سياسة

بين الحماسة وواقع الدمار.. سوريون يتريثون قبل "قرار العودة"

نشر
blinx
في الوقت الذي حسمت فيه بسمة يبرك قرارها، ووضبت حقائبها مع ابنها لتعود إلى سوريا بعد سنوات من اللجوء في تركيا، لا يزال آلاف السوريين حائرين، يدرسون خطوة العودة بعناية.
تكتب بسمة من حلب عبر تطبيق واتساب لصحيفة إل باييس الإسبانية: "أنا سعيدة جداً". القرار كان سهلاً لها، خاصة بعد أن استطاعت عائلتها شراء منزل في حلب، لم تَطَله الحرب لأنه كان في منطقة خاضعة لنظام الأسد. لكن الأمر ليس بهذه البساطة للجميع. فواقع كثير من السوريين العائدين أو المترددين يتلخّص في عبارة قالها اللاجئ قاسم لموقع ذا كونفيرسيشن: "أين سأذهب؟ أنام في الشارع؟ لا أملك المال لأعود".

العودة المؤجلة.. حين يكون الوطن مدمّراً

تشير التقارير التي تسلط الضوء على وضع اللاجئين السوريين إلى أن العودة بالنسبة للكثيرين ليست رفضاً للوطن، بل اصطداماً بواقعه.
وتفيد شهادات عشرات الآلاف، من أمثال قاسم، بأن العودة هو بداية لتحديات جديدة، إذ اكتشفوا في زيارات استطلاعية أنّ بيوتهم مدمّرة بالكامل أو أن بلداتهم تحوّلت إلى مدن أشباح.
يقول عبد الهادي الصعر، الذي قرّر أن يزور مسقط رأسه دوما قرب دمشق، لتقييم الوضع قبل اتخاذ قرار نهائي: "أبي يخبرني أن هناك دماراً كبيراً، لكن هناك محاولات لإعادة بناء المؤسسات والنسيج الاجتماعي"، حسب ما صرح به لـ إل باييس.
ونتيجة تحديات العودة التي يواجهها السوريون، غيرت أنقرة سياستها من إجبار العائدين على التخلي عن إقامتهم إلى السماح لأحد أفراد كل أسرة بعبور الحدود ثلاث مرات لتقييم الأوضاع قبل العودة النهائية. تقول ياسمين السيد: "الكثيرون دخلوا متحمسين بعد سقوط النظام، لكنهم صُدموا حين وجدوا منازلهم مهدّمة أو مفقودة الخدمات الأساسية. الناس تحتاج وقتاً لإعادة بناء حياتهم".

أطفال لا يعرفون الوطن

بينما يبحث الكبار عن الطمأنينة والأمان، يصطدم الأهالي بجيل جديد من السوريين نشأ خارج الوطن، ولا يعرفه إلا من صور الأهل وكلمات الحنين.
تؤكد رشا، التي تعيش في تركيا مع طفليها بعد الطلاق، لموقع ذا كونفرسيشن أنها لا تستطيع العودة الآن: "أطفالي يتحدثون التركية، يدرسون هنا، والعودة تعني انقطاعاً تعليمياً وتغييراً لغوياً ومناهج جديدة".
هذا الانفصال الشعوري يزداد وضوحاً لدى ياسمين السيد، التي تقول إن ابنتها لا تريد العودة إطلاقاً: "نقول لها إن سوريا جميلة، لكنها تصرّ على أن تركيا أفضل. بالنسبة لها، الوطن بات مكاناً غريباً".
وتواجه الأسر تحديات إدارية وتعليمية أيضاً، مثل أم أيمن في لبنان، التي لم تتمكّن من الحصول على إقامة رسمية، فاضطرت لتعليم أطفالها في المنزل. تقول إنها ترغب في العودة، لكن لا تريد المجازفة دون زيارة حمص ورؤية الوضع بنفسها، وفقا لما نقله عنها موقع ذا كونفيرسيشن.
أما الطلاب في الأردن وتركيا، فيترددون في العودة قبل إنهاء مراحل دراسية حاسمة، خوفاً من عدم معادلة الشهادات أو انقطاع المسار الأكاديمي.

وطن بلا استقرار.. اقتصاد هش ونزوح جديد

رغم انتهاء النظام السابق، لم تنتهِ فصول النزوح السوري، إذ أنّ مناطق النظام السابقة، التي كانت تُعدّ آمنة، باتت اليوم مسرحاً لنزوح جديد، خاصة بين الطائفة العلوية. ففي مارس الماضي، شهد الساحل السوري مجازر طائفية أدّت إلى مقتل أكثر من ألف مدني علوي، ما دفع نحو 120 ألفاً منهم للفرار إلى لبنان.
وبينما تتحسّن الأوضاع الأمنية نسبياً في الشمال الغربي بعد الاتفاق بين "قسد" والحكومة المؤقتة، لا تزال أعمال القتل خارج القانون والتصفية والعنف الإسرائيلي قائمة، وبلغ عدد القتلى المدنيين خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025 نحو 2854 شخصاً، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وفي مشهد يُعيد التذكير بواقع الهشاشة الأمنية، قُتل ما لا يقل عن 20 شخصاً وجُرح العشرات في 22 يونيو الجاري، جرّاء تفجير انتحاري استهدف كنيسة مار إلياس في حي دويلعة وسط العاصمة دمشق، وفق ما أفادت به مصادر طبية وأمنية لوكالة رويترز.
إلى جانب غياب الأمان، يواجه العائدون اقتصاداً هشّاً. يقول هائل خلف من منظمة الهجرة الدولية لصحيفة إل باييس إن "أكبر عائق أمام العودة هو غياب الخدمات وفرص العمل، خصوصاً في الأرياف التي دُمّرت بناها التحتية". ويشير إلى أنّ النظام السابق أقدم على اقتلاع بساتين الزيتون والفستق في إدلب، مما زاد من انهيار الاقتصاد الزراعي.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة