لماذا تتدخل إسرائيل في السويداء؟
في لحظة مفصلية من التصعيد العسكري جنوب سوريا، أطلقت إسرائيل غارات جوية "استثنائية الحجم"، بحسب ما نقلته تايمز أوف إسرائيل عن "مسؤول عسكري رفيع"، الذي اعتبر أنّ العملية ليست مجرد ردّ على اقتراب آليات عسكرية سورية من السويداء، بل "اختبار" مزدوج لمدى جدية إسرائيل في فرض سياسة نزع السلاح في الجنوب السوري، وكذلك لمدى التزامها بحماية أبناء الطائفة الدرزية في سوريا، انطلاقًا مما تصفه القيادة الإسرائيلية بـ"التحالف العميق" الذي يربطها بالدروز داخل إسرائيل.
فقد اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يسرائيل كاتس، أن دخول القوات السورية إلى مدينة السويداء يُعد خرقًا للتفاهمات المسبقة، ووجّها الجيش الإسرائيلي إلى تنفيذ ضربات جوية استهدفت قوافل مدرعة، بما فيها دبابات وناقلات جنود ومدافع صاروخية، وفقًا لما أعلنه الجيش الإسرائيلي.
في المقابل، ردّت دمشق بالإعلان عن وقف إطلاق نار من طرفها، فيما تصاعدت الاحتجاجات داخل المجتمع الدرزي في إسرائيل، مترافقة مع انقسامات في القيادة الروحية للدروز في سوريا نفسها.
وعلى ضوء الضربة الإسرائيلية الأخيرة في السويداء، تُطرح الإشكالية التالية: هل نجحت إسرائيل في فرض اختبار نزع السلاح جنوب سوريا أم انزلقت إلى التورّط في الداخل السوري؟
تقدم التقارير الإعلامية الصادرة من مصادر إسرائيلية وسورية روايتين متناقضتين حول أسباب هذا التطور.
- "حماية الأقليات" مقابل "بسط سيادة الدولة"
كان المبرر الأبرز في الخطاب الإسرائيلي هو حماية الطائفة الدرزية، بينما أكدت دمشق أن عمليتها كانت تهدف إلى فرض القانون واستعادة الاستقرار.
- الرواية الإسرائيلية: أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه أن "إسرائيل ملتزمة بمنع المساس بالدروز في سوريا بسبب التحالف العميق" مع الدروز في إسرائيل، حسب كان، ويديعوت أحرونوت. وقد جاء هذا الموقف متزامنًا مع تقديرات أمنية إسرائيلية حذرت من "خطر حقيقي يهدد الطائفة الدرزية"، وفق القناة ١٢ الإسرائيلية، ومع دعوات من جنود دروز في إسرائيل تطالب بالتدخل.
- الرواية السورية: على الجانب الآخر، قدمت دمشق العملية على أنها استجابة لـ"حالة الفوضى الأمنية" التي تسببت بها "فصائل عسكرية غير منضبطة"، وفق الإخبارية السورية. وأكد قائد الأمن الداخلي في السويداء أن الهدف هو "إنهاء الفوضى" وبدء "عصر جديد تعيش فيه المحافظة كجزء أصيل من سوريا". كما أشارت المصادر الرسمية السورية إلى أن دخول القوات تم بترحيب من "فعاليات دينية وشعبية" و"وجهاء وأعيان المحافظة"، حسب تلفزيون سوريا، بهدف "حماية الأهالي والحفاظ على السلم المجتمعي".
- "خرق التفاهمات" مقابل "مواجهة الخارجين عن القانون"
اعتبرت إسرائيل دخول القوات السورية تجاوزًا للخطوط الحمراء، في حين وصفته دمشق بأنه عملية أمنية داخلية ضرورية.
- الرواية الإسرائيلية: وصفت المصادر الإسرائيلية دخول الدبابات السورية بأنه "خرق واضح للتفاهمات المسبقة" و"لسياسة نزع السلاح" في جنوب سوريا، مما يشكل "تهديدًا لإسرائيل"، وفق القناة ١٢ الإسرائيلية، ويديعوت أحرونوت. وأوضح الجيش الإسرائيلي أن غاراته استهدفت "تعطيل وصول" هذه القوات إلى المنطقة، حسب القناة ١٣ الإسرائيلية.
- الرواية السورية: أكدت دمشق أن تحركها كان لمواجهة "مجموعات خارجة عن القانون"، وفق تلفزيون سوريا. وقد أعلن وزير الدفاع السوري عن وقف لإطلاق النار، موضحًا أن الردّ سيكون فقط على "مصادر النيران" من هذه المجموعات. وفي حين لم تعلق المصادر الرسمية السورية مباشرة على "خرق التفاهمات"، فإنها أكدت سقوط "جرحى وقتلى من الجيش السوري جراء غارة إسرائيلية"، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، وتلفزيون سوريا.
- "إضعاف السلطة المركزية" كنتيجة للتدخل
بغض النظر عن الدوافع المعلنة، كانت النتيجة المباشرة للغارات الإسرائيلية هي منع دمشق من بسط سيطرتها الكاملة على السويداء.
- منظور دمشق: كان الهدف المعلن للحكومة السورية هو "بسط سلطة الدولة" و"إعادة المحافظة إلى أحضان سوريا"، حسب الإخبارية السورية. وقد اجتمع وفد حكومي مع وجهاء المحافظة لمناقشة "انتشار القوات الأمنية وضبط الأمن والاستقرار".
- النتيجة على الأرض حسب إسرائيل: أدى التدخل الإسرائيلي إلى وقف تقدم القوات السورية وإجبارها على إعلان وقف إطلاق النار وسحب معداتها الثقيلة، وفق القناة ١٣، ويديعوت أحرونوت. هذا الواقع الميداني يخدم المصلحة الإسرائيلية في إبقاء الجنوب السوري غير خاضع بالكامل لسلطة مركزية قوية، ويعزز من استقلالية الفصائل المحلية، وهو ما يتعارض بشكل مباشر مع هدف دمشق المعلن بـ"إنهاء عصر الفوضى".
ضربات "استثنائية" في السويداء.. ما الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه؟
قال مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية إنّ الغارات التي شنها الجيش الإسرائيلي ضد القوات السورية في السويداء "واسعة النطاق بشكل استثنائي"، وتهدف إلى "اختبار سياسة نزع السلاح من جنوب سوريا"، إلى جانب الالتزام تجاه الدروز، بحسب ما أوردته تايمز أوف إسرائيل.
الجيش الإسرائيلي أوضح أنه استهدف "آليات مدرعة عدة، بينها دبابات وناقلات جنود ومدافع صاروخية متعددة الفوهات، إضافة إلى طرق الوصول"، وذلك بعد رصد قافلة مدرعة سورية متجهة لمدينة السويداء.
كما أكد الجيش الإسرائيل أنه نفّذ الضربة "وفقًا لتوجيهات المستوى السياسي"، وأنه "يواصل مراقبة التطورات في سوريا".
احتجاجات في الداخل الإسرائيلي ورسائل تحذير
في الداخل الإسرائيلي، تزامن التصعيد مع تصاعد الغضب الشعبي بين أبناء الطائفة الدرزية، إذ شهدت مناطق شمالية مظاهرات وقطع طرق مطالبين بحماية دروز سوريا، وفق ما أوردته القناة ١٣.
وفي وقت سابق من اليوم، أرسلت جمعية الجنود الدروز المسرّحين والاحتياط في إسرائيل رسالة مباشرة إلى نتنياهو تطالبه بالتدخل العاجل.
الرسالة التي نشرتها كان أكدت أن "أبناء الطائفة الدرزية في سوريا لا يزالون هدفًا لهجمات"، ووُصفت الأحداث بأنها "سلسلة لا تنتهي من المجازر، والخطف، والنهب، والاعتداءات على المدنيين الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ".
الرسالة شددت على أن "الشهادات المصورة من الميدان تهزّ ضمير كلّ إنسان، والصمت يدوّي رغم التحذيرات والوعود السابقة"، وطالبت بـ"إصدار تعليمات عاجلة لتقديم مساعدات عسكرية أو إنسانية"، ودعت إلى "فتح ممر إنساني لتوفير المعدات والحماية"، فضلًا عن "تفعيل الضغوط على الساحة الدولية لطرح القضية".
القيادة الروحية الدرزية بين موقفين
داخل السويداء، نُشر بيان رسمي لقادة روحيين يبدون فيه موافقتهم على دخول القوات السورية، وأشار موقع السويداء 24 إلى غياب الشيخ حكمت الهجري عن المشهد، وهو أحد أبرز القادة الدينيين للطائفة.
الشيخ الهجري أصدر لاحقًا بيانًا خاصًا دعا فيه إلى وقف ما وصفه بـ"الإبادة الجماعية الجارية في جبل الدروز"، وأوضح أن البيان السابق "فُرض على القادة الروحيين من قبل القوات السورية"، مشيرًا إلى أن "قوات الأمن خرقت الاتفاق وهاجمت المدنيين من دون تمييز"، بحسب ما نُقل عبر كان.
من جانبه، عبّر الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، عن استغرابه من سماح الجيش الإسرائيلي بوصول الدبابات من دمشق إلى جبل الدروز، وصرّح لإذاعة ريشت بيت قائلاً: "هذا يتناقض مع تصريحات إسرائيل، يجب على العالم أن يوقف المجزرة، هناك مئات القتلى".
وقف إطلاق نار بعد التصعيد.. "عصر جديد"
في أعقاب الضربات الإسرائيلية، أعلن وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، وقف إطلاق نار في السويداء، موضحًا أن "إطلاق النار سيكون مسموحًا فقط ردًا على مصادر نيران أو أي هجوم آخر من عناصر خارجة عن القانون"، بحسب القناة ١٣.
وأضافت وكالة الأنباء السورية الرسمية أن الجيش السوري بدأ بالانسحاب من المدينة تمهيدًا لنقل السيطرة إلى جهاز الأمن الداخلي.
وفي تصريحات لاحقة، قال قائد الأمن الداخلي في السويداء، العميد أحمد الدالاتي، إن العملية تمت "بالتنسيق مع الزعماء الدينيين"، معتبرًا أن "عصرًا جديدًا يبدأ في السويداء"، تعود فيه المحافظة "إلى أحضان سوريا جغرافيًا واجتماعيًا"، بحسب ما أوردته الإخبارية السورية ونقلته يديعوت أحرونوت.
في المقابل، نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الغارات الإسرائيلية أدت إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف الجيش السوري، بعد استهداف رتل عسكري غربي المدينة. كما وثّق تلفزيون سوريا وقوع خسائر بشرية في صفوف الجيش والأمن الداخلي نتيجة غارات وكمائن لفصائل مسلحة.
وفيما كان المشهد يتجه نحو التهدئة، شددت افتتاحية جيروزاليم بوست على أن استمرار الفوضى الطائفية في السويداء "يقوّض أي مسعى إسرائيلي للتقارب مع دمشق".