سياسة

العملات المشفرة في فرنسا... ثروات رقمية تجذب العصابات

نشر
Bouchra Kachoub
تحوّلت فرنسا في الأشهر الأخيرة إلى مسرح لسلسلة من عمليات الاختطاف التي تستهدف رجال أعمال في قطاع العملات المشفرة، حيث بات الثراء الرقمي الجديد يُقابل بخطر حقيقي على الأرض.
ومع تصاعد التهديدات، دقّ رواد المجال ناقوس الخطر، مطالبين بتدخل عاجل من السلطات لحمايتهم من عصابات وصفت بأنها "هواة بلا رحمة"، وسط دعوات لمنع "مكسيكة فرنسا"، Mexicanisation of France، وتحذيرات من أن "النجاح في فرنسا بات يضع هدفاً على الظهر" كما قال أحد الضحايا لموقع فرنس24.

سلسلة عمليات الاختطاف والرّهائن.. من لارشفاك إلى باريس

شهدت فرنسا منذ مطلع عام 2025 عدداً متزايداً من عمليات الاختطاف التي استهدفت شخصيات في قطاع العملات المشفرة، بعضها اتّسم بعنف شديد واستخدام مفرط للقوة.
في يناير 2025، اختُطف ديفيد بالان الشريك المؤسس لشركة ليدجر في منزله بمدينة ميرو في منطقة شير، وطالب الخاطفون بفدية بالعملات المشفرة عبر إريك لارشفاك، أحد أبرز الأسماء في القطاع، والذي وصف ما حدث بأنه "دليل على غياب تام للحدود الأخلاقية لدى المجرمين"، وفقا لموقع France Bleu.
في واقعة أكثر عنفاً، نقلت صحيفة لوموند عن الشرطة الفرنسية أن أحد الخاطفين قطع إصبع والد أحد مستثمري العملات المشفرة خلال اختطافه في باريس في 2 مايو 2025، وذلك بهدف ابتزاز ابنه الثري مقابل فدية تراوحت بين 5 و7 ملايين يورو، وقد تمكنت الشرطة من تحريره خلال عملية مداهمة شاركت فيها وحدة مكافحة العصابات ووحدة الجرائم الإلكترونية.
وفي 13 مايو، نُفذت محاولة اختطاف فاشلة في وضح النهار استهدفت ابنة وحفيد الرئيس التنفيذي لشركة Paymium في الدائرة الحادية عشرة من باريس، حيث هاجمهم أربعة رجال مسلحين، وتمكن الضحايا من النجاة رغم إصابتهم بجروح طفيفة. وقد انتشر مقطع مصور للحادثة أثار موجة غضب وجدلاً سياسياً، ووصف بعض المعلقين ما يحدث بأنه "مكسيكة فرنسا" في إشارة إلى تحول نمط الجرائم نحو الطابع المنظم والخطير، وفقا لصحيفة إل باييس.
يُضاف إلى هذه الحالات، اختطاف رجل يبلغ من العمر 56 عاماً في يناير، عُثر عليه في صندوق سيارة قرب مدينة لو مان، وتبين لاحقاً أنه والد أحد المؤثرين في العملات المشفرة المقيم في دبي، بعد أن نشر الأخير صوراً لحياته المترفة على الإنترنت، ما رجّح فرضية أن الاستهداف كان بدافع الغيرة والرغبة في الربح السريع، حسب صحيفة لوباريزيان.

عصابات هاوية لكنها عنيفة.. والرهانات التقنية مكشوفة

تشير التحقيقات إلى أن منفذي عمليات الاختطاف ليسوا محترفين بالمعنى التقليدي. ففي تحليل نشرته فرانس24، وصفت السلطات الأمنية هذه المجموعات بأنها "عصابات هاوية" تسعى للربح السريع مدفوعة بفكرة أن العملات المشفرة سهلة التحويل وغير قابلة للتتبع.
إلا أن أغلب هذه العصابات ترتكب أخطاء فادحة، كاستخدام سيارات يمكن تعقبها أو أجهزة محمولة مكشوفة، إضافة إلى الجهل بآلية تتبع البلوكتشين التي تتيح للشرطة رصد التحويلات بدقة.
من جهته، أشار تيبو بوترو، المؤسس المشارك لمنصة Meria Finance، إلى أن ما يحدث حالياً لا يُعدّ جرائم منظمة بمستوى عالٍ، بل "تكرار لنمط واحد من الهجمات تنفذه مجموعات بأوامر من أطراف مجهولة" محذراً من أن غياب الردع القضائي يجعل هذه الأخطاء تتكرر.
وبحسب تقرير لصحيفة لوموند، فإن أغلب المعتقلين في هذه القضايا هم من الشباب في العشرينات من العمر، دون خلفيات جنائية كبيرة، ما يؤكد الطابع الهاوي والمتحمّس للجريمة أكثر من كونه منظماً.

الأمن تحت الضغط... ونداءات لسياسة ردع جديدة

أمام هذا التصاعد، أعلن وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو عن تنظيم لقاء رسمي في 16 مايو 2025 مع رواد مجال العملات المشفرة بهدف رفع وعيهم الأمني والعمل على وضع آليات لحمايتهم، حسب بوليتيكو. وقال في مقابلة مع قناةEurope 1 إن الحكومة ستلاحق منفذي هذه الجرائم "حتى لو كانوا خارج البلاد"، مشدداً على أن حماية رواد الأعمال أولوية وطنية.
في السياق ذاته، طالب لارشفاك برد قضائي صارم وسريع، ودعا إلى "عدم التساهل مع المعتدين لأنهم يهددون بيئة الاستثمار في فرنسا". وشارك الرأي ذاته تيبو بوترو الذي عبّر عن قلقه قائلاً: "كثير من مستثمري العملات المشفرة يفكرون في مغادرة فرنسا، وهناك من بدأ بالفعل".
وفي تحقيق نشرته ويست فرانس، أشار الصحفي ألين جيرار إلى أن السمعة المزيفة حول العملات المشفرة، بأنها تمنح ثروات ضخمة وتتيح تهريب الأموال، أسهمت في تعزيز مناخ العداء تجاه مستثمري هذا القطاع، ودفع بعض الشباب المتأثرين بهذه الصورة إلى ارتكاب جرائم ظناً أن الضحايا "لن يبلغوا" أو أن "الفدية ستدفع بسرعة".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة