سياسة

التصعيد بين إسرائيل وإيران يتسارع.. والدبلوماسية تفرض نفسها كخيار وحيد

نشر
Bouchra Kachoub
دخلت الحرب الإسرائيلية الإيرانية منعطفاً خطيراً بتهديد الولايات المتحدة بالتدخل لتدمير البرنامج النووي الإيراني المحصن تحت الجبال، وسط دعوات دولية للعودة إلى المسار الدبلوماسي باعتباره السبيل الوحيد لضمان عدم إمتلاك إيران للسلاح النووي.
وتؤكد التحليلات الاستراتيجية والتقارير الدولية أن الضربات الإسرائيلية، مهما بلغت شدتها، لن تقضي على البنية التحتية النووية الإيرانية المعقدة والمحصنة، بل قد تُسرّع سعي طهران لـ"الردع النهائي".

ضغوط الحرب.. وخيارات طهران

حذّر الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي، مهند العزاوي، في حديث مع بلينكس من أنّ استمرار الضربات الإسرائيلية ضد إيران قد يدفع طهران إلى "تسريع جهودها النووية"، مرجّحاً هذا السيناريو باعتباره الأقرب إلى عقلية الحكم القائم على الأيديولوجيا والثورة والتسلّح، بحسب تعبيره.
وأشار العزاوي إلى أن إيران، رغم خسائرها الكبيرة، لا تميل بطبيعتها إلى الخيار الدبلوماسي، مضيفاً: "يبدو أن طهران ما تزال تراهن على أصدقائها الشرقيين كروسيا والصين، ولديها القدرة على المماطلة بنَفَس طويل".
وأضاف أن إدارة ترامب نفسها لا تتسم بالوضوح، فالرئيس الأميركي "يُصرّح ثم يتراجع"، وغالباً ما يطلق تصريحات بسقوف عالية يصعب التنبؤ بخلفياتها. ويرى العزاوي أن إيران تدرك طبيعة هذه الرسائل، وترى أن جولات التفاوض السابقة لم تثمر، وتاليا فهي قد تختار التصعيد بدلاً من التراجع.

الردع لا التهدئة.. تقارير تحذر

في هذا السياق، يشير تقرير حديث نُشر في مجلة فورين أفيرز إلى أنه لا توجد في الوقت الراهن مؤشرات على أن القتال بين إسرائيل وإيران سيتوقف. إذ يظهر أن كلا الطرفين مستعدان لمواصلة توجيه الضربات لبعضهما البعض.
هذا الموقف العسكري، إلى جانب الحملة الإسرائيلية المكثفة، قد يدفع إيران إلى السعي للحصول على ما تعتبره وسيلة الردع القصوى، حسب ما جاء في تقارير عدة. من جهة، تشير مجلة فورين بوليسي إلى أن الحرب الحالية قد تعزز حوافز طهران لبناء هذا الردع. ومن جهة أخرى، تؤكد فورين أفيرز أن البديل الوحيد المتاح لهذا المسار هو التوصل إلى تسوية دبلوماسية، إذ من شأنها أن تمنع إيران من الحصول على السلاح النووي، وتُجنّب الولايات المتحدة التورط في حرب طويلة. وقد تكون فعلياً الخيار الوحيد المتاح لتجنّب كارثة إقليمية.

حرب لا نهاية لها.. ودبلوماسية مشلولة

تؤكد مجلة فورين أفيرز أن كلاً من إيران وإسرائيل مستعدان للاستمرار في القتال، ولا تلوح أي مؤشرات حقيقية على إمكانية التوصل إلى هدنة.
وبينما يطالب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بـ"الاستسلام غير المشروط" من إيران، لم تُظهر إدارته رغبة جدية في إيقاف النزيف، بل ساندت الضربات الإسرائيلية بشكل غير مباشر من خلال تموضع القوات الأميركية ومساعدة إسرائيل في التصدي للطائرات المسيّرة والصواريخ.
لكن هذا التصعيد العسكري، وفقاً لمجلة فورين بوليسي، قد يدفع طهران إلى السعي لبناء "الردع النهائي" من خلال تطوير برنامج نووي. ويخلص تقرير المجلة إلى أن الخيار الدبلوماسي هو الطريق الأكثر واقعية والأقلّ كلفة، وربما الوحيد، لتفادي امتلاك إيران للسلاح النووي ومنع اندلاع حرب إقليمية أوسع.

البرنامج النووي مستمرّ.. رغم الضربات

رغم شدّة الضربات، لم تتمكن إسرائيل من تدمير البنية التحتية الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، إذ لا تزال منشآت حيوية كموقع فوردو المحصّن تحت الأرض تعمل.
ويشير تقرير فورين أفيرز إلى أن القضاء الكامل على البرنامج يتطلب قنابل خارقة للتحصينات أو وجوداً عسكرياً أميركياً مباشراً، وهو ما لم توافق عليه واشنطن حتى الآن.
ورغم المزاعم الإسرائيلية، تؤكد أجهزة الاستخبارات الأميركية أن إيران لم تُعد تشغيل برنامج التسلّح النووي الذي أوقف عام 2003. في مارس الماضي، أكّدت مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد أن إيران "لا تبني سلاحاً نووياً" حالياً، وأن المرشد الأعلى لم يأذن باستئناف البرنامج العسكري.

من طاولة المفاوضات إلى ساحة الحرب

كانت إيران منخرطة في مفاوضات نووية غير مباشرة مع الولايات المتحدة منذ بداية عام 2025، وشهدت خمس جولات متتالية من التقدم. وكان من المقرر عقد الجولة السادسة في 15 يونيو، غير أن إسرائيل نفذت ضربتها الواسعة في 13 يونيو، والتي قُتل فيها علماء وقادة عسكريون، وتم تدمير منشآت مدنية وعسكرية في أنحاء البلاد.
وأكد ترامب لاحقاً أن بلاده كانت على علم مسبق بالعملية الإسرائيلية. ووفقاً لـ نيويورك تايمز، فإن الضربة لم تكن لمنع إنتاج قنبلة نووية، بل لإفشال المحادثات التي كان يُتوقع أن تسفر عن تقدم في الملف النووي.

نتنياهو يرفض التفاوض.. ويضغط للحسم العسكري

لم يُخفِ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، رفضه لأي تسوية دبلوماسية مع إيران، إذ يرى أن مجرد السماح لطهران بتخصيب اليورانيوم هو طريق مباشر نحو امتلاك قنبلة نووية.
وبحسب تحليل لفورين بوليسي، فإن إسرائيل رأت في لحظة ضعف إيران العسكري فرصة لا تعوّض لإضعافها ومنع توقيع أي اتفاق مع واشنطن.
المحلل جيفري ساكس ذهب أبعد من ذلك، معتبراً أن الحرب الحالية هي تنفيذ لخطة قديمة ينتهجها نتنياهو منذ عقود، وتهدف إلى إسقاط النظام الإيراني وفرض هيمنة إسرائيلية مطلقة في الشرق الأوسط، ولو على حساب انهيار الاستقرار الإقليمي.

الإجماع الدولي.. لا حلّ إلا بالدبلوماسية

رغم اتساع رقعة الحرب، لا تزال عواصم عدة تدفع باتجاه المسار السياسي. ففي أبوظبي، أجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الإيراني، أعرب خلاله عن التضامن، ودعا إلى ضبط النفس واستئناف التفاوض، وفقا لوكالة أنباء الإمارات، وام. وأكد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية الإماراتي، أن "لا بديل عن الحلول السياسية والدبلوماسية".
وفي لندن، أعلن وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، أمام البرلمان أن بلاده "لم تشارك في الضربات ضد إيران"، مشدداً على أن "لا عمل عسكري يمكنه إنهاء البرنامج النووي الإيراني"، وأن "الدبلوماسية وحدها هي السبيل للتوصل إلى اتفاق فعّال".
وأضاف: "رسالتنا إلى طهران وتل أبيب واضحة: تراجعوا، أظهروا ضبط النفس، لا تنزلقوا أكثر إلى صراع كارثي لا يمكن السيطرة على عواقبه".
وحذّر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أيضاً من التصعيد، مشدداً على ضرورة إعادة البرنامج النووي الإيراني إلى رقابة دولية صارمة، ورفض أي عمل عسكري قد يؤدي إلى تغيير النظام، قائلاً: "أسوأ خطأ هو استخدام القوة العسكرية لتغيير الأنظمة، لأنه سينتهي بالفوضى"، بحسب ما نقلته رويترز.
أما نيد برايس، المتحدث السابق باسم الخارجية الأميركية، فقد كتب أن إسرائيل استعجلت الحرب رغم وجود أدوات ضغط فعالة عبر العقوبات والرقابة الأممية، قائلاً: "كان يمكن أن تمنع إيران من امتلاك سلاح نووي بشكل دائم وموثوق".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة