جنوب لبنان بلا سلاح.. الجيش يعمل بصمت وإسرائيل "مندهشة"
بعد انتخاب الرئيس جوزيف عون وتعيين حكومة إصلاحية برئاسة نواف سلام، أكد لبنان في أكثر من مناسبة عزمه على حصر السلاح بيد الدولة، وتطبيق القرارات الدولية بما فيها القرار الأممي 1701 الذي ينص على إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من المسلحين، ومنع وجود قوات أجنبية في لبنان دون موافقة الحكومة، ومنع مبيعات أو إمدادات الأسلحة والمعدات إلى لبنان، عدا ما تأذن به السلطات اللبنانية.
وفي هذا السياق يبدو أن الجيش اللبناني نجح إلى حدّ كبير في نزع سلاح حزب الله من معاقله الجنوبية، وذلك في سياق تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي وضع حدًا لجولة عنيفة من القتال مع إسرائيل أواخر العام الماضي.
المفاجئ في الأمر أن هذا التقدم تمّ، جزئيًا، بمساعدة استخباراتية إسرائيلية قُدّمت عبر الولايات المتحدة، بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".
فهل ساهمت المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية فعلا في سحب السلاح من بعض معاقل الحزب المدعوم من إيران؟ وهل تستطيع الدولة اللبنانية استكمال المهمة جنوبًا وتوسيع نطاقها لتشمل باقي الأراضي اللبنانية؟
مسؤولون أميركيون وإسرائيليون أعربوا عن "دهشتهم الإيجابية" من فاعلية هذه الجهود، معتبرين أن ما تحقق حتى الآن كان عنصرًا أساسيًا في تثبيت الهدنة الهشة التي أُبرمت في نوفمبر الماضي.
غير أن التحدي الحقيقي لا يزال قائمًا حول مدى قدرة الدولة اللبنانية باستكمال المهمة جنوبًا وتوسيع نطاقها لتشمل باقي الأراضي اللبنانية.
رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، وفي مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، أكد على مبدأ واضح: "في كل الأراضي اللبنانية، يجب أن يكون السلاح بيد الدولة فقط"، قالها وهو يطرق بقبضتيه على الطاولة أمامه.
نزع 80% من سلاح الميليشيات جنوبًا
سلام كشف أن حكومته نجحت في تنفيذ نحو 80% من أهدافها في تفكيك الميليشيات المسلحة في أقصى الجنوب اللبناني. ووفقًا لمسؤولين عرب كبار، فقد ساهمت معلومات استخباراتية إسرائيلية نقلتها واشنطن في تحديد مواقع مخازن أسلحة ومراكز عسكرية لحزب الله، ما سهّل على الجيش اللبناني مهمة تدميرها.
الجيش اللبناني، من جهته، صرّح أنه يقوم بإتلاف بعض الأسلحة المصادرة من الحزب، فيما يحتفظ بما هو قابل للاستخدام لتعزيز ترسانته المتواضعة.
وقد مكنت هذه الجهود الجيش من فرض سيطرته جنوب نهر الليطاني، متحكمًا بمداخل ومخارج المنطقة التي لطالما كانت تُعدّ معقلًا حصينًا لحزب الله.
مسؤول عسكري إسرائيلي وصف أداء الجيش اللبناني بأنه "فاق التوقعات"، مضيفًا: "نحن في الجيش الإسرائيلي راضون جدًا عن هذا التوجّه، ونتوقع استمراره".
نزع سلاح الفصائل الفلسطينية أيضًا
الحكومة اللبنانية أعلنت كذلك عن خطة متعددة المراحل لنزع سلاح الفصائل الفلسطينية المسلحة، التي تنشط داخل المخيمات المكتظة باللاجئين. وفي أبريل الماضي، نفّذت القوى الأمنية عملية استهدفت خلية فلسطينية يُعتقد أنها أطلقت صواريخ على إسرائيل، وأسفرت عن توقيفات نادرة في هذا السياق.
وبحسب اتفاق وقف إطلاق النار، فإن عملية نزع السلاح يجب أن تبدأ جنوب الليطاني. ومع ذلك، يضغط كل من سلام وواشنطن لتوسيع العملية لتشمل كامل الأراضي اللبنانية.
حزب الله يتعاون... ولكن إلى متى؟
وفق "وول ستريت جورنال" فإن حزب الله يُظهر لحتى الآن، نوعًا من التعاون في الجنوب، كما أنه اضطر إلى التنازل عن السيطرة الأمنية في مواقع أخرى مثل مطار بيروت، بحسب مصادر أمنية لبنانية رفيعة.
مطلعون على توجهات الحزب يعتبرون أنه يسعى لكسب نقاط سياسية داخلية، لا سيما مع سعي لبنان للحصول على تمويل لإعادة الإعمار من دول غربية وخليجية تشترط تقليص نفوذ الحزب المدعوم من إيران.
لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الحزب سيقبل بمواصلة نزع سلاحه في مناطق أخرى شمال الليطاني.
تقول الباحثة رندة سليم من معهد السياسة الخارجية في جامعة جونز هوبكنز: "ما لم يكن حزب الله مستعدًا لنزع سلاحه بنفسه، فلا أرى سيناريو تتخذ فيه الحكومة اللبنانية قرارًا بمواجهته بالقوة"، مضيفة أن الحل يكمن في "جعل استمرار امتلاك الحزب للسلاح أمرًا مكلفًا سياسيًا، عبر ربط إعادة إعمار المناطق ذات الأغلبية الشيعية بنزع سلاحه".
لكن نزع سلاح حزب الله يحمل في طيّاته مخاطر سياسية كبيرة لحكومة نواف سلام، خصوصًا أن الحزب يحتفظ بشعبية كبيرة ضمن الطائفة الشيعية، ويمتلك قاعدة دعم ضخمة. تأسس الحزب في ثمانينيات القرن الماضي خلال الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي، ونما بدعم إيراني ليُصبح أحد أقوى الميليشيات غير الحكومية في العالم.
لكن الحزب تلقّى ضربة موجعة مؤخرًا. فخلال حملة إسرائيلية استمرت شهرين من الغارات الجوية والعمليات الاستخباراتية، فقد الحزب عددًا كبيرًا من قادته ومخازن سلاحه. هذه الضربة كبّدت لبنان آلاف القتلى وخسائر بمليارات الدولارات، وأثّرت على صورة الحزب داخليًا، حتى بين بعض مناصريه.
ورغم وقف إطلاق النار، نفّذت إسرائيل مئات الغارات على لبنان، حسب تقارير قوات اليونيفيل. وتؤكد إسرائيل أنها تستهدف مواقع لحزب الله، بما فيها مواقع في بيروت، وتواصل انتشارها العسكري في عدة نقاط جنوب البلاد.
رغم الضربات، لا تزال رسائل الحزب بشأن نزع السلاح ودوره في المجتمع اللبناني ومستقبل "المقاومة المسلحة" ضد إسرائيل، غامضة. مسؤولوه يشددون على ضرورة الإبقاء على سلاحهم في ظل ضعف الجيش اللبناني، وخطر إسرائيل، والتطرف السني في سوريا المجاورة.
النائب إبراهيم الموسوي، ممثل الحزب في البرلمان، قال في مقابلة: "أسلحة حزب الله التي لا تزال موجودة في بعض المناطق هي نقاط قوة للبنان".
قدرة محدودة على إعادة التسلح
القدرة المستقبلية للحزب على إعادة التسلح أصبحت محدودة. فقد خسر خطوط التهريب التي كانت تمرّ عبر سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، وتولي حكومة معادية لإيران وحزب الله السلطة هناك. كما أن تشديد الرقابة في مطار بيروت ضيّق الخناق على مصادر تمويل الحزب.
القلق يتزايد في لبنان من احتمال رفض حزب الله لنزع سلاحه شمال الليطاني. لكنّ كلًّا من الحزب والحكومة يؤكدان أنهما يريدان تجنّب انزلاق البلاد إلى العنف الداخلي، وهو شبح لا يزال يؤرق اللبنانيين الذين خبروا ويلات الحرب الأهلية.
من جهته، لا يُتوقع أن يشتبك الجيش اللبناني مع حزب الله عسكريًا، وقد دأب تاريخيًا على تجنّب أي مواجهة مباشرة، نظرًا لحساسية التوازنات الطائفية في البلاد، التي تضم مسيحيين وسنة وشيعة ودروز.