سياسة

تركيا في الساحل.. بديل للغرب أم مهندس نظام جديد؟

نشر
blinx
من جزر سبراتلي في المحيط الهادئ إلى مدن الساحل الأفريقي، يتكرّر المشهد: تغيب القوى الغربية أو تتراجع، فتتقدم قوى أخرى بخطى هادئة.
وبينما انشغلت واشنطن وباريس بخسائر النفوذ وخطابات "الحوكمة الرشيدة"، كانت أنقرة تجهّز مقاربة مختلفة.
لا جنرالات، لا إنذارات، بل طائرات مسيّرة، منح دراسية، شركات بناء، وأئمة مدارس.
على مدى عامين فقط، ازدهرت هذه الشبكة بصمت، وملأت فراغًا استراتيجيًا طالما افترضت أوروبا والولايات المتحدة أنه محجوز لهما.
وفق تحليل موسّع نشرته Le Diplomate في 31 يوليو 2025، فإن ما يجري في الساحل اليوم قد يشكّل تحوّلًا جيوسياسيًا لم تلحظه بعد عواصم القرار الغربية.
أما موقع Atlantic Council، فيُوثّق الأرقام والبنية الفعلية لهذا النفوذ، من الطائرات إلى القواعد المحتملة.

اعرف أكثر

ما الذي يميّز الاختراق التركي في الساحل؟

بحسب تحليل Le Diplomate، لم تدخل تركيا منطقة الساحل بالدبابات أو عبر قواعد عسكرية، بل عبر "طائرات مسيّرة، أئمة، منح دراسية، ومشاريع إنشائية".
الباحثة في "المجلس الأطلسي"، جوردانا يوخاي، وصفت هذا الحضور بأنه ليس غزوة بل "عملية اندماج".
في المقابل، تبدو الولايات المتحدة كما تنقل الصحيفة ذاتها، "مشلولة"، رغم وجودها القوي في المنطقة، بسبب ما وصفته بالتردد بين القيم الديمقراطية ومتطلبات الواقعية السياسية.
أما باريس، فتمّت إزاحتها بشكل مباشر من المشهد، على خلفية اتهامات "بالغرور الاستعماري"، وفق تعبير الصحيفة.
تركيا من جهتها، قدّمت عرضًا لا يشتمل على "دروس أخلاقية"، بل على أدوات جاهزة للتنفيذ، بحسب الصحيفة الفرنسية، في مقابل انسحاب واشنطن التي "أوقفت تعاونها العسكري من دون تقديم بديل استراتيجي".

كيف غيّرت المسيّرات موازين القوة في الساحل؟

يوثق Atlantic Council أنّه منذ 2022، تسلّمت بوركينا فاسو ومالي والنيجر طائرات بيرقدار TB2، التي انتشرت بسرعة حتى وُصفت بـ"كلاشينكوف القرن" لما تتمتع به من "كلفة معقولة، وموثوقية، وانتشار واسع".
في 2023، حصلت تشاد على طائرات أنكا-S، وتبعتها في 2024 بطائرات "أكسونغور"، بينما وسّعت مالي أسطولها من TB2.
وفي العام نفسه، اشترت بوركينا فاسو ومالي طائرات أقنجي، الأكثر تطورًا في الترسانة التركية. وقد أعلن رئيس بوركينا فاسو آنذاك أن "قدرتنا الدفاعية تعتمد على TB2، ولدينا الآن طائرة جديدة تُدعى أقنجي".
وبحسب المجلس، أدّت هذه الطائرات إلى "تعويض ضعف القدرات البرية"، وأسهمت في استعادة مالي لمدينة كيدال عام 2024، في تحول حاسم على الأرض.

إلى أي حد يتجاوز النفوذ التركي حدود بيع السلاح؟

النفوذ التركي يتعدى المعدات العسكرية، بحسب تقارير Le Diplomate وAtlantic Council.
من جهة، تموّل مؤسسة "ديانت" التركية المساجد وتدرّب الوعاظ، وتدير مدارس دينية وتعليمية في مدن الساحل، ضمن ما وصفته الصحيفة الفرنسية بأنه "عرض مصمم خصيصًا لإغراء أنظمة قطعت صلتها بالغرب".
من جهة أخرى، يشير Atlantic Council إلى تقارير عن دور لشركة "صادات" العسكرية الخاصة في مالي والنيجر، حيث يقال إنها تدرب قوات نخبة موالية للرؤساء، وتؤمّن المشاريع والمصالح التركية، رغم نفي وزارة الدفاع التركية لهذا الانتشار.
كما نقلت مجلة Military Africa أن تركيا حصلت على قاعدة عسكرية في تشاد عام 2025، في مدينة أبشي، من دون تأكيد رسمي حتى الآن.
أما على مستوى التعليم، فقد أشارت Le Diplomate إلى أن "مدارس معارف التركية" تقدم تعليمًا مجانيًا ومنظمًا، وأن الضباط الشباب يعودون من إسطنبول ومعهم "ولاء غير معلن للنموذج التركي".

هل التعاون التركي بديل دائم للغرب أم شريك مرحلي؟

يرى Atlantic Council أن التعاون مع تركيا قد يسد فجوات عاجلة، لا سيما أن "الولايات المتحدة تعجز عن تقديم دعم عسكري مباشر بسبب القيود القانونية"، فيما تملأ أنقرة هذا الفراغ بمعدّات فعالة وأسعار معقولة.
في الوقت ذاته، يُحذّر المجلس من أن الدعم التركي "لا يخضع للقيود الأميركية الصارمة"، وقد يؤدي إلى أضرار محتملة على المدى البعيد، لا سيما في ما يتعلق بـ"قوانين النزاع المسلح" و"ضوابط استخدام المعدات العسكرية".
أما Le Diplomate، فتصف الدور التركي بأنه نتيجة لـ"تراجع الغرب أكثر منه صعود أنقرة".
وتضيف أنّ أردوغان "لا يعد بالديمقراطية ولا بالشفافية.. بل يعد بطائرات مسيّرة، ومدارس، وشراكات"، وهو ما يكفي لإقناع أنظمة "معزولة، مستعجلة، وتبحث عن ضمانات لبقائها".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة