الموقوفون السوريون في لبنان.. ملفٌ يختبر صبر دمشق ومصير العلاقات
برز ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية كقضية إنسانية مشحونة بالتوترات السياسية والضغوط الدبلوماسية.
ما كان يوصف سابقًا كمسألة قضائية بات اليوم بندًا متقدّمًا في جدول أولويات الرئاسة السورية، و"شرطًا أساسيًا لأيّ مسار تعاون سياسي أو اقتصادي بين بيروت ودمشق"، حسب مزاعم تلفزيون سوريا في تقرير خاص، تم تفي بعض التفاصيل الواردة فيه لاحقا.
ومع وجود أكثر من 2100 سجين وموقوف سوري في السجون اللبنانية، وفق أرقام خاصة حصلت عليها فرانس برس من مصادر قضائية وأمنية، بدأت دمشق بتصعيد موقفها تجاه ما تعتبره "تجاهلًا متكررًا من بيروت لهذا الملف الإنساني"، في وقت نفت فيه وزارة الإعلام السورية "وجود نية لدى الحكومة باتخاذ إجراءات تصعيدية تجاه لبنان"، وفق ما نقلته الإخبارية السورية.
ومع تزايد الحراك الرسمي والديني بين البلدين، ووصول الملف إلى مفترق طرق دبلوماسي واقتصادي، تُطرح أسئلة أساسية حول خلفيات هذا التوتر، ومدى تأثيره على العلاقة بين الجارين.
من هم الموقوفون السوريون في لبنان؟ وما وضعهم القانوني والإنساني؟
أفادت فرانس برس، بتقرير نشر في مارس بأن السجون اللبنانية تضم أكثر من 2100 سجين وموقوف سوري، منهم 1756 سجينًا في السجون الرئيسية، بينهم 350 صدرت بحقهم أحكام مبرمة، فيما لا يزال الباقون قيد المحاكمة. كما يوجد 650 موقوفًا في مراكز التوقيف الموقتة. ويشكّل هؤلاء نحو 30% من عدد السجناء في لبنان، الذي تعاني سجونه أصلًا من الاكتظاظ.
وبحسب مصدر أمني تحدث إلى الوكالة، فإن "أوضاع هؤلاء صعبة أسوة بباقي السجناء من لبنانيين وجنسيات أخرى، بسبب تراجع التقديمات الغذائية والطبية نتيجة الأزمات المالية والاقتصادية التي يعيشها لبنان، والازدحام في الزنزانات".
ومن بين هؤلاء، مئات موقوفون بتهم تتعلق بـ"الإرهاب" والانتماء إلى فصائل مسلحة، وقد أحيلوا إلى المحكمة العسكرية، ومنهم من اتُّهم بالمشاركة في هجمات ضد الجيش اللبناني بعد عام 2011.
وأشارت فرانس برس إلى أن أكثر من مئة سجين سوري في سجن رومية خاضوا إضرابًا عن الطعام في فبراير الماضي للمطالبة ببتّ ملفاتهم عقب تغيير السلطة في دمشق.
أما تلفزيون سوريا، فنقل عن مصادر حقوقية تأكيدها أن "أكثر من ألفي سجين سوري يعيشون أوضاعًا صعبة داخل السجون اللبنانية"، معظمهم من دون محاكمات واضحة، وهو ما يدفع عائلاتهم للمطالبة بتحسين ظروفهم واتخاذ خطوات عاجلة تنهي معاناتهم.
من هي الجهات المكلّفة بالتحرّك؟
يتعامل الرئيس السوري أحمد الشرع مع ملف الموقوفين السوريين في لبنان بوصفه "قضية غير قابلة للتنازل أو التأجيل"، بحسب ما أفاد تلفزيون سوريا. وفي لقائه مع وفد دار الفتوى اللبناني برئاسة المفتي عبداللطيف دريان، عبّر الشرع عن "استيائه الشديد من تلكؤ السلطات اللبنانية في معالجة هذا الملف"، حسب زعم تقرير تلفزيون سوريا، مشددًا على أن تجاهله لم يعد مقبولًا، وأنّه يسبق أي نقاش في ملفات التعاون الأخرى، بما فيها اللاجئون أو العلاقات الاقتصادية.
