الاقتصاد العالمي في مهب ترامب.. ودول عربية في مرمى الرسوم
تستعد الأسواق العالمية لهزة جديدة مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب جولة جديدة من الرسوم الجمركية القاسية التي ستدخل حيز التنفيذ في الأول من أغسطس 2025.
وبحسب مسؤول كبير في البيت الأبيض فإنّ هذه الرسوم ستدخل حيّز التنفيذ في 7 أغسطس، أي بعد سبعة أيام من الموعد الذي كان محدّدا أساسا.
وقال البيت الأبيض في بيان إنّ نسبة الرسوم الجمركية الجديدة تتراوح بين 10% و41%، وقد تصدّرت سوريا هذه القائمة إذ فرضت عليها أعلى نسبة من الرسوم، علما بأنّ هذه التعرفات ستطبّق على الدول التي لم تتوصّل إلى اتفاقات تجارية ثنائية مع الولايات المتحدة.
وهذه الرسوم، طالت إضافة إلى سوريا بعض الدول العربية بينهم الجزائر وتونس وليبيا والعراق والأردن.
أما الدول التي أبرمت اتفاقات تجارية ثنائية مع الولايات المتّحدة فستسري عليها الرسوم المنصوص عليها في تلك الاتفاقيات.
ومن هنا حدّد المرسوم نسبة التعرفات الجمركية على منتجات كلّ من الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية بـ15% بينما حدّد تلك التي ستفرض على البضائع البريطانية بـ10%.
لماذا يفرض ترامب كل هذه الرسوم الجديدة؟
في أبريل الماضي، أعلن ترامب ما أسماه "يوم التحرير" بإعلان حالة طوارئ وطنية وفرض تعريفة جمركية أساسية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تلتها رسوم إضافية "متبادلة" بنسب أعلى على دول بعينها.
وترى إدارة ترامب أن العجز التجاري الكبير مع كثير من الدول غير عادل، وأن هذه الرسوم ضرورية لتصحيح الاختلالات التجارية، وتحفيز التصنيع الأميركي وحماية الوظائف.
إلى جانب التجارة، يوظّف ترامب هذه الرسوم كأداة ضغط في ملفات أخرى، منها الهجرة وأزمة الفنتانيل والأفيونات، والضغط على الحلفاء في قضايا جيوسياسية مثل علاقات الهند مع روسيا أو الإجراءات القانونية في البرازيل ضد حليفه جايير بولسونارو.
وفي الأيام الأخيرة قبل موعد الأول من أغسطس، مارست الإدارة الأميركية ضغوطاً مكثفة على شركاء تجاريين مثل اليابان والاتحاد الأوروبي وإندونيسيا والفلبين لإبرام اتفاقات تقبل بموجبها برسوم أميركية أعلى مقابل استمرار الوصول إلى السوق الأميركية، وفي معظم الحالات، تعهدت بعدم فرض رسوم مضادة.
الدول العربية الأكثر تأثراً
تصدّرت سوريا القائمة إذ فرضت عليها أعلى نسبة من الرسوم بلغت ٤١ بالمئة.
فرضت الولايات المتحدة رسوماً بنسبة 30 في المائة اعتباراً من 1 أغسطس على صادرات الجزائر، وهي نفس النسبة التي أُعلنت في أبريل الماضي. تشمل الصادرات المستهدفة النفط والمنتجات الحديدية والأسمنت. ويبلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 3.5 مليارات دولار، منها 2.5 مليار دولار واردات أميركية من الجزائر. وقد أرسل ترامب خطاباً للرئيس عبد المجيد تبون أكد فيه أنه سيتم الرد بالمثل على أي رسوم انتقامية.
فرضت علي رسوم بنسبة ٣٥ بالمئة، وكان العراق من أوائل الدول التي تلقت إنذاراً رسمياً. فقد أرسل ترامب الأربعاء خطاباً لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني هدّد فيه بفرض رسوم بنسبة 30 في المائة على جميع الواردات العراقية إلى الولايات المتحدة اعتباراً من الأول من أغسطس، انخفاضاً من نسبة 39 في المائة التي أُعلنت في أبريل. وتشمل الصادرات النفط الخام والمنتجات البترولية. بلغ حجم التجارة بين البلدين في 2024 نحو 9.1 مليارات دولار، معظمها صادرات عراقية إلى الولايات المتحدة.
ستُطبق رسوم بنسبة 30 في المائة انخفاضاً من 31 في المائة كانت قد أُعلنت سابقاً. النفط يمثل معظم صادرات ليبيا البالغة 1.5 مليار دولار من إجمالي تجارة ثنائية قيمتها 2 مليار دولار.
تلقت تونس تحذيراً مشابهاً، لكن بنسبة أقل بلغت 25 في المائة على صادراتها إلى الولايات المتحدة، انخفاضاً من 28 في المائة التي أُعلنت في أبريل. تشمل صادرات تونس المستهدفة الزيوت النباتية والملابس والفواكه والمكسرات. تبلغ قيمة الصادرات التونسية إلى السوق الأميركية 1.1 مليار دولار سنوياً.
تم تأجيل الرسوم المتبادلة على البلدين حتى الأول من أغسطس. ستُفرض نسبة ١٥ في المائة على جميع منتجات الأردن، مع بعض الاستثناءات.
دول أخرى في مرمى الرسوم الجمركية الأميركية
لم تقتصر سياسة الرئيس ترامب التصعيدية على الدول العربية، بل امتدت لتشمل شركاء تجاريين كبار حول العالم، ما جعل العديد من الاقتصادات في حالة ترقّب وقلق.
زيارة على كندا والمكسيك الناجية الوحيدة
لم تنج كندا والمكسيك، أكبر شريكين تجاريين للولايات المتحدة في القارة الأميركية، من موجة الرسوم.
وزاد ترامب من 25% إلى 35% الرسوم الجمركية على منتجات كندا غير المشمولة باتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية.
وبحسب البيت الأبيض فإنّ "كندا فشلت في التعاون للحدّ من تدفّق الفنتانيل وغيره من المخدّرات" إلى الولايات المتّحدة و"اتّخذت إجراءات انتقامية ضدّ الولايات المتّحدة".
لكنّ الناجية الوحيدة من الأمر التنفيذي الصادر الخميس هي المكسيك، أقلّه حتى الآن، إذ إنّ الجارة الجنوبية للولايات المتحدة حصلت على مهلة 90 يوما قبل أيّ زيادة محتملة في الرسوم الجمركية الأميركية على منتجاتها.
وكان ترامب قد استهدف الدولتين في فبراير الماضي بفرض رسوم بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات، مبرراً ذلك بعدم تعاونهما الكافي في مكافحة تدفق مادة الفنتانيل. وبعد ردود فعل واسعة، خفّفت الإدارة الأميركية القيود لاحقاً على السلع المشمولة باتفاقية USMCA، إلا أن الرسوم الجديدة تعيد أجواء التوتر التجاري بين الدول الثلاث.
نجح الاتحاد الأوروبي في إبرام اتفاق مع إدارة ترامب قبل أيام قليلة من موعد دخول الرسوم حيّز التنفيذ، يقضي بتطبيق تعريفة أساسية بنسبة 15 في المائة على الصادرات الأوروبية بدلاً من 30 في المائة التي كانت مهددة بها.
تضمن الاتفاق أيضاً خفض الرسوم على السيارات الأوروبية إلى 15 في المائة وإعادة الرسوم على الطائرات إلى مستويات ما قبل يناير. ومع ذلك، حذرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من أن الرسوم الجديدة قد تعطل سلاسل الإمداد الحيوية وتضر بالشركات والمستهلكين على جانبي الأطلسي، ملوحةً باتخاذ إجراءات مضادة إذا لزم الأمر.
آسيا: اليابان، كوريا الجنوبية، الصين
أعرب العديد من الدول الآسيوية التي تعتمد بقوة على السوق الأميركية عن ارتياحها لخضوع صادراتها لتعرفات جمركية إضافية تقلّ عن تلك التي كان ترامب يعتزم فرضها، مثل كمبوديا وتايلاند اللتين خفّضت الرسوم على بضائعهما من 36% إلى 19%.
ففي آسيا، سارع عدد من الاقتصادات الكبرى إلى تقديم تنازلات لتجنب التصعيد. اليابان توصلت إلى اتفاق يسمح بتخفيض الرسوم من 25 في المائة إلى 15 في المائة، مع معاملة تفضيلية خاصة لقطاع السيارات الذي يعد العمود الفقري لاقتصادها.
من جهتها، أبرمت كوريا الجنوبية اتفاقاً مشابهاً يتضمن تعريفة عامة بنسبة 15 في المائة على صادراتها، وخفض الرسوم على قطاع السيارات، إضافة إلى تعهد بضخ 350 مليار دولار كاستثمارات أميركية موجهة.
أما الصين، فتظل في صدارة المواجهة. فقد فرض ترامب رسوماً عالية وصلت في إحدى المراحل إلى 145 في المائة على الواردات الصينية، قبل أن يتم الاتفاق في مايو على خفضها إلى 30 في المائة بشكل مؤقت حتى 12 أغسطس.
ولا تزال المفاوضات مستمرة وسط أجواء من الشكوك العميقة بين الطرفين، إذ تعتبر الصين المستهدف الأول لاستراتيجية ترامب التجارية.
في جنوب شرق آسيا، استطاعت فيتنام إبرام اتفاق في الثاني من يوليو يقضي بتقليص الرسوم إلى 20 في المائة بدلاً من 46 في المائة، لكن مع فرض ضريبة إضافية بنسبة 40 في المائة على البضائع التي يعاد تصديرها من دول أخرى عبر فيتنام.
خفّضت إندونيسيا، هي الأخرى، الرسوم إلى 19 في المائة بعد تعهدها بإزالة الحواجز الجمركية عن أكثر من 99 في المائة من المنتجات الأميركية. كما حصلت الفلبين حصلت على نسبة مماثلة بعد اتفاقها مع واشنطن في 22 يوليو، وتعهدت بعدم فرض رسوم مضادة على السلع الأميركية.
لم تتوصل أستراليا والهند إلى اتفاقات جديدة حتى الآن، ما يضع صادراتهما تحت خطر رسوم جمركية مرتفعة.
وفرضت رسوم بنسبة ٢٥ بالمئة على الهند، في وقت يسعى ترامب للضغط عليها لخفض علاقاتها التجارية مع روسيا.
وفي أميركا الجنوبية، تعرضت البرازيل لأقسى الإجراءات حتى الآن، إذ فرضت عليها واشنطن رسوماً تصل إلى 50 في المائة، وهي النسبة الأعلى في كل الحملة. أما الأرجنتين وتشيلي، فتخضعان حالياً لتعريفة أساسية بنسبة 10 في المائة، بانتظار مفاوضات قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد أو التخفيف.
انعكاسات على الاقتصاد العالمي
تثير الرسوم الأميركية الواسعة النطاق مخاوف كبيرة على مستوى الاقتصاد العالمي، إذ تعتمد الكثير من الشركات متعددة الجنسيات على سلاسل إمداد معقدة تربط بين هذه الدول، وأي تعطيل لهذه الشبكات قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين الأميركيين أنفسهم.
كما تعزز التوترات التجارية احتمالات دخول الاقتصاد العالمي في حالة تباطؤ أوسع، خاصة مع تحذيرات صندوق النقد الدولي من أن الرسوم المتبادلة قد تخفض النمو العالمي بنسبة تصل إلى 1 في المائة في 2025.