدارة الذاتية بداية مناطق ذات غالبية كردية قرب الحدود مع تركيا، لكنها توسّعت تدريجيا لتشمل مناطق ذات غالبية عربية مع سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وعمادها المقاتلون الأكراد، بدعم أميركي، على مساحات شاسعة كانت تحت حكم تنظيم داعش.
ماذا عن تسليم السلاح وحل التشكيل العسكري؟
ويشكل المكون العربي أكثر من ستين في المئة من سكان مناطق الإدارة الذاتية، وفق الباحث في الشأن السوري فابريس بالانش.
ومنذ وصول السلطة الجديدة الى دمشق، ابدى الأكراد انفتاحا، معتبرين أن التغيير "فرصة لبناء سوريا جديدة.. تضمن حقوق جميع السوريين".
لكن الأكراد استُبعدوا من الدعوة لمؤتمر حوار وطني عقد الشهر الماضي في دمشق وحدد عناوين المرحلة الانتقالية، بذريعة أنهم لم يلبّوا دعوة دمشق في التخلي عن سلاحهم وحل قواتهم، على غرار العديد من الفصائل المعارضة.
وجاء توقيع الاتفاق الذي لم يشر إلى تسليم السلاح أو حل التشكيل العسكري، بعد دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، في إعلان تاريخي في 27 فبراير، إلى حل الحزب والقاء السلاح، في خطوة رحب بها أكراد سوريا.
وكان عبدي قال في اليوم ذاته "لا نريد أن نحلّ قسد، بل على العكس، نرى بأنّ قسد سوف تقوّي الجيش السوري الجديد".
ولطالما اتهمت تركيا، حليفة السلطة الجديدة في دمشق، وحدات حماية الشعب الكردية التي تقود قوات سوريا الديمقراطية، بالارتباط بحزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة وأطراف غربيون منظمة "إرهابية".
ومنذ عام 2016، سيطرت تركيا مع فصائل سورية موالية لها على مناطق حدودية واسعة في شمال سوريا بعد عمليات عسكرية عدة شنتها ضد المقاتلين الاكراد بشكل رئيسي، وأدت الى موجات نزوح واسعة من مناطق ذات غالبية كردية. ويأمل الأكراد أن يشكل الاتفاق مقدمة لعودة النازحين إلى مناطقهم، لا سيما عفرين (شمال).
ويعرب بالانش عن اعتقاده بأن الاتفاق "يتماشى مع محادثات السلام بين (الرئيس التركي رجب طيب) إردوغان وأوجلان"، ويتزامن مع "حث الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية على التوصل الى اتفاق مع دمشق". ولا يتوقع أن يغيّر الاتفاق الوضع في الميدان.
ويشرح "لن تندمج قوات سوريا الديمقراطية بالطبع مع هيئة تحرير الشام" الفصيل الذي قاد الهجوم الذي أطاح الأسد، لكنها "ستحاول التنسيق ضد تنظيم داعش على سبيل المثال ومنع أي قتال بين الطرفين".
وأعقب الإعلان عن الاتفاق تحذير وزراء خارجية دول الجوار السوري من عمان الأحد من خطر عودة داعش، وأكدوا اتفاقهم على التعاون والتنسيق للتصدي للتنظيم المتطرف.