ووفق المعلومات التي نقلها تلفزيون سوريا عن مصادر لبنانية، قرر الرئيس السوري تكليف وزير الخارجية أسعد شيباني بزيارة بيروت خلال أيام، واصفًا هذه الزيارة بـ"الفرصة الدبلوماسية الأخيرة" قبل أن تتخذ دمشق خطوات تصعيدية سياسية ودبلوماسية متدرجة ضد الحكومة اللبنانية، لكن مزاعم تلفزيون سوريا نقلا عن المصدر نفيت لاحقا.
وسبق للشيباني أن ناقش الملف مع رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام في مايو الماضي، مؤكدًا حينها "حرص الحكومة السورية على إنهاء هذا الملف في أقرب وقت ممكن"، كما بحثه أيضًا مع نواف سلام والرئيس اللبناني في أبريل، وفق ما أوردته الإخبارية السورية.
هل التهديدات بالتصعيد جدّية؟ وما موقف الحكومة السورية الرسمي؟
رغم اللغة الحادة المزعومة التي استخدمت مع الوفد الديني اللبناني، إلا أن مصدرًا في وزارة الإعلام نفى في حديث إلى الإخبارية السورية ما تردد عن نية الحكومة السورية اتخاذ إجراءات تصعيدية تجاه لبنان.
وقال المصدر إن "لا صحة لما يتداول عن وجود نية لدى الحكومة السورية باتخاذ إجراءات تصعيدية تجاه لبنان"، مؤكدًا في المقابل "ضرورة معالجة ملف المعتقلين السوريين بأسرع وقت من خلال القنوات الرسمية بين البلدين".
وكانت تقارير إعلامية، بحسب الإخبارية السورية، قد تحدثت عن احتمال اتخاذ خطوات تدريجية ضد لبنان تشمل "تجميد بعض القنوات الأمنية والاقتصادية، وإعادة النظر في التعاون الأمني الحدودي المشترك"، وصولًا إلى "إغلاق معابر حدودية وفرض قيود على الشاحنات اللبنانية"، إلا أن هذه المزاعم نُفيت رسميًا.
في المقابل، أكد حساب رئاسة الجمهورية اللبنانية على منصة "إكس"، الجمعة، أن بيروت "تحرص على إقامة علاقات جيّدة مع سوريا، مع التأكيد على عدم التدخّل في الشؤون الداخلية لأيّ من البلدين".
ما مصير التعاون الاقتصادي واللوجستي في ظل الأزمة؟
رغم الأجواء المتوترة، بدا أن ملف الشاحنات اللبنانية على الحدود لم يتأثر سلبًا حتى اللحظة. إذ أكدت سانا، في 8 يوليو، أن الحكومة السورية تسعى لتقديم تسهيلات جديدة لحركة الشاحنات بين سوريا ولبنان، بهدف "تعزيز التبادل التجاري".
وبحسب تصريحات وزير النقل السوري، يعرب بدر، فإن الحكومة "مستعدة لدراسة المطالب التي تقدم بها الوفد اللبناني"، والعمل على "وضع حلول عملية تضمن استمرار حركة الشاحنات بانتظام".
اللقاء الذي جرى في مبنى وزارة النقل بدمشق، جمع الوفد اللبناني برئاسة أحمد الخير مع مسؤولي قطاع النقل في سوريا، وخلص إلى التأكيد على "أهمية التنسيق لمواجهة التحديات التي تعترض انسياب النقل البري"، بحسب سانا.
واعتبر الجانب اللبناني أن هذه التسهيلات تُعبّر عن حرص سوريا على الحفاظ على قنوات التواصل والتعاون، رغم الحساسية السياسية التي يفرضها ملف الموقوفين السوريين، الذي يتصدّر واجهة العلاقات الثنائية في هذه المرحلة الدقيقة.