سياسة

10 ملايين فقير فرنسي يهزون صورة "دولة الرفاهية"

نشر
blinx
في مشهد لم تعرفه فرنسا منذ ثلاثة عقود، تجاوز عدد الفقراء في البلاد عتبة 9,8 ملايين شخص عام 2023، وفقاً لتقرير صدر عن المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية.
وتُحدَّد عتبة الفقر النقدي عند دخل شهري يقل عن 1,288 يورو، ما يعني أن أكثر من 15,4٪ من سكان فرنسا، باستثناء المشردين وسكان المساكن غير الدائمة، يعيشون تحت هذا المستوى، في ارتفاع قياسي مقارنة بنسبة 14,4٪ في عام 2022.
تُعدّ هذه الزيادة غير المسبوقة، بمعدل 650 ألف شخص خلال عام واحد، الأعلى منذ عام 1996.
وفي وقت تشير فيه بيانات المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية إلى أنّ الفجوة بين الأغنياء والفقراء بلغت أقصاها منذ 30 عاماً، يحذّر نيكولا دوفو، رئيس المجلس الوطني للسياسات ضد الفقر، من أنّ "عتبة الإنذار قد تم تجاوزها"، مضيفاً: "لم نعد أمام فقر مستقر، بل أمام دينامية تصاعدية لا تنكسر".

الأسباب.. تراجع الدعم الحكومي وازدياد هشاشة سوق العمل

أحد أبرز أسباب ارتفاع الفقر، حسب صحيفة ليزيكو، هو توقف العمل بالإجراءات الاستثنائية التي اعتمدتها الحكومة عام 2022، مثل منحة التضخم، والمساعدات الاستثنائية للعودة المدرسية، وإعادة تقييم المساعدات الاجتماعية.
وأضافت صحيفة لوموند أنّ تخفيضات دعم السكن وعدم تكييفها مع التضخم زادت الطين بلّة، خصوصاً مع تزايد عدد أصحاب الأعمال الحرة ذوي الدخل المنخفض.
ويشير تقرير المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية إلى أن الفقر تفاقم تحديداً في صفوف العاطلين (36.1%)، والأسر المعيلة (34.3%)، والأفراد (20.3%)، وكذلك لدى العمال المستقلين (19.2%). كما ارتفعت نسبة العاملين الفقراء لتصل إلى 8.3%.
وتكشف بيانات المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية عن واقع أكثر قسوة للأسر المعيلة، حيث يعيش أكثر من ثلث هذه العائلات تحت خط الفقر.
وتوضح لوموند أنّ هذه الشريحة تأثرت بشكل خاص بعد انتهاء الإجراءات الاستثنائية، رغم رفع دعم إعالة الأسرة بنسبة 50% في نهاية 2022. ونتيجة لذلك، ارتفع معدل فقر الأطفال إلى 21.9%، بزيادة 1.5 نقطة مئوية.

فجوة اللامساواة تتسع

أشار تقرير ليزيكو إلى أن نصف الفقراء يعيشون بأقل من 1,041 يورو شهرياً، بينما ارتفع مؤشر "جيني" الذي يقيس اللامساواة إلى 0.297، مقترباً من أعلى مستوى له في 2011.
وبحسب نفس المصدر، فإنّ 20% من الأكثر ثراءً في البلاد يحصلون على 38.5% من إجمالي الدخل، وهو ما يعادل 4.5 مرات دخل 20% من الفقراء (8.5%).
حتى بعد عمليات إعادة التوزيع، أي بعد احتساب الضرائب والمساعدات الاجتماعية، يستمر الفقراء في التراجع، فيما شهد أغنى 10% نمواً في مستواهم المعيشي بنسبة 2.1%.
بحسب لوفيغارو، فإنّ ارتفاع أسعار الفائدة أسهم في ازدهار العوائد المالية للميسورين، خاصة من خلال الاستثمارات والتأمين على الحياة، كانت نتيجته زيادة حادة في تفاوت الدخل بين الشرائح.
وتؤكد BFMTV أنّ أغنى 10% من الفرنسيين يمتلكون الآن مستوى معيشة يزيد بـ3.49 مرات عن أدنى 10%، وهو ما يتجاوز المعدل التاريخي للفجوة، دون أن يبلغ بعد الرقم القياسي المسجل في 2011 (3.58%).

هل فشل ماكرون في محاربة الفقر؟

رغم تعهده في خطاب رسمي أمام البرلمان في 2017 بأن "لا نجاح فرنسياً دون إدماج الفقراء"، إلا أن الواقع يعكس فشلاً واضحاً في ترجمة هذا الالتزام.
بعد عام فقط، قال الرئيس ماكرون في فيديو مسرّب من الإليزيه: "نضع أموالاً طائلة في المساعدات الاجتماعية، ومع ذلك الناس يبقون فقراء". واعتبر أن النظام الاجتماعي "يربي الفقراء على الكسل"، ما أثار سخط المعارضة، خاصة الحزب الاشتراكي الذي اعتبر تصريحاته دليلاً على توجهه الليبرالي الذي يزيد من الفقر.
وبينما أعلن ماكرون في مؤتمر "المعونة الفرنسية" في 2018 أنه يفضل "الوقاية على الدعم العلاجي"، فإن السياسات التي تبناها، مثل إصلاح التأمين ضد البطالة وخفض ضرائب الأغنياء، لم تخفف من الفقر بل رسخته، وفقاً لما نقلته صحيفة لوفيغارو عن محللين.

ماكرون "رئيس الأغنياء".. شعار يتعزز بالأرقام

أعاد تصنيف مجلة تشالانج عام 2023 لأثرياء فرنسا الجدل حول ماكرون بوصفه "رئيس الأغنياء". وأشار النائب داميين مودي أنداك في تغريدة إلى أنّ "الأثرياء يزدادون ثراء في وقت تتجمد فيه الرواتب ويبلغ تضخم المواد الأساسية 15%".
واجه ماكرون، سنة بعد توليه الرئاسة، انتقادات بسبب سياساته التفضيلية للميسورين، حيث أظهر استطلاع أجراه موقع أودوكسا عام 2018 أنّ 72% من الفرنسيين يرون فيه "رئيساً للأغنياء". وفي 2020، أكد المرصد الفرنسي للظروف الاقتصادية أن أغنى 5% استفادوا من زيادة بـ2,905 يورو سنوياً في مستوياتهم المعيشية، مقابل تراجع بـ240 يورو للفئات الأفقر.
وكان تقرير سابق لفاينانشال تايمز قد كشف أن إلغاء ضريبة الثروة أدى إلى تقليص واجبات ضريبية بأكثر من 500 ألف يورو لكل من أغنى 100 أسرة في البلاد.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة