هواتف الموت فضحت القادة.. إسرائيل تضرب وإيران ترد بالاعتقالات
في قلب حربٍ خاطفة امتدت 12 يومًا، يضع تحقيقٌ لصحيفة نيويورك تايمز ومسارُ اعتقالاتٍ أعلنتها السلطات الإيرانية سؤالًا مركزيًا حول أمن الشخصيات العليا الإيرانية:
- هل تحوّلت إجراءات الحماية ذاتها إلى نقطة ضعفٍ قاتلة؟
فبين تتبّعٍ رقميّ لـ"هواتف حرس الشخصيات" وخطواتٍ مضادّة داخل إيران، تتشكّل حكايةٌ متشابكة عن اختراقٍ أمنيّ عميق، وضربةٍ افتتاحية مُحكمة، وردودٍ أمنية وقضائية واسعة.
كيف حوّلت الهواتف المحمولة الحرس إلى "حلقة ضعيفة"
تمكّنت إسرائيل من تتبّع تحرّكات شخصيات إيرانية بارزة واغتيالهم خلال حرب الأيام الـ١٢، عبر تتبّع الهواتف المحمولة التي كان يحملها أفراد من قواتهم الأمنية، حسب تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز.
لم يُكشف من قبل عن تتبّع إسرائيل للحرّاس. وكان ذلك جزءًا من جهدٍ أوسع لاختراق أكثر الدوائر الأمنية والاستخباراتية الإيرانية حراسةً، وهو جهدٌ جعل المسؤولين في طهران يطاردون "أشباحًا" على مدى شهرين.
وبحسب مسؤولين إيرانيين وإسرائيليين، فقد لعب الاستخدامُ غير المنضبط للهواتف المحمولة من جانب حرّاسٍ أمنيين إيرانيين على مدى سنوات، بما في ذلك النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، دورًا محوريًا في تمكين الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية من تعقّب العلماء النوويين والقادة العسكريين الإيرانيين، وفي تمكين سلاح الجو الإسرائيلي من الانقضاض عليهم وقتلهم بالصواريخ والقنابل في الأسبوع الأول من حرب يونيو، وفق نيويورك تايمز.
"لقد بلغ التغلغل أعلى المستويات"
وقال ساسان كريمي، الذي شغل سابقًا منصب نائب مساعد الرئيس للاستراتيجية في الحكومة الإيرانية الحالية ويعمل الآن محلّلًا سياسيًا ومحاضرًا في جامعة طهران، للصحيفة الأميركية: "نحن نعلم أنّ كبار المسؤولين والقادة لم يحملوا هواتف، لكنّ من يتواصلون معهم، من حرّاسٍ وسائقين، كانوا يحملون هواتف، ولم يأخذوا الاحتياطات على محمل الجد، وهكذا جرى تعقّب معظمهم".
ويرتكز هذا السرد لعملية إسرائيل ضد الاجتماع، وتفاصيلُ كيفية تتبّعها واستهدافها لمسؤولين وقادة إيرانيين، على مقابلات أُجرتها نيويورك تايمز مع ٥ مسؤولين إيرانيين كبار، وعضوين في الحرس الثوري الإيراني، وتسعة مسؤولين عسكريين واستخباراتيين إسرائيليين.
وقال مصطفى هاشمي طبا، نائبٌ سابق للرئيس ووزيرٌ سابق، في مقابلة مع وسائل إعلام إيرانية أواخر يونيو: "لقد بلغ التغلغل أعلى المستويات في صناعة القرار لدينا".
منذ نهاية عام 2022.. وبايدن كان العائق
وصرح مسؤولون إسرائيليون أنّ الفكرة الأساسية في كلتا العمليّتَين كانت تحديد 20 إلى 25 هدفًا بشريًا داخل إيران وضربهم جميعًا في الضربة الافتتاحية للحملة، على افتراض أنّهم سيتوخّون الحذر بعدها ما يجعل استهدافهم أصعب بكثير.
وبُعيد الصراع الأخير، تواصل إيران تركيزها على تعقّب العملاء الذين تخشى بقاءهم داخل البلاد وأروقة الحكومة.
وقالت مصادر إسرائيلية لنيويورك تايمز إنّ إسرائيل كانت تتعقّب كبار العلماء النوويين الإيرانيين منذ نهاية عام 2022، ودرست قتلهم في أكتوبر الماضي، لكنها امتنعت لتجنّب صدامٍ مع إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن.
إجراءات مضادّة.. و"فرصة" معاكسة
ومن الجانب الإسرائيلي، نُظر إلى تزايد وعي إيران بالتهديد الذي يطال الشخصيات الكبرى كفرصة.
فخوفًا من مزيد من الاغتيالات الميدانية من النوع الذي نفذته إسرائيل بنجاح في السابق، أمر المرشد الإيراني، علي خامنئي، بتدابير أمنية واسعة تشمل أعدادًا كبيرة من الحرّاس الشخصيين، وحذّر من استخدام الهواتف المحمولة وتطبيقات المراسلة مثل واتساب، الشائع الاستخدام في إيران، وفق الصحيفة الأميركية.
واكتشفت إسرائيل أنّ هؤلاء الحرّاس لم يكونوا يحملون الهواتف فحسب، بل كانوا ينشرون منها أيضًا على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال مسؤولٌ أمني إسرائيلي إن "استخدام هذا العدد الكبير من الحرس هو نقطة ضعف فرضناها عليهم وتمكّنا من استغلالها".
"منع الهواتف وتبدّل التعليمات"
ومنذ وقتٍ طويل، كان المسؤولون الإيرانيون يشتبهون في أنّ إسرائيل تتعقّب تحركات كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين عبر هواتفهم المحمولة.
وبعد أن فجّرت إسرائيل العام الماضي عبواتٍ ناسفةً مخبّأة داخل آلاف أجهزة النداء التي كان يحملها عناصر حزب الله في لبنان، حظرت إيرانُ على كثيرٍ من مسؤوليها العاملين في وظائف حسّاسة استخدامَ الهواتف الذكية ووسائل التواصل وتطبيقات المراسلة.
وباتت الهواتف الذكية الآن محظورة تمامًا على كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين والمسؤولين الحكوميين.
وتقع حماية كبار المسؤولين والقادة العسكريين والعلماء النوويين على عاتق لواءٍ نخبة داخل الحرس الثوري. وقائد اللواء العام، الذي عُيّن في أغسطس الماضي بعد تولّي الحكومة الجديدة مهامها، هو محمد جواد أسدي، وهو من أصغر القادة الكبار سنًا في الحرس.
وبحسب مسؤولَين إيرانيين كبيرين مطّلعين على المحادثات، فقد حذّر اللواء أسدي بنفسه عددًا من القادة الكبار وعالمًا نوويًا بارزًا، محمد مهدي طهرانجي، من أنّ إسرائيل تخطّط لاغتيالهم قبل مقتلهم على الأقل بشهرٍ واحد في اليوم الأول من الحرب، وفق نيويرك تايمز.
كما دعا قادةَ فرق الحماية إلى اجتماع طالبهم فيه باتخاذ احتياطات إضافية، وفق ما قاله المسؤولون. في البداية، لم يشمل حظرُ الهواتف المحمولة حرّاسَ الأمن الذين يحمون المسؤولين والعلماء والقادة.
وتغيّر ذلك بعد موجة الاغتيالات الإسرائيلية في اليوم الأول من الحرب. وأصبح يُفترض بالحرس الآن حملُ أجهزة لاسلكي فقط. ولا يُسمح بحمل الهواتف إلا لقادة الفرق الذين لا يسافرون مع المسؤولين.
الخرق الحاسم.. مخالفة التعليمات
لكن رغم القواعد الجديدة، وبحسب مسؤولين شاركوا في اجتماعات مع اللواء أسدي بشأن الأمن، فقد خالف أحدهم التعليمات وحمل هاتفًا إلى اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي، ما أتاح للإسرائيليين تنفيذ الضربة الدقيقة، وفق نيويورك تايمز.
السبت.. اعتقال 8 للاشتباه في صلتهم بالموساد
نقلت وسائل إعلام إيرانية رسمية، السبت، عن الحرس الثوري الإيراني قوله إنه اعتقل ٨ أشخاص يشتبه في محاولتهم نقل إحداثيات مواقع مهمة وتفاصيل عن شخصيات عسكرية كبيرة إلى جهاز المخابرات الإسرائيلي، الموساد، حسب رويترز.
وتتهمهم السلطات بتقديم المعلومات إلى الموساد خلال الحرب الجوية التي شنتها إسرائيل على إيران في يونيو عندما هاجمت المنشآت النووية الإيرانية وقتلت كبار القادة العسكريين.
وردت إيران بوابل من الصواريخ على المواقع العسكرية والبنية التحتية والمدن الإسرائيلية.
ودخلت الولايات المتحدة الحرب في 22 يونيو بقصف للمنشآت النووية الإيرانية.
وقال بيان صادر عن الحرس الثوري إن المشتبه بهم تلقوا تدريبا متخصصا من الموساد عبر منصات على الإنترنت.
وذكر البيان أنه جرى القبض عليهم في شمال شرق إيران قبل تنفيذ خططهم وأنه تم ضبط مواد لصنع قاذفات، وقنابل ومتفجرات وشراك.
وذكرت وسائل الإعلام الرسمية في وقت سابق من هذا الشهر أن الشرطة الإيرانية اعتقلت ما يصل إلى 21 ألف "مشتبه به" خلال الحرب مع إسرائيل التي استمرت 12 يوما، من دون أن تذكر ما يشتبه في أن هؤلاء الأشخاص ارتكبوه.
وشنت قوات الأمن حملة اعتقالات واسعة النطاق وكثفت وجودها في الشوارع خلال الحرب القصيرة التي انتهت بوقف إطلاق نار بوساطة أميركية، حسب رويترز.