بعد الدفاع.. أوروبا تحاول إرضاء ترامب بـ"التجارة"
في مسعى إلى انتزاع اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، يبحث الزعماء الأوروبيون في قمّة الخميس في بروكسل عن صيغة تتيح لهم استرضاء دونالد ترامب في هذا المجال بعد إقرارهم زيادة تاريخية في نفقاتهم العسكرية في حلف شمال الأطلسي.
وقال المستشار الالماني فريدريش ميرتس فور وصوله إلى بروكسل "أؤيّد المفوضية في كلّ الجهود المبذولة للتوصّل سريعا إلى اتفاق تجاري".
وأفاد مسؤولون أوروبيون أن الولايات المتحدة قدمت مقترحا جديدا لاتفاق تجاري إلى المفوضية الأوروبية وإن رئيسة المفوضية أطلعت زعماء الاتحاد الأوروبي عليه.
وجاء هذا الاقتراح، الذي وصفه أحد المسؤولين بأنه "خطوط عريضة" تتضمن بضع نقاط، بينما كان قادة الاتحاد الأوروبي يعقدون قمة في بروكسل قبل أقل من أسبوعين من موعد نهائي حدده الرئيس الأميركي دونالد ترامب في التاسع من يوليو للتوصل إلى اتفاق لتجنب زيادة الرسوم الجمركية الأميركية.
ويصرّ ميرتس الذي يقود أكبر اقتصاد في أوروبا على تسريع وتيرة العمل، حتّى لو اقتضى الأمر قبول اتفاق غير متكافئ يضطر بموجبه الأوروبيون لتحمّل بعض الرسوم الجمركية من دون مقابل من جانبهم.
ويستبعد الجميع في بروكسل بلوغ هدف "صفر رسوم جمركية".
ويقضي الهدف بالأحرى، بحسب عدّة دبلوماسيين، بالسماح لترامب بالمجاهرة بالنصر، من دون التضحية بالأساسيات.
وتطرّق أحد الدبلوماسيين إلى اتفاق تطلق عليه صفة "جبنة الغرويير" (Gruyère cheese) فيه عدّة ثغرات يقوم على رسوم عامة على الواردات الأوروبية لكن مع سلسلة من الإعفاءات لمجالات أساسية مثل الفولاذ والسيّارات والصيدلة والملاحة الجوّية.
وهذا بمثابة أهون الشرّين لشركات تعاني الأمرّين من جرّاء الرسوم التي أقرّتها الإدارة الأميركية بنسبة 25 % على الفولاذ والسيارات و10 % على السواد الأعظم من المنتجات المتبقّية.
وكان ميرتس قد انتقد الإثنين نهج المفوضية الأوروبية للتفاوض "المعقّد جدّا" في رأيه، وطلب منها التركيز على أربعة أو خمسة مجالات أساسية.
ومن المرتقب التطرّق إلى هذه المسألة مساء خلال مأدبة عشاء لرؤساء الدول والحكومات ستشكّل مناسبة لرئيسة المفوضية أورسولا فون دير لايين التي تدير المفاوضات مع واشنطن لعرض الخطوط الحمراء.
وبات الوقت ينفد مع اقتراب مهلة التاسع من يوليو التي حدّدها دونالد ترامب مهددا بأن تفرض بعد انقضائها رسوم تلقائية بنسبة 20 % على واردات الاتحاد الأوروبي.
وأكّد رئيس الوزراء البلجيكي بارت دو ويفر من جهته "لا ننجر للاستفزاز ونحافظ على الهدوء"، داعيا إلى تفادي حرب تجارية مع الولايات المتحدة.
وقال "نفاوض على أمل التوصّل إلى اتفاق"، لكن "إذا لم يكن الحال كذلك، فسنعتمد بدون شكّ تدابير مضادة".
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صعد النبرة الأربعاء في ختام قمّة حلف شمال الأطلسي (ناتو) التي أقرّ خلالها الأوروبيون زيادة في نفقاتهم الدفاعية بنسبة 5 % من إجمالي الناتج المحلي، تلبية لرغبة الرئيس الأميركي.
وقال "لا يمكننا أن نقول بين الحلفاء إنه لا بدّ من مزيد من الإنفاق" في مجال الدفاع "ونشنّ في المقابل حربا تجارية في كنف حلف الناتو. هذا هراء".
والخميس قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي تعود تبني مواقف استفزازية "المشكلة أن لدينا من الجانب الأميركي مفاوضا لا مثيل له، في حين أن الاتحاد الأوروبي لديه زعماء قليلو الاقتدار".
ويسود الانقسام التكتّل الأوروبي بدوله السبع والعشرين المختلفة المواقف. ويجاهر رئيس الوزراء المجري بقربه من ترامب الذي تربطه علاقة وطيدة أيضا برئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني.
ومطلع مايو، هدّد الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية على واردات أميركية تبلغ قيمتها 95 مليار يورو، من بينها سيّارات وطائرات، في حال فشلت المفاوضات التجارية مع ترامب. لكنّه خفف لاحقا من حدّة وعيده.
وتنتهز الولايات المتحدة هذه المفاوضات التجارية أيضا للسعي إلى الاستحصال على تنازلات في ما يخصّ اللوائح التنظيمة الأوروبية، لا سيّما في المجال الرقمي، إذ تعتبر واشنطن أنها تستهدف خصوصا عمالقة التكنولوجيا الأميركيين، من قبيل "آبل" و"غوغل" و"ميتا".
وتسعى الإدارة الأميركية إلى تليين إجراءات تنفيذ التشريعات التي ترمي إلى الحدّ من حالات استغلال السلطة من قبل عمالقة التكنولوجيا في ما يتعلّق بالمنافسة والمحتويات الإلكترونية والذكاء الاصطناعي على سبيل المثال.
وأعرب الأوروبيون عن استعدادهم لمناقشة معايير مشتركة مع الأميركيين، لكن النصوص التشريعية التي أتت ثمرة نقاش ديموقراطي تبقى خطّا أحمر بالنسبة اليهم. وأكّدت فون دير لايين الإثنين أن "مسار اتّخاذ القرارات في الاتحاد الأوروبي" مسألة "لا يمكن المساس بها البتة".