الانسحاب من المسرح الدولي.. عقبة أمام طموحات ترامب
عندما ترشّح دونالد ترامب للرئاسة في أعوام 2016 و2020 و2024، قدّم وعداً محورياً للناخبين: "لا مزيد من التورّط المكلف في الخارج".
وكرّر ذلك في حملته الأخيرة حين وصف نفسه بأنّه "الرئيس الوحيد الذي رفض نصائح الجنرالات والبيروقراطيين والدبلوماسيين الذين لا يعرفون سوى جرّنا إلى الحروب، دون أن يعرفوا كيف يُخرجوننا منها".
لكن وبعد مضي ستة أشهر فقط على ولايته الثانية، تُظهر أفعاله تناقضاً صارخاً مع شعارات "أميركا أولاً" و"الانعزال عن العالم"، إذ دخل في سلسلة من النزاعات، وهدّد دولاً ذات سيادة، وتورّط بشكل مباشر في أزمات جيوسياسية، وفقا لتقرير نشرته مجلة
نيوزويك.
وقد لخّص الخبير في العلاقات الدولية توماس غراهام، الزميل البارز في "مجلس العلاقات الخارجية"، هذا التناقض بقوله: "لم أرَ ما يدل على أنّ ترامب انعزالي أو انسحب من الساحة العالمية منذ تولّيه المنصب، بل على العكس، هو أكثر تورطاً من بايدن وأوباما".
تدخلات ترامب.. تصعيد عسكري وحروب تجارية
في يونيو الماضي، أمر ترامب بشنّ ضربات بصواريخ خارقة للتحصينات وصواريخ توماهوك على منشآت نووية إيرانية في فردو ونطنز وأصفهان، في خطوة غير مسبوقة.
وقبل ذلك، في 2020، اغتال قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني في العراق. وفي مارس الماضي، أمر بقصف مواقع للحوثيين في اليمن.
هدد
مؤخراً بفرض رسوم جمركية بنسبة 50٪ على صادرات البرازيل، احتجاجاً على ملاحقة صديقه الرئيس السابق جايير بولسونارو، متدخلاً مباشرة في شؤون داخلية لدولة ذات سيادة.
رغم تعهّده بإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا قبل دخوله البيت الأبيض، لا تزال الحرب مشتعلة، بل وتصاعدت الضربات الروسية في ظل غياب تقدم دبلوماسي ملموس.
لعب ترامب دور الوسيط في الحرب بين إسرائيل وحماس، واقترح استحواذا أميركيا على غزة، ولم يستبعد نشر قوات أميركية في البداية، قبل أن يتراجع.
وقد أعلن عن اتفاق لوقف إطلاق نار لمدة 60 يوما بين إسرائيل وحماس، إلا أنّ مصادر من حماس نفت وجود أي تقدم.
طرح ترامب مرارا تساؤلات حول التزام أميركا بالبند الخامس من معاهدة الناتو، وأطلق حربا تجارية ضد أقرب الحلفاء ككندا وفرنسا وبريطانيا، ما أثار شكوك الأوروبيين في مصداقية التحالف مع واشنطن.
لكنه في المقابل، نجح، بحسب مؤيديه، في دفع أعضاء الحلف لزيادة إنفاقهم الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2035.
لمّح ترامب علناً إلى رغبته في غزو غرينلاند، وأثار الحديث عن ضم كندا، ما أثار موجات من القلق في العواصم الغربية.
غراهام: ترامب لا يرى العالم شبكة تحالفات بل منافسة ثنائية
يرى توماس غراهام أن ترامب "لا يؤمن بالحلفاء والقيم المشتركة بل يفكّر في الشؤون العالمية كتنافسات ثنائية يريد الفوز فيها بأي ثمن". وأضاف: "لقد قصف إيران، وتدخّل في ملف روسيا وأوكرانيا، وفتح جبهات تجارية ضد الجميع. هذه ليست انعزالية بأي شكل".
انسحاب من المؤسسات... وتورّط في النزاعات
رغم انسحاب ترامب من منظمات دولية مثل منظمة الصحة العالمية واتفاق باريس للمناخ، وتنصّله من الاتفاقيات متعددة الأطراف وتهجّمه على النظام التجاري العالمي، إلا أنه لم يغب عن ساحات النزاع، بل ظل حاضرا بوضوح من خلال تدخلات عسكرية ومبادرات دبلوماسية فردية، ووفقا لصحيفة
The Japan Times.
في خضم الانسحاب عن المؤسسات، صعدت مجموعة "بريكس" لتقدّم نفسها كبديل لـ "النظام الدولي التقليدي"، متبنية قضايا العولمة، الذكاء الاصطناعي، التغيّر المناخي، والتعاون متعدد الأطراف.
وأشار الأستاذ في جامعة طوكيو سيباستيان ماسلو إلى أنّ "بريكس تحاول ملء الفراغ في الحوكمة العالمية الذي خلّفه انسحاب الولايات المتحدة".
وعلّق الدبلوماسي البرازيلي البارز سيلسو أموريم بالقول: "بينما تتراجع أمريكا عن النظام الذي أنشأته بعد الحرب العالمية الثانية، تجد الصين ودول الجنوب العالمي نفسها حماة التعددية